نبال زيتونة
الثامن من آذار من كلّ عام هو يوم المرأة العالميّ، فيه تحتفل معظم دول العالم بإنجازات النساء في بلادهن، تقديراً لكفاحها الطويل لنيل حقوقهن الإنسانيّة المشروعة. وهو فرصة لحشد الدعم لحقوق المرأة، متجاوزين الحدود والأعراق والألوان والأديان، يحثّونها على العمل للحصول على المشاركة الفعليّة في المجالات كافة، السياسيّة منها، والاقتصاديّة والثقافيّة والفكريّة.. فأين هي المرأة السوريّة اليوم من كلّ هذا؟
لا بدّ أن نلقي الضوء بشكل سريع على حالة المرأة السوريّة قبل الثورة. إذ قُمعت المرأة السوريّة كما الرجل، في ظلّ نظام الأسد الأب والابن، وحُكمت بقبضةٍ حديديّة منعتها حتى من المجاهرة باحتفالها بيوم المرأة العالميّ، لصالح منجزات القائد “الخالد”، الذي طالما تغنى بإنجازاته على الصعد كافةً، وخاصةً على صعيد إعطاء المرأة حقوقها.
أذكر أنّ أحد أدوات النظام البائد قال لنا مرّة بعد استدعائنا رسميّاً إلى مكتبه، أنْ لا حاجة بنا للانخراط في تنظيمات تعمل على دعم حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، طالما أنّ دولة البعث والقيادة “الحكيمة” تعطي المرأة حقوقها كاملةً ولا تنقصها، وما علينا إلا الانضواء تحت لوائها وفي اتحاداتها النسائيّة الرسميّة.
نظرة سريعة على الأنظمة والقوانين النافذة في “سوريا الأسد”، تعطيك صورة واضحة عن حال المرأة في ظلّ قانونَي الأحوال الشخصيّة والميراث المجحفين بحقّها، وعدم قدرتها على منح أطفالها الجنسيّة، إضافة إلى ما يسمّى “جريمة الشرف” التي تبيح قتل المرأة دون أيّ عقاب للفاعل.
حال المرأة السورية خلال الثورة:
خمس سنوات والمرأة السوريّة محاصرة داخل كرة اللهب، ابتداءً من تعرّضها للعنف أثناء المظاهرات والاحتجاجات، إلى الاعتقال والتعنيف والتعذيب والاغتصاب والخطف، مروراً بالحصار والقتل وفقدان الأهل والزوج والأولاد، وليس انتهاءً بالنزوح والتشرّد، والإكراه على الزواج، والسبي والرجم، إضافةً إلى استخدامها أداة حربٍ أو ضغط.
وهنا تجدر الملاحظة أنّها المرّة الأولى منذ عقود، التي تحصل فيها المرأة السورية على المساواة مع الرجل، سواء في مرحلة التظاهر، أم في المعتقلات، أم أثناء القصف والحصار!
فقد تجلّت السياسة العنفيّة للنظام في أبشع صورها، وعلى نطاقٍ واسع وممنهج، طال المرأة كما الرجل، وهذا ما أكدته منظّمات حقوق الإنسان، ملحقة تقاريرها بالشجب والإدانة والاستنكار والقلق على مصير السوريّات وأوضاعهن.
وقد أصدرت الشبكة السوريّة لحقوق الإنسان تقريرها لعام 2015، تحت عنوان: “المرأة السوريّة وسط الإعصار”، يوثق التقرير مختلف أنواع الانتهاكات من قبل القوات الحكوميّة، والقوات الروسيّة، ووحدات حماية الشعب الكرديّة، بالإضافة إلى التنظيمات الإسلاميّة المتشدّدة، وفصائل المعارضة المسلّحة، وقوات التحالف الدوليّ.
فقد رصد التقرير مقتل ما يزيد عن ثمانية عشر ألفاً من النساء، ما بين امرأة بالغة وطفلة، على يد القوات الحكوميّة، وقتلت القوات الروسيّة اثنتين وسبعين امرأة، وقتلت وحدات حماية الشعب الكردية اثنتين وأربعين امرأة، وقتل تنظيم داعش مائتين وثلاثة وثلاثين امرأة، وجبهة النصرة حوالي سبعٍ وستين امرأة، أمّا قوات المعارضة المسلحة فقتلت سبعمائة وإحدى عشرة امرأة.
