هنادي زحلوط
كان لافتاً تصدي المجلس القومي للمرأة في مصر، بالتعاون مع كلية آداب عين شمس، لتشكيل لجنة من الطلاب والأساتذة في آن معاً للقيام بمهمة رصد صورة المرأة، كما رسمت ملامحها دراما رمضان المصرية لهذا العام.
اللجنة التي وضعت مهلة حتى آخر الشهر لاصدار تقريرها اعتماداً على مؤشرات محددة لتقييم إن كانت المادة الفنية قد قدمت صورة إيجابية عن المرأة المصرية، مستهدفة في رصدها الإعلانات التجارية، بالإضافة إلى المسلسلات الرمضانية.
وفيما رشح عن اللجنة التي تابعت رصد ثلاثة عشر مسلسلاً مصرياً، أن الصورة التي قدمت عن المرأة المصرية في الغالب كانت صورة سلبية لامرأة ضعيفة أو قليلة الحيلة أو تعيش انكساراتها على هامش الحياة، فيما أشادت اللجنة بالصور القليلة الايجابية التي قدمتها هند صبري في مسلسل حلاوة الدنيا، ونيللي كريم في مسلسل الأعلى سعراً، من بين أعمال هذه السنة، حيث قدم العملان صورة ايجابية للمرأة في كثير من محطاتهما.
فيما عبر الكثير من التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم بسبب ما اعتبروه إهانة لمثال المرأة التونسية المكافحة والعنيدة، حيث ظهرت في دراما هذا العام بصورة المرأة المدمنة أو المنحلة أخلاقياً أو الخائنة.
وقد شن هؤلاء حرباً على القائمين على الدراما الرمضانية متهمين إياهم بتشويه صورة المرأة التونسية لدى المشاهد، واتهمت بعض المسلسلات مثل “اولاد مفيدة” و”فلاش باك” بـ” تجاوز الخطوط الحمراء والتعدي على حرمة المشاهد في رمضان”.
الحال ذاته نجده مع أعمال درامية لبنانية، بعضها كتبته نساء، كمسلسل “وين كنتي” لنجد أن الكاتبة كلوديا مرشليان تستخدم موضوعاً جريئاً يلامس المحرمات مباشرة وتسوق لعملها في شهر رمضان ضاربة عرض الحائط بتقاليد المجتمع وعاداته، لتقدم في صور بطلاتها نساء ضعيفات مغلوبات على أمرهن أو خائنات بنظر المجتمع.
بينما هربت الدراما السورية من مواجهة الحقائق والراهن، سواء في الدراما المعاصرة أو التاريخية، ولتصنع في أحسن حالاتها صوراً لبطلات من ورق، في بيئة “الحريم” و”ابن عمي”، نساء ثرثارات، واشيات، أو ضعيفات خانعات لدرجة الموت.
أما بالنسبة للدراما الخليجية، فقد كان لافتا البذخ الإنتاجي الذي وصل إلى أرقام قياسية في دراما لم ترق إلى مستوى الطموح في التطرق إلى مشكلات المرأة والمجتمع عموماً.
فكان أن جاءت الموضوعات ممجوجة ومسطحة، تحمل الكثير من مشاهد العنف. ولم يكن خافياً تأثير المسلسلات التركية المدبلجة بموضوعاتها وطرقها في المعالجة على الدراما الخليجية والعربية من ورائها.
فمسلسل مثل “غرابيب سود” ادعى التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية فأخطأ صانعوه في الطريقة وفي الغاية بالتالي، فقد ظهرت فيه النساء الخليجيات لاهفات لاجتياز الحدود للإنضمام إلى هذا التنظيم، فكرس العمل مقولة جهاد النكاح وهي مقولة كان أول من روج لها النظام السوري وقبل ظهور داعش بسنوات. وقد أثار هذا العمل موجة من الاحتجاج في مواقع التواصل الاجتماعي وبين الفنانين والنقاد، فكان أن أوقفته الجهة المنتجة عند الحلقة عشرين!
خسارة هي بكل المقاييس، خسارة انتاجية، وخسارة معرفية اجتماعية، اذ كان بالأولى لملايين الدولارات التي صرفت على مثل هذه الدراما أن تستثمر في إنتاج أعمال حقيقية تتطرق فعلاً إلى واقع النساء، وتسعى لتقديم رسالة فعالة تسهم في دفع عجلة التطور في هذه البلدان عبر تطوير قوانينها وآلياتها المستخدمة لتطبيق هذه القوانين.
وبالمحصلة، تجاهلت الدراما العربية ربيعاً نسوياً مر على كل شبر من ترابها، وضربت بعرض الحائط صور النساء الشهيدات والمعتقلات اللواتي واجهن القمع والديكتاتورية بكثير من المسؤولية والشعور بالمواطنة، وبالندية مع الرجل، نساء حملن عبء أسرهن في النزوح واللجوء والمنفى، نساء فاعلات خرجن بكل قدراتهن ليسهمن في صناعة أمل لبلدان داسها الظلم وانعدم فيها الأفق.
وكما في كل البلاد العربية، كان ضرورياً لو تبنت إحدى الجهات مهمة رصد صورة المرأة في الدراما الرمضانية السورية لهذا العام، لنقول بالارقام والمؤشرات أننا نرفض تشويه صورة المرأة السورية خاصة، والعربية عامة، وأننا نقف ضد كل إدارات القنوات والجهات الإنتاجية التي قررت، دون الرجوع لنا، شطب تضحيات النساء ودمهن ودموعهن من تاريخ البلاد.
هنالك ضرورة أن يكون هذا الجهد جماعياً، عربياً، كي نسمي الأمور بمسمياتها ونحمل الديكتاتوريات التي سفكت حقوق النساء مسؤولية هدر كرامتهن في الدراما التي يقرر الرقيب الموافقة عليها وانتاجها دون سواها، حتى وصلنا إلى تعميم صورة سلبية للنساء العربيات، في تجاهل صفيق لكل تضحياتهن وآلامهن وجهودهن.
فهل نتصدى لذلك؟
خاص “شبكة المرأة السورية”