سلمى الدمشقي
منذ أن برز مصطلح الجندر، الذي ترجم إلى اللغة العربية بتعبير “النوع الاجتماعي” استناداً على ما توصل إليه مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث في اجتماع عدد من الخبراء في تونس عام (1995)، وأطلق على العلاقات والأدوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكلا الجنسين، وتغير هذه الأدوار والعلاقات والقيم وفقاً لتغير المكان والزمان، وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الاجتماعية الأخرى مثل الدين والطبقة الاجتماعية والعرق… ومصطلح المساواة الجندرية، وهو أن لا يكون هناك تمييز بين الأفراد على أساس الجنس، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الموارد والعائدات، وتوفير الخدمات، وفي الحقوق والواجبات، إضافة إلى أنه يعني المساواة في الفرص والنتائج بين أفراد المجتمع، منذ ذلك الوقت تمت إعادة النظر في كثير من المفاهيم المتعلقة بحقوق المرأة، حيث تم اعتماد مفهوم تقسيم العمل على أساس جديد يأخذ بالاعتبار النوع الاجتماعي، أي منع التمييز القائم بين المرأة والرجل على الأساس البيولوجي التقليدي، وتعديل هذا التقسيم بما يتلاءم ووضع المرأة، فكان الفرق بين الجنس والنوع الاجتماعي.
وتم تعزيز مفهوم تمكين المرأة، أي تعزيز مكانتها داخل الأسرة والمجتمع والمؤسسات، وصولاً إلى تعزيز مشاركة النساء في عملية صنع القرار، حيث يجب أن تدرك النساء حقوقهن الإنسانية وأن يمارسنها.
فالحقوق والمستحقات مطالب مشروعة للنساء تنصّ عليها الاتفاقيات الدولية المعترف بها من قبل الحكومات، والمساواة بين الرجال والنساء هي الأساس الذي يجب أن يستند عليه كل طلب بالتغيير.
كما أن احتياجات الجندر العملية والاستراتيجية غالباً ما تكون متداخلة، فقد تؤدي المطالبة بحاجة عملية ما إلى تغيير استراتيجي في السلطة. على سبيل المثال، من شأن المطالبة بعناية صحية أفضل أو بمياه نقية أن تعزز مكانة النساء. كما أن التثقيف حول الحقوق يمكن أن يؤدي إلى المطالبة بإصلاحات قانونية وبتطبيق أفضل للقوانين القائمة، وإلى احداث تغيير في السياسات بشكل عام. فتمكين المرأة هو عملية مستمرة ذات اتجاهين، يتم تحقيقها على المدى الطويل. وإذا كان الغرض من التمكين هو إشراك المرأة و/أو تعيينها في المناصب العليا، فإنه يشمل أيضاً تعزيز مكانتها في المناصب الأقل حظوة، كتلك التي تتصل مباشرة بالخدمات والقاعدة النسائية، أو داخل الأسر.
كما كان الاهتمام الأكبر يتركز على وضع المرأة في الدستور، حيث يمكن للدستور أن يتناول القضايا الجنسانية (الجندر)، ويساوي بين الرجال والنساء بالنص على الإنصاف بينهما وعلى عدم التمييز في المعاملة. ويجب أن يعلن الدستور بوضوح ضمن مواده أن المساواة تعلو أي قانون. وكما ذُكر في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والمواثيق الدولية ذات الصلة الأخرى، فإن المساواة أمام القانون تتطلب أن يُتاح للرجال والنساء نفس الحقوق فيما يخص الأهلية القانونية، بما في ذلك الحق في الحصول على التعويض والإنصاف القانونيين، وضمان مراعاة الأصول القانونية في المحاكمات.
كما يجب أن يحظر الدستور بشكل صريح التمييز بناء على النوع الاجتماعي أو الجنس أو الحمل أو الموقف من الزواج (الحالة الاجتماعية) من بين فئات أخرى. وأن يطالب المشرّع بتمرير قوانين تحول دون التمييز من قِبل الدولة أو أطراف غير تابعة للدولة، مع السماح للمحاكم بإلغاء السياسات التمييزية ومنح من يتضررون منها التعويض والإنصاف الفعّالين. وتتمثل عناصر التمكين في المساواة، العدالة، الديمقراطية والاستدامة.
