زينة سليم
“أم عبد الله” … اسم قد يوحي بأن صاحبته في الأربعينيات أو الخمسينيات من عمرها، لكن لم يخطر ببالي أن يكون لفتاة عمرها لم يتعد الـ(18) عاماً، ولديها ثلاثة أطفال، ثانيهم “عبد الله”. هي من مدينة حلب، وتعرفت عليها أثناء نزوحي الى قرية الطبريات في درعا.
كانت تسكن في غرفة هي عبارة عن محل من التوتياء، لم أكن اعرف الفتاه ولا من أين هي، لكنها كانت جارتي في السكن بعد وصولي الى قرية الطبريات مهجرة من بيتي بسبب المعارك التي تدور في مدينتنا. عندما وصلت شاهدت ثلاثة أطفال صغار (بنت عمرها 4 سنوات وهي الكبرى، وولد عمره 3 سنوات وولد عمره سنة)، ما لفت انتباهي هو أن عبد الله، كانت قدماه مضمدتان بالشاش، وكان يزحف على حافة الشرفة الموجودة امام الغرفتين ورأسه محروق. أما الطفل الصغير فكانت يده اليمنى مضمدة أيضاً. تساءلت في نفسي ما بهم هؤلاء الأطفال؟ لكن بسبب تعبي من السير وانا أحمل ابنتي لم أتكلم معهم. دخلت الى الغرفة حيث جلست واغتسلت وأطعمت ابنتي، ثم خلدنا للنوم باكراً. وفي منتصف الليل سمعت بكاء أطفال وانين رجل كبير يصيح.
استيقظت على أصواتهم مذعورة، نظرت لابنتي فوجدتها نائمة، وتبين لي أن الصوت كان من الغرفة الأخرى، وبصراحة لم أتجرأ على الخروج لمعرفة ماذا أصابهم لأني لم اكن اعرفهم. واستمر بكاء الأطفال لمده ساعتين، ثم سمعت صوت امرأة تقول: “يا أبوعبد الله شو أعمل والله مو عارفة شو أجيبلك أو أجيب للأولاد مافي عندي شي، ولا دوا يعني اطلع افيق حدى يوخذكم على المشفى؟”، فرد زوجها: “لا أستطيع التحمل اعملي أيا شي لم أعد أتحمل الوجع”. وهنا تشجعت وقلت سأقوم واسأل كوني سمعت صوت المرأة.
خرجت وناديت: “أم عبد الله أم عبد الله”، وكانت الفاجعة عندما خرجت أم عبدالله، كانت مضمدة الساق بالشاش وتعرج، ولم يتجاوز عمرها 18 عاماً. خرجت وهي مبتسمة وقالت: “تفضلي”، قلت لها: “أنا جارتكم وسمعت صوت الأولاد انشالله ما في شيء؟” قالت: “والله الأولاد وأني وزوجي احترقنا ومبارح إجينا لهون وما بنعرف حدا وما معي دوا ولا مسكن أو مرهم اعطي للأولاد وزوجي”. كان معي بعض مواد الاسعافات الاولية فأعطيتها وضمدنا حروق الأطفال، لكن زوجها ما زال يتألم لأنه محروق ويده فيها كسور وسياخ حديد والعظم متفتت، كان يتألم ويصرخ. نادينا الجيران لمساعدتهم، فاتصلوا بالدفاع المدني، الذين جاؤوا بعد نصف ساعة وأخذوا الرجل وأبناءه الى المستشفى. طلبت منها ان تذهب معهم فرفضت وقالت بأنها لا تتألم: “المهم هم”.
جلست معها بعد أن ذهبوا وتعرفنا على بعض سألتها: “ماذا حدث لكم و كيف احترقتم كلكم؟”، فروت لي قصتها، التي تشابه معظم قصص النازحين في سوريا، قالت: “نحن من حلب وبعد أن استولى النظام على حلب نزحت مع زوجي وأولادي. بعد أن توفي والدي بصاروخ طيارة واعتقل اثنان من إخوتي، لم يتبق لي سوى أخت كبرى وأخ صغير، وبسبب الفقر والوضع الأمني اضطررت للزواج وأنا في عمر 13سنة، وزوجي كان عمره 28 سنة، وهو عامل. بدأت أعمل معه لكي نتمكن من العيش. وبعد استيلاء النظام على مدينة حلب نزحت مع زوجي إلى درعا كون الجميع كان يقول بان درعا لن يدخلها النظام لان إسرائيل تمنع دخول الجيش وسيضمها للأردن، فكان المكان الآمن لهم هي درعا. نزحت وعشت في مدينة صيدا، شرقي درعا وكنت أعمل مع زوجي، حيث عمل هو كناطور لأحد القصور المتواجدة في صيدا وأصحابه في الخليج وكنت أرعى الأشجار والنباتات المتواجدة بالقصر. كنا نتقاضى 50 الف ليرة سورية بالشهر ونأكل من ثمار أشجار القصر”.
