ارتمت رحاب بين ذراعي روعة في الفرع 215 التابع للأمن العسكري وقالت لها: “أخبرني المحقق أنه تم تحويلي لمحكمة الميدان العسكرية… بتعرفي شو يعني؟”
نظرت روعة إليها وكأنها تودعها وهي تعلم ما تعني محكمة الميدان لكن لم تخبرها. وبعدها بأيام اقتادوا رحاب لمكان مجهول ولم تعد روعة تراها، إلى أن شاهدت صورتها بين صور قيصر.
يعود تاريخ المحكمة الميدانية في سوريا إلى فترة الستينات من القرن العشرين، وقد وطرأ تعديل عليها في دستور عام 1973، وتم حرف عملها في ثمانينات القرن الماضي إبان الأحداث المتعلقة بالصراع بين نظام حافظ الأسد والإخوان المسلمين. مقرها الرئيسي في دمشق منطقة القابون، وكانت محكمة واحدة فقط. وبعد انطلاق الثورة السورية في عام 2011 تم تشكيل محكمتين ميدانيتين إضافيتين بداية العام 2012 يُعتقد أن مقرهما في دمشق أيضا في معسكر التدريب الجامعي بالديماس قرب نادي الفروسية.
بنية المحكمة: تؤلف بقرار من وزير الدفاع من رئيس وعضوين ولا تقل رتبة الرئيس عن رائد والأعضاء عن نقيب.
أحكامها: لا ترقى أحكامها في أحسن الأحوال إلى رتبة المحاكم القانونية العادلة وتعتبر معدومة بالنسبة للمدنيين.
وتصدر قراراتها قطعية لا تقبل أي طريق من طرق الطعن وتطبق قراراتها بعد التصديق عليها من السلطة المختصة وتنفذ وفق التشريعات القضائية المعروفة وفي كثير من الأوقات لا يعلم المحكوم بقرار أو مدة حكمه ولا يحق للموقوف الدفاع عن نفسه ولا يوجد فيها ترافع من قبل محامي.
تخضع أحكام الإعدام فيها لتصديق رئيس الدولة أما باقي الأحكام فيجري تصديقها من وزير الدفاع.
ويحق فقط لرئيس الدولة أو وزير الدفاع تخفيف العقوبة أو استبدالها بعقوبة أخرى أو إلغائها مع حفظ الدعوى، كما يجوز لهما أن يأمرا بإعادة المحاكمة أمام محكمة ميدان أخرى.
في دستور 1973 تم إحداث تعديل على الدستور السوري بإحداث محاكم سرية تسمى المحاكم الميدانية مع إضافة بند يتضمن (عدم ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة أو الموكلة إليهم).
وعند انطلاق الحراك الشعبي في سورية في آذار 2011 عاد نشاطها أكثر من السابق حتى أنها سميت (مقبرة الناشطين والثائرين) واستمدت سمعتها السيئة من قسوة أحكامها التي تبدأ بخمس سنوات وصولاً إلى عقوبة الإعدام.
وكل من تتم محاكمتهم يتم تحويلهم إلى سجن صيدنايا العسكري حيث الإقامة هناك لا تقل سوءاً عن أفرع الأمن ومؤخراً ونتيجةً لزيادة أعداد المعتقلين خلال فترة الثورة السورية وبسبب عدم استيعاب سجن صيدنايا لهذه الأعداد يتم تحويل بعض المعتقلين الى سجون مدنية داخل المحافظات.
ووفقاً للشهود والمعلومات المتواترة فإن أغلب من تم تحويلهم إلى هذه المحكمة هم نشطاء في المجال الطبي والإغاثي والإعلامي أو ممن ساهموا في الإعداد للتظاهرات والعمل في المجال الالكتروني أو تم اعتقالهم بشكل عشوائي وإجبارهم تحت التعذيب في الأجهزة الأمنية على التوقيع والبصم على اعترافات ملفقة دون أي مستند قانوني، وقد صدرت أحكام بحق البعض وتم تنفيذها بناء على ما أرفق في ملف المعتقل.