المرأة السوريّة في المعتقلات
بعد انقضاء خمس سنوات من عمر الثورة، وثّقت “الشبكة السوريّة لحقوق الإنسان” ما يزيد عن سبعة آلاف امرأة في معتقلات النظام، منهن ما يزيد عن الألف ومائة امرأة مختفياتٍ قسريّاً، وجلّهن في زنازين النظام. وقتل تحت التعذيب حوالي ثمانٍ وثلاثين امرأة، أمّا المعتقلات لدى وحدات حماية الشعب فبلغ عددهن حوالي سبعين امرأة، إضافة إلى ما يزيد عن ستمائة امرأة لدى تنظيم “داعش”، قتلت منهن ثلاث عشرة امرأة تحت التعذيب. أمّا فصائل المعارضة المسلّحة فقد اعتقلت ما يزيد عن ثمانمائة امرأة، بينهنّ ناشطات منعن من العمل.
ولا يخفى على الجميع، كيف تعرّضت المرأة السوريّة لكلّ صنوف القهر والتعذيب في زنازين النظام وفروعه الأمنيّة، فصعقت بالكهرباء، وشبحت، وعلّقت من شعرها، واغتصبت وتعرّضت للتحرّش الجنسيّ في أحسن الأحوال، وقُتلت تحت التعذيب أيضاً. وكانت الأساليب المتبعة في قمع المرأة، عوامل شبه مشتركة مع الرجل، وبين جميع الفروع الأمنية والعسكرية، النظامية منها وغير النظامية. ولم تقتصر تلك الظاهرة على الزنازين والمعتقلات، بل كانت ترتكب بحقّ المرأة أيضاً عند نقاط التفتيش والحواجز، وخلال مداهمة المنازل، كما كانت أداة للضغط على أسرتها، والقبض على أبنائها وزوجها وإخوتها، إضافة إلى مهمّات قتل لعناصر من المعارضة تحت الضغط والترهيب وحجز الأبناء ومساومتها على أسرتها. كما عمد النظام إلى استغلالها وإرسالها إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لتعمل هناك بالدعارة، مخترقة صفوفهم لصالح النظام، دون أيّ رادع إنسانيّ أو أخلاقيّ أو قانونيّ.
كما استخدمت المرأة من قبل قوات النظام، كسلاح حرب لزرع الخوف والترهيب، حيث تمّ توثيق ثلاثمائة حالة اغتصاب في عام 2011، ليزيد العدد إلى ستة آلاف حالة في عام 2015. تلك الحالات تمّ توثيقها في جوّ من التعتيم والتعقيد، ما يعني أن هذه الأرقام هي جزء يسير مما كانت تتعرّض له المرأة.
كما وثّقت شبكات حقوق الإنسان حالات انتهاكات جنسيّة وجسديّة من قبل “داعش”، كان القاسم المشترك بين كلّ تلك الحالات، هو الوحشيّة المفرطة في التعذيب، والرجم، والاغتصاب الجماعيّ والمتكرّر، إضافة لفرض النقاب والحجاب عليها ومنعها من التحرّك دون محرم في أحسن الحالات.
ولعلّ من أصعب المهمّات التي واجهت المنظمّات الحقوقيّة، توثيق الانتهاكات الجنسية ضد النساء، فكانت محاطة بالكثير من التحديات، نتيجة نقص المعلومات ووصمة العار التي تصم الضحيّة، حيث تتعرّض لظلمٍ مضاعفٍ من ذويها وزوجها وأسرتها.
المرأة السورية تحت الحصار
ولعلّ واقع المرأة السوريّة اليوم في ظلّ حصار مطبق، هو واقع مرير لا تحسد عليه، حيث يعيش أكثر من مليون سوريّ تحت الحصار، جلّهم من النساء والأطفال.
سواء فرض عليها البقاء في المناطق المحاصرة، أم اختارت البقاء في بيتها ومع عائلتها، هي المرأة المكافحة التي اجترحت أساليب للعيش والبقاء على قيد الحياة، لها ولعائلتها.
ومعظم نساء تلك المناطق يتحملن عبء إعالة أطفالهن في ظلّ غياب تام للزوج أو المعيل، الذي قتل أو اعتقل أو اختفى، وفي أحسن الحالات هو معاقٌ بسبب القصف، أو مقاتل في صفوف الجيش الحرّ.
فكانت المرأة السوريّة تقتنص الوقت وتستغلّ توقّف القصف في بلداتها المحاصرة، لتجوب الحقول وتجمع الأعشاب وورق الشجر، تعدّ منه طعاماً لعائلتها، حاملة همّ بقاء أسرتها وأطفالها على قيد الحياة، في شروط إنسانيّة مجحفة. ليس هذا فحسب، بل عملت في تعليم الأطفال أحياناً، وتوعية النساء وتعليمهن المهن اليدويّة أحياناً أخرى في ظلّ غياب كلّ شيء. وإذا حاولت الخروج في بعض الهدن التي كانت تُعقد بين النظام والمعارضة، كانت تعتقل من قبل النظام، ويزجّ بها في الزنازين بتهم شتّى، فلا تنفك تخرج من تحت سياط الجوع والحصار والقصف، لتقع بين يديّ الجلاد وسياط الأفرع الأمنيّة، إضافة لتشرّد أطفالها وضياعهم.