كما يجب أن يتضمن الدستور نظام “الكوتا” أو تخصيص حصص للنساء، إذ أقر هذا النظام خلال المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، في بكين عام 1995، كآلية يمكن استخدامها كحل مرحلي لمشكلة ضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية وعزوفهن عن المشاركة في مراكز صنع القرار، وللحد من الإقصاء وعدم تمثيلهن أو ضعف هذا التمثيل. تطبيق هذا النظام يتطلب إلزام الأحزاب السياسية بتخصيص مقاعد لوجود النساء في مستوياتها التنظيمية كافة، فهناك عدد محدد من المقاعد في مجلس النواب يتم شغله من قبل النساء، بحيث لا يجوز أن يقل عدد هذه المقاعد عن النسبة المقررة قانوناً، أي هناك حصة نسائية محددة لا بد من شغلها من قبل النساء.
ونظام الكوتا في الفقه الدستوري يعني تبنى فكرة التمييز الإيجابي للطبقات والفئات الضعيفة، وفي مقدمتها النساء، مستنداً على تطور مفهوم المساواة في العقود الأخيرة، ليتحول إلى تكافؤ النتائج بدلاً من تكافؤ الفرص. ويقوم مبدأ تكافؤ النتائج على أساس أن إسقاط الحواجز الرسمية ليس كافياً في ظل معوقات واقعية وعلمية، مركبة وذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، لذا يعد تخصيص المقاعد وسيلة لتحقيق تكافؤ النتائج والقفز فوق المعوقات الحقيقية العلني منها والمخفي. ولا يمكن اعتبار تخصيص نسبة من مقاعد البرلمان للنساء، طبقاً لهذا المنطق، تمييزاً ضد الرجال أو اعتداء على حقهم، بل تعويضاً للمرأة عن التمييز التاريخي الذى عانته وتعانيه بالفعل اليوم، خصوصاً في المجال السياسي، ومسعى لتحقيق المساواة، وإجراء يهدف إلى تحويل تكافؤ الفرص من مبدأ إلى واقع.
في الوقت الحاضر هناك 108 دول تأخذ بنظام تخصيص نسبة من المقاعد في البرلمان للمرأة، سواء بنص دستوري أو قانوني، أو إلزام الأحزاب بجعل نسبة 50% من قوائم مرشحيها نساء.
وبشكل عام يوفر دستور البلاد إطاراً لنظامها القانوني، الذي يحدد بالإضافة إلى الوضع السياسي للمرأة، وضعها الاقتصادي والاجتماعي. وقد ساهم التقدم الكبير في مشاركة المرأة في عمليات بناء الدساتير مؤخراً إلى ظهور دساتير تراعي على نحو متزايد مصالح الجنسين.
وبغض النظر عن هذه التطورات، فإن بعض الحكومات ما تزال تعتبر أن مجرد النص في ديباجة الدستور على تساوي النساء والرجال سيكون كافياً. ومع ذلك، فإن نظرة فاحصة على فقرات عدة دساتير تكشف أن تأكيد المساواة وعدم التمييز لا يكفيان لضمان مساواة النساء في المعاملة. كما أنه في كثير من البلدان التي كانت قوانينها تضمن حقوقاً جيدة للنساء ولم يقترن هذا بتطور في بنية المجتمع الثقافية، أدت بعض النكوصات بها (كتغير طبيعة النظام السياسي من علماني إلى إسلامي) إلى تراجع كبير في دور المرأة في المجتمع، وإلى تهميشها في الأحزاب وفي مراكز صنع القرار رغم القانون الداعم (كما حدث في تونس على سبيل المثال).
لهذا الغرض سيكون أمام الحركات النسائية في العديد من هذه البلدان طريق طويل وشاق في تحويل المستحقات القانونية التي حصلت عليها نتيجة نضالها في تاريخ سابق، إلى مفاهيم توعوية تستهدف فئات المجتمع جميعاً حتى أكثرها تخلفاً، بحيث تتجذر مفاهيم الجندر والمساواة الجندرية في وعي جميع طبقات المجتمع.