وعادة يتم إصدار الحكم خلال عشرة أيام على الأقل أو شهر كحد أقصى وينفذه وزير الدفاع خلال يومين أو ثلاثة (ما قبل أحداث الثورة السورية).
الجدير ذكره أن هذه الانتهاكات والجرائم التي تجعل من بشار الأسد بحسب القانون الدولي مجرم حرب، تحصل بعيدا عن متابعة منظمات حقوق الانسان التي لا يسمح النظام السوري بدخولها إلى سوريا، وأن الصور التي سربها المنشق عن قوات النظام (قيصر) لمعتقلين سوريين قضوا تحت التعذيب داخل السجون والمعتقلات لهي أكبر شاهد على هول تلك الجرائم.
ولم تقتصر المحاكم الميدانية والانتهاكات على الرجال فقط، حيث رأينا من بين تلك الصور المسربة ل(قيصر) صورة للمعتقلة رحاب العلاوي التي قضت تحت التعذيب داخل الفرع 215 الملقب بفرع الموت نسبة لعدد المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب داخله.
أما بالنسبة لموقوفات محكمة الميدان غالبا ما يتم نقلهن الى جهات مجهولة على الأرجح أنها سجن صيدنايا العسكري، حسب شهادة إحدى المفرج عنهنّ والتي تحدثت عن اعتقالها بمنفردة صغيرة داخل سجن صيدنايا إلى جانب العديد من المفردات التي تواجدت بداخلها بعض المعتقلات ومنهنّ المعتقلة أمل الصالح التي اختفت من سجن عدرا بداية العام 2014 وتعرفت المفرج عنها على أمل من خلال الصوت حيث أنّ الزنزانة التي كانت تقبع بها ملاصقة للزنزانة التي كانت تتواجد فيها أمل.
وتمّ توثيق العديد من المعتقلات اللواتي نقلنّ من سجن عدرا وهنّ موقوفات لصالح محكمة الميدان العسكرية وتم توثيق بعض الأسماء لهنّ:
لمى الباشا
فوزية محمد
فيحاء قشعم
ديما سعد الدين
فادية المصري
ميّ علي الأحمد
زكية الرفاعي
آمنة رحيم
عائشة الحاج إبراهيم
مريم الصدّيق
وسارة العلاوّ 19 عام من مدينة البو كمال التي أجبرها النظام السوري بالظهور على إحدى قنواته للإدلاء باعترافات قسرية بدت واضحة على وجهها، كانت آخر المعتقلات اللواتي تم نقلهنّ في الشهر السابع من العام 2016.
والدكتورة فاتن رجب من دوما المعتقلة منذ نهاية العام 2011، التي تحدث شقيقها بأن الأمن السوري أخبر العائلة بمراجعة فرع الشرطة العسكرية لتسلم أوراقها الثبوتية وأغراضها الشخصية تأكيداً على وفاتها داخل السجن، علما أنها محكومة بالإعدام لصالح محكمة الميدان العسكرية الثانية.
بالإضافة لعدة معتقلات موقوفات لصالح محكمة الميدان ينتظرن مصيرهنّ داخل سجن عدرا المركزي وبعض الافرع الأمنية نذكر منهنّ:
ظلال صالحاني
صفاء غرة
حسناء النيرباني
صفيناز عرابي
كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الانسان قيام القوات الحكومية باعتقال ما لا يقل عن 11849 سيدة وذلك منذ أذار 2011 وحتى شهر تشرين الأول 2016.
وتوثق سجلات الشبكة السورية لحقوق الانسان حوالي 60177 سيدة ما زلن قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري، وذلك منذ أذار 2011 وحتى تشرين الأول 2016.
ومن بين السيدات اللواتي ما زلن قيد الاعتقال حوالي 96 سيدة يخضعن لمحاكم الميدان العسكرية وهذا هو الحد الأدنى الذي تمكنت الشبكة من توثيقه.
ياسمينا بنشي _ تركيا حلقة سلام عنتاب شبكة أنا هي