لقد تحدّت المرأة، في ظلّ الحصار، العادات والتقاليد لمواجهة الجوع والبقاء على قيد الحياة، كما تعرّضت للعنف النفسي، الذي مارسه زوجها المعاق أحياناً، نتيجة تبدّل الأدوار بينهما، والإحباط النفسي، وأجواء الحرب الكارثيّة.
المرأة السوريّة في مخيّمات اللجوء:
حسب إحصائيّة للأمم المتحدة عام 2014، فإنّ أكثر من ربع المجتمع السوريّ تعيله امرأة، سواء في مناطق سيطرة النظام، أم في مخيّمات اللجوء، أم في المناطق المحاصرة، زاد ذلك العدد في مناطق النظام بعد فرضه التجنيد والاحتياط بالقوة والمداهمات والحواجز.
فمع نهاية عام 2011، وزيادة عنف النظام وقمعه، بدأت العائلات السوريّة بمسلسل النزوح، فاللجوء إلى دول الجوار. وكانت المرأة في معظم الحالات هي من اتخذت ذلك القرار، في ظلّ غياب الزوج أو موته أو اعتقاله.
وفي مخيّمات اللجوء حيث تستطيع المنظمّات الدوليّة المدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، الوصول إليها، عانت المرأة السوريّة انتهاكاتٍ جسيمةً بحقّها، من جوعٍ وعنفٍ جنسيّ ومسؤوليّة حماية العائلة، التي جلّها من الأطفال، حتى فقدت الثقة بكلّ شيء، وباتت ترفض لقاء الصحافة ليقينها بأنهم يتاجرون بها وبمعاناتها، فكانت تجترح أسباب الحياة بكدّها، وتسكّن ألمها بمرارة لتؤمن عيش أطفالها، وفي بعض الأحيان تلجأ للتجارة غير المشروعة بجسدها وأجساد أخريات.
المرأة السوريّة وضحالة التمثيل السياسيّ
وتبقى المعادلة مجحفةً بحقّ المرأة على صعيد التمثيل السياسي، إذ نرى بعد خمس سنواتٍ من عمر الثورة السوريّة، ورصيد لا يستهان به من المشاركة الفعليّة على كلّ الصعد، أن تمثيلها لا يرقى إلى الحدّ المقبول، بل بقي خجولاً، في حين هيمن الرجل على التشكيلات السياسيّة للمعارضة، رغم جهود النساء ومحاولاتهن خوض معارك التمثيل تلك، ورغم دعم المنظمات النسويّة الدوليّة لها. كما استمرّ النظام بتمثيل المرأة بشكل صوريّ لصالح منظومة الاستبداد، واستخدامها بوقاً إعلاميّاً، يمجّد سلطته ويشرعن إجرامه.
خاتمة
على مدى سنوات خمس من عمر الثورة السوريّة، والعالم لم يتوقّف عن الاحتفال بيوم المرأة الدوليّ، وإنجازات المرأة ودعمها.
سنواتٌ خمس والعالم يغضّ الطرف عن الانتهاكات الجسيمة بحقّ السوريين عموماً، والمرأة السوريّة على خصوصاً، ويكتفي بالشجب والإدانة والقلق.
سنواتٌ خمس والمنظمّات الدوليّة، ومنظمّة المرأة التابعة للأمم المتحدة تحديداً، تعجز عن تنفيذ قراراتها داخل سوريا وخارجها، متذرّعةً بصعوبة الحالة وتعقيداتها حيناً، وبالمجتمع الدوليّ حيناً آخر. ومازالت تغطّي الشمس بغربال، وتجلس في الظلّ، تُعدّ التقارير، والخطط والمشاريع لتمكين المرأة.
ليس هذا فحسب، فها هي منظمة الأمم المتحدة تكافئ القاتل، وتسلم قاتل السوريات والسوريين “فيصل المقداد” ملف إنهاء الاستعمار. وها هي منظمة الصحة العالمية، تسلّم زوجة القاتل “شكرية المقداد”، مسؤوليّة تقييم الصحة العقلية لمن هجّروهم من مدنهم وقراهم!
شبكة المرأة السورية