“أنت طالق…!”
قالها لي زوجي بدون أن ينظر في عيني. كان حزيناً ومكسوراً كما لم أره من قبل. هو زوجي وحبيبي وصديقي في هذه الدنيا، وبكلمة منه بت وحيدة … وحيدة جداً.
اسمي نور وأبلغ من العمر 32 سنة، أقيم في مدينة دير الزور التي بدأت تئن على وقع سيطرة تنظيم “داعش” منذ 14/7/2014.
في البداية لم ندرك خطورة هذا التنظيم، لم نكن قد احترقنا بناره بعد، حيث بدا للوهلة الأولى مجرد جمرة صغيرة ما لبثت أن تحولت لكرة نار ملتهبة تحرق كل من حولها.
منذ لحظة دخول عناصر التنظيم للمدينة، فرضوا على النساء ارتداء النقاب، وقاموا بمخالفة كل امرأة ترفض الانصياع لأوامرهم وذلك من خلال جلدها وجلد ولي أمرها .
أنا امرأة محجبة، مسلمة مؤمنة ومتدينة، لكني أرفض ارتداء النقاب لأنه لا يوجد في ديننا ما يسمى فرض ارتداء النقاب. لكن زوجي في ذلك اليوم رجاني بأن ألبسه، لا بل توسل إليّ، لكني لم أرضخ لتوسلاته وحاججته بوجهة نظري حول الشريعة وبطلان فرض النقاب. يومها رضخ لإرادتي ومضينا معاً في زيارة لبيت أهله.
في أحد شوارع المدينة، ترجلت أمامنا فجأة سيارة لعناصر “داعش” تابعة لجهاز ما يسمى بالحسبة. كانت تقوم بمهمتها الدورية في التجول في طرقات المدينه ومحاسبة الناس في حال ارتكابهم أي فعل قد يعتبر مشيناً من وجهة نظر “داعش”.
كانوا ثلاثة رجال مدججين بأسلحتهم. قام أحدهم بتوبيخ زوجي على سماحه لي بالخروج أمام العامة دون ارتداء النقاب؛ ومن ثم قاموا باعتقالنا على الفور دون أن يفسحوا لنا المجال في الدفاع عن أنفسنا. أجبرونا على ركوب السيارة وتوجهوا بنا إلى مركز “الحسبة” في شارع “ستة إلا ربع” حيث تم تجهيز المركز بالعديد من غرف التوقيف.
تم احتجازي في إحدى الغرف المنفردة بعيداً عن زوجي بعدما جردوني من حقيبة يدي وجميع أشيائي. بدأت الشكوك تراودني حول مصير زوجي، وماذا سيحل به. وبعد برهة من الزمن سمعت صوت قفل الزنزانة يفتح، ليدخل أحد العناصر الذين قاموا باعتقالي. أخذني العنصر إلى غرفة كان بها مكتب أحد عناصر التنظيم، والذي بدا الآمر والناهي في مكتب “الحسبة”، عندما دخلت وجدت زوجي يقف هناك، مكبّل اليدين. بعد لحظات، طلب أحد العناصر من زوجي أن يقوم بجلدي بنفسه، وذلك بمثابة عقوبة لي وله على عدم ارتدائي النقاب.
مازلت أذكر وجه زوجي وعلامات الحزن التي بدت عليه عندما طلبوا منه أن يقوم بجلدي، بدت نظرات عينيه حائرة، فهو لم يسبق له أن ضربني ولا مرة، ولكنه عوضاً عن قيامه بجلدي صمت لبرهة ثم قال:
” سأطلقها ذلك أفضل من جلدها”.
عندما سمعته يلفظ كلماته تلك “أنت طالق!”، تجمدت الدماء في عروقي، ولم أستطع أن أنطق بأي حرف، شعرت وكأن لساني قد تم ربطه. نظرت في عيني زوجي المكسورتين، لكنه ابتعد بنظره عني وكأنه لا يريد في هذه اللحظة بالذات أن تلتقي عيوننا.
فيما بعد أعادني أحد العناصر إلى غرفة الزنزانة. “هذا جزاؤك على عدم ارتدائك النقاب”
بقيت في الزنزانة وحدي، وطوال الليل لم يهدأ لي جفن، حيث وجدت نفسي وحيدة وسجينة ومتهمة لمجرد أنني رفضت ارتداء النقاب. كل ما كنت أفكر به هو أني خسرت زوجي وحبيبي. كانت تلك الليلة الجهنمية في زنزانة الحسبة باردة وحزينة. قضيت الليل وأنا ألوم نفسي على تعنتي وعدم الاستماع لنصيحة زوجي. فكرت فيه، كيف استطاع تطليقي وهو الذي يحبني جداً ؟ كيف سمح لهم بأن يقرروا مصير زواجنا؟ كانت كل الأسئلة تتلاشى، عند تفكيري به وعند استرجاع منظره وهو مكبل اليدين ومكسور. بات بعدها كل ما يهمني هو أن يكون بخير.
في ساعات الصباح الباكر سمعت صوت قفل الزنزانة مجدداً، ليفتح الباب ويدخل أحد العناصر ويخبرني أنه تم الافراج عني.
أوصلني أحد العناصر لبيت والدي، والذي كان عوناً لي في محنتي، وسنداً يشد أزري، بينما لم تهدأ نفسي، ولم تخف وتيرة قلقي إلا عندما سمعت خبر الإفراج عن زوجي. عندها شعرت وكأن جبلاً انزاح عن كاهلي.
اسبوع كامل مضى دون أن أراه. أخيراً اتصلت والدته لتخبرني ما كنت متيقنه منه في داخلي … زوجي طلقني لأنه لا يستطيع جلدي ولم يتحمل رؤيتي أتألم. زوجي، حبيبي … سنعود قريباً ونلتقي وسننسى كل شيء عنهم. هم عابرون في حياتنا. هم لا شيء … الحب هو الأبقى، ونحن من سيبقى.
بالاشتراك مع منصة “نساء سