سلمى الدمشقي
مهرجانات كثيرة تقام في الداخل السوري ترافقت مع انتصارات ميدانية للنظام على الارض في ريف دمشق وحمص القديمة ودير الزور … بحيث بدت هذه المهرجانات وكأنها أفراح وانعكاس للانتصارات الميدانية.
بدأت سلسله هذه الافراح بعدة مهرجانات صغيرة أبرزها مهرجان بلودان السياحي وتلاها معرض دمشق الدولي الذي زراه، وحسب الاعلام الرسمي، أكثر من ثلاثة مليون وسبعمائة الف مواطن. وانتهت بمباراة المنتخب السوري (نسور قاسيون) مع المنتخب الايراني الذي أصبح شقيقاً.
وكما في كل حدث يحصل في الداخل السوري تبدأ الخلافات الفيسبوكية في وجهات النظر بين المؤيدين والمعارضين وبين المعارضين أنفسهم .
في مهرجان بلودان بدأ الخلاف بين وجهة نظر ترى أن بلودان هي مصيف يرتاده الناس عادة ، وعاد الناس لزيارته بعد عودة الهدوء اليه وخروج المسلحين منه، وبين وجهة نظر ترى أن هذه الزيارات لبلودان في وقت المهرجان هي تناسي لمعاناة أهل بلودان ولدماء شهدائها. كبر هذا الخلاف في معرض دمشق الدولي امام منظر الحشود الهائلة التي تدافعت لزيارة المعرض بين مهلل لهذه الزيارة كونها انعكاس لحالة استقرار تشهدها دمشق ولذكرى معرض دولي وحيد يقام بدمشق له حنينه الخاص، وبين معارض وبشدة لهذه الزيارة والتي يرى أن كل من زار معرض دمشق هو خائن للثورة وموالي، متناسين أن رقم ثلاثة مليون وسبعمائة زائر هو رقم كبير يصعب تصنيفه في خانة موالاة أو معارضة. ونعلم جميعنا أن أغلب الزائرين هم من شريحة النازحين الفقراء الذين وجدوا في زيارة مجانية النقل لمكان آمن لهم ولاولادهم هو فرصة جيدة للترويح عن النفس في ظل غلاء الاسعار الكبير للمنتزهات والاماكن لترفيهية الأخرى.
وأما في مباراة المنتخب الوطني مع نظيره الايراني، فكان الخلاف على أشده بين وجهة نظر ترى أن هذه المبارة هي مبارة وطنية أمام دولة أخرى، وخاصة أن عدداً من اللاعبين هم من مناطق متضررة من النظام ويمكن أن يكونوا معارضة وبين وجهة نظر ترى أن جميع اللاعبين والمشاهدين هم خونة للثورة ولدماء شهدائها. وكبر هذا الخلاف واشتد في ظل دعاية إعلامية كبيرة جداً للمنتخب الوطني تحت شعار اللعبة وحَدت الشعب. وهناك صورة تناقلتها وسائل الاعلام لعلمي النظام والمعارضة في ساحة واحدة لمشجعي المنتخب في مدينة استنبول التركية.
عدة اسئلة تطرحها هذه الاحداث علينا جميعا … هل كل من شارك بهذه المناسبات هو موالي ومحسوب على النظام ؟ هل يجب معاقبة من شارك بهذه المناسبات من قبل المعارضة لو كان لها القدرة على العقاب؟ (وأعتقد أن بعض المتطرفين الفيسبوكين لو كانت لديهم قدرة على العقاب لكانوا أكثر وحشية من النظام نفسه). هل يجب أن يكون الشعب جميعاً مسيساً وواعياً ومدركاً لخلفيات تصرفاته التي يمكن أن تكون عفوية بأن لها انعكاسات سياسية؟
أليس من السذاجة تصنيف الاشخاص تبعا لخياراتهم وتحركاتهم اليومية، وليس تبعا لمواقفهم السياسية بأنهم اما معارضة او موالاة؟
هل نسينا جميعا بأنه بعد سنوات من العنف والقتل والتهجير والتشريد بأننا جميعا بحاجة لفسحة صغيرة من الفرح لتجديد قوانا؟
هل تناسينا أن نسبة كبيرة من الشعب هم ومنذ أول يوم رماديون لا يعنيهم في الواقع غير مصالحهم الصغيرة وكانوا بعيدين عن طرفي الصراع بنفس المسافة، حتى لو أوحى النظام بوسائله المعتادة على أنهم موالاة، هم أنفسهم الآن لا يعنيهم إلا عودة الهدوء والأمن إلى الشارع ليعودوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية والمعتادة.
ولو حاولنا أن نحلل أسباب هذا التعصب والخلاف من الطرفين لكل الأحداث السابقة لوجدنا أن كل شيء في سورية يوضع تحت لافتة الوطنية الجيش وطني ومؤسسات الدولة وطنية والمعرض وطني والمنتخب وطني.
ولكن أغلب الشعب السوري لايوجد لديه احساس بهذه الوطنية لأنها ارتبطت باسم الأسد الأب والابن لاحقاً، المكتبة الوطنية أو مكتبة الاسد ، الاسمان لنفس المكتبة. وبالتالي انتفت صفة الوطنية عندما ارتبطت باسم شخص حتى لو كان هذا الشخص هو الزعيم وحتى ولو كان هذا الزعيم محبوبا من قبل شعبه. المفترض أن الوطن أكبر من الاشخاص، هذه بديهية حتى الاطفال يعرفونها، وعندما يتم المساواة بين الوطن والاشخاص يصبح الوطن قزماً وسجناً لشعبه بالنسبة للمعارضين ويكون الوطن هو الزعيم بالنسبة للموالين، وتغلب على الشعب صفة اللانتماء لكل شيء في البلد … لا أحد يعنيه نظافة الشوارع أو هدر المياه أو سرقة الكهرباء وغيرها من الممارسات التي اعتدنا كسوريين على ممارستها داخل البلد.
قمصان المنتخب الوطني عليها صورة الرئيس بشار الأسد في إحدى اللقطات، هذه بديهية بالنسبة للموالاة، وهي دليل الخيانة بالنسبة للمعارضة.
الجيش وطني وعند أول مظاهرة رفعت بنادق الجيش على صدور المتظاهرين ورؤوسهم وبالتالي انتفت صفة الوطنية عنه بالنسبة للمعارضين، وتأكدت وطنيته بالنسبة للموالاة لانه يخدم مصلحة الرئيس فقط ، وبالتالي أصبحت البراميل والطيارين والطائرات هم جميعاً وطنيون لأتهم يقتلون الإرهاب ويدافعون عن سيادة الرئيس.
ومنذ البداية وإلى الآن، استثمر النظام وبذكاء شديد عبر إعلامه كل الأحداث، والان وهو يؤكد انتصاره العسكري يواصل استثمار هذه الافراح الصغيرة عبر حملات عودة الهدوء والاستقرار بفضل شجاعة وحكمة سيادة الرئيس، فشاشات التلفزيون السوري تنقل وببث حي ومباشر ساحات المعرض الممتلئة بالزائرين وفوقهم العلم السوري وصورة كبيرة للرئيس. وفي تغطيتها للمباراة كانت تنقل من ساحة الامويين ومن ساحة الساعة في حمص وحماة ومن ساحات كثيرة غيرها كانت ممتلئة يوماً ما بالمتظاهرين ولاحقاً بجثث بعضهم، الآن هي ممتلئة بالدبكات وصيحات الفرح لانتصارات صغيرة يحتاجها شعب منهك ومتعب لتغطية نوع من الطمأنينة والدعم المعنوي في زمن الخيبات والخسارات. ولكن عبر الشاشات العملاقة لا نرى إلا صور الرئيس وهتافات عالية يصعب تمييز محتواها، ولكنها تؤكد على أن هذا الفرح وهذا التعادل في النتيجة هو فوز مهدى لسيادة الرئيس كرد صغير على عطائه الكبير للشعب وللوطن ولسوريا.
خاض “شبكة المرأة السورية”