درعا – سيرين الحوراني
لحظات معدودة كان يسترقها حسام من يومه ليأتي إلى أحد مراكز الدعم النفسي في مدينة درعا، ويلتقي مع أقرانه وأصدقائه ممن يقربونه أو كانوا رفاقه في المدرسة ليشاركهم اللعب لحظات أو في مسابقات الأنشطة لحظات أخرى.
فترات قصيرة يعيشها كل يوم هي وحدها قد يحسبها من طفولته ليعود بعد انتهائها و يكمل باقي يومه كما اعتاده خارج منزله الذي لم يكن يلجأ إليه سوى للنوم.
تساؤلات عدة كيف كان حسام يقضي يومه بعيداً عن أصدقائه ومدرسته في ظل أسرة مفككة و أب معتقل و أم مطلقة ليعيش مكرها مع أقارب أبيه. ربما كان ذلك هروباً من واقع سيء إلى واقع أكثر سوءاً و لكن لا يعلم سوء عواقبه.
هناك الكثير من الحالات تشبه تماماً حالة حسام، لم يمتلكوا طفولتهم التي أضاعوها في الشوارع و الحارات أو قضوها مع رفاق سوء أو أحرقوها في التسول تلبية لحاجاتهم البسيطة.
لم تكن تلك الأيادي الناعمة والأجساد الرقيقة لتعيش واقعاً ماساوياً كالتشرد لولا ظروف الحياة السيئة التي نزلت بهم لنعرف من خلالهم مأساة حقيقية و واقع مؤلم تعيشه تلك الطفولة البائسة.
يعرف التشرد بشكل عام ببعد الأطفال الذين هم تحت سن الثامنة عشرة عن عائلاتهم أو بيئتهم التي عاشوا فيها منذ البداية. ويتجاوز عددهم في درعا وحدها الآلاف.
من أهم أسباب تشرد الأطفال التفكك الأسري بأشكاله ( كالهجر _ الطلاق _ وفاة أحد الوالدين _ السفر ) الذي يدفع الطفل إلى كره البيت بسبب مايلاقي في البيت من خصومة ونزاع وشقاق و سوء معاملة الآباء والأمهات لأطفالهم، الذي يؤدي إلى هروبهم من البيت وخروجهم إلى الشارع. لأن أكثر الأطفال شديدي الانفعال والحساسية فإذا انجرحت كرامتهم عمدوا الى التشرد تخلصاً مما يلاقونه من مذلة وهوان.
وهناك الأوضاع المعيشية السيئة وارتفاع نسبة البطالة، مما يضطر بعض العائلات لدفع أبنائهم للعمل، الذي يتسبب أيضاً في حرمان الطفل في البيت من ضروريات الحياة وطيباتها من طعام ولباس وألعاب. بالإضافة إلى تركه التعليم، مما يضطره إلى الفرار من منزله عله يجد خارجه مايشبع رغباته وحاجاته.
ويعتبر التسرب من التعليم والمدارس أحد أهم أسباب تشرد الأطفال، بسبب صعوبة المعلومات وبعدها عن ميوله، حيث يواجه عقوبات جسدية ومعنوية، مما يدفعه إلى الفرار والتشرد خشية العقوبة والخجل من أقرانه نتيجة جهله. بالإضافة إلى انتشار التجمعات العشوائية التي تفتقر للظروف المعيشية الجيدة التي تمثل البؤر لأطفال الشوارع في المستقبل.
كما لعب انتشار الثقافات الغربية بين المجتمعات ومفهوم الحرية الشخصية دوراً في خروج الطفل لعيش حياته الخاصة التي لا يعي نتائجها .
ويترتب على تلك الأسباب نتائج سلبية تؤثر على الطفل المشرد مثل لجوء الأطفال إلى القبول بظروف عمل سيئة وصعبة جداً للحصول على قوت يومهم، وقد يلجأ البعض إلى الطريقة الأسهل وهي السرقة أو التسول. بالإضافة لاستقطاب المنظمات الاجرامية لعدد كبير من هؤلاء الأطفال للعمل معهم، واختلاط الأطفال بذوي السوابق الاجرامية فيتحولون الى الجريمة منذ صغرهم.
كما يؤدي ذلك إلى ظهور جيل جديد يعاني من اضطرابات نفسية حيث أن تشردهم في سن المراهقة، الذي يعد سن تطور الشخصية يساعد في تكوين شخصية مضطربة. ويتعرض الأطفال للأمراض الفسيولوجية والمزمنة مثل التيفوئيد والكوليرا والأمراض الجنسية والجلدية كالجرب وغيرها.
هذا وقد لجأ المهتمون والاختصاصيون الى وضع حلول مناسبة لهذه الظاهرة الخطيرة نذكر منها: إنشاء مؤسسات تربوية وتأهيلية خاصة بالأطفال المشردين، إيجاد قوانين سريعة خاصة بظاهرة التسرب من المدارس، التي تعتبر خطوة مهمة في مشكلة تشرد الأطفال، وإيجاد الهيئات والمراكز التي تعني بالمشاكل الأسرية والاجتماعية للتقليل من أعداد العائلات المنفصلة.
كما عملوا على تفعيل دور مؤسسة الضمان الاجتماعي لمساعدة الأسر الفقيرة والحد من ظاهرة إخراج الأطفال من المدارس للعمل في ظروف معيشية صعبة بهدف إعالة عائلاتهم. ووضع الأطفال من مدمني المخدرات في مصحات نفسية ودور رعاية خاصة وتأهيلهم ليصبحوا عناصر فعالة في المجتمع.
وتعتبر ظاهرة التشرد من أكثر الظواهر الاجتماعية حساسية نتيجة تداعياتها الكارثية على تركيبة المجتمع. و بالتالي تستوجب العديد من تضافر الجهود سواء من الباحثين الاجتماعين أو الاقتصاديين, بالإضافة الى جهود المجتمع المدني لتنتج لنا طفلاً سوياً يعرف كيف يطالب بحقوقه ويخاف عليها و يلتزم بواجباته امام الاهل والمجتمع.
خاص “شبكة المرأة السورية”