تكمل: “كنا مكيفين وحاسين بالأمان، ومع بداية المعارك في المنطقة الشرقية خرجنا أنا وزوجي وابنائي إلى السهل بعيداً عن البيوت، عشان اذا اجى صاروخ ما تتدّمر علينا البيوت ونموت تحت الأنقاض، أخذنا خيمة وأكل وثياب لي وللأطفال ولزوجي، نمنا اول يوم والحمد لله ماشي حالنا رغم سماعنا أصوات الصواريخ والقذائف، وكنا نشاهد مئات العائلات وهي تنزح وتهرب من جميع القرى الشرقية، ورغم ذلك كنا مبسوطين بالخيمة انو احنا احسن من غيرنا ونايمين بخيمة وغيرنا نايم تحت الشجر وبالسهول. نمنا وصوت القذائف تعلو أكثر وأكثر، صوت الطائرات تغور وصوت الدمار، وأطفالي كل ما تطلع الطيارة يمسكوا فيي ويصرخوا وأنا أهديهم ولا تخافوا مو علينا الضرب”. هدي الضرب قليلاً فخرجت أنظر القرى التي حولنا كيف كانت تحترق، وأنا انظر إلى السماء وإذ بشيء يلمع في السماء مثل الشهاب نازل من السماء، والله كنت انظر اليه وأقول كأنو شهاب وهو يكبر وكأنو جاي علينا، وخلال ثواني كنت ملقية على الأرض والخيمة التي فيها اطفالي اشتعلت فيها النار”.
تتابع: “وبدأت اسمع صوت راجمات وبدأت الشهب تزداد في السماء وتتساقط حولنا وأنا مذهولة وأسمع صوت الصراخ والناس تركض، ركضت إلى الخيمة والنار تكوي بنتي الكبرى وأبنائي وزوجي وانا ادخل الخيمة دعست على شيء احرق رجلي ولكن من خوفي على أبنائي تمكنت الركض وامسكت عبد الله وزادت النار تقدماً، بدأت اضرب النار لأبعدها عن اطفالي وإذ بعليا قدمها مشتعلة وتصرخ وأيضا محمد قدمه مشتعلة وانا اصرخ نظرت الى نفسي فكانت النار مشتعلة بقدمي، والله لم احس ابدا بالنار التي كانت بقدمي فقد كانت نار قلبي على أبنائي أكبر”.
“بدأ الناس يركضون الى الخيمة ويساعدوني ويرمون التراب على الخيمة وابنائي، رأيت لحم عبدالله وهو يذوب ويتساقط من جسده ورأسه تشتعل فيه النار، لم اعرف ماذا افعل كل ما خطر ببالي اني حضنته بيدي وكنت أقول يا رب يا رب واسمع صوت الناس تصرخ (شيلو الزلمة عم يحترق طفو البنت) واخر كلمة سمعتها (في ولد صغير بعدو بفرشتو ما وصلت النار لعندو طلعو قبل ما تصل النار عليه) وبعدها لم افق الا وانا بمشفى درعا الميداني وقدمي مضمدة ويداي تؤلماني. فتحت عيناي، وكنت أظن أني لن أجد أحداً من أبنائي أو زوجي، لكن عندما نظرت إلى جنبي كان زوجي على سرير ويده فيها أسياخ حديدية وقدماه مضمدة أيضاً، وأبنائي بقربي مثل ما شفتيهم. لم أستطع أن أنطق بأي كلمة غير يا رب يا رب يكونوا عايشين، يا رب ما أخسرهم. كان الممرضون حولنا، فاقترب مني شخص لم يكن يلبس لباس طبيب او ممرض قال لي: “أنت بخير، سامعيتني؟ لا تخافي ولادك وزوجك بخير بس حروق وإن شالله بتتعالج المهم إنكم عايشين.”
“كم كانت فرحتي كبيرة أنهم بخير وأنهم على قيد الحياة. عدت للنوم، ولا اعلم هل من التعب ام من الابر التي وضعوها في السيروم؟ استفقت على صراخ وهم يقولون: (المشفى المشفى مستهدف). وضعونا في سيارة خضراء كبيرة ووضعوا أولادي وزوجي بجانبي ولم نعرف إلى أين حتى وصلنا هنا. شاهدتنا صاحبة المنزل ام يوسف فقالت: (أنا آخذهم إلى بيتي). أخذتنا وأطعمتنا ووضعتنا في هذه الغرفة، وكل يوم أو يومين بيجو بغيرو للأولاد والحمدلله انهم بخير وان شالله هي الحروق بتتشافى”.
وختمت حديثها بقولها: “هربنا من الموت أتاري الموت لاحقنا وين ما رحنا والله بسوريا مافي مكان أمان حتى القبر مو آمن”.
خاص “شبكة المرأة السورية”
One Response
Of course, I m referring to 9 LADY ELI, one of the best stories in racing us pharmacy viagra Regional poison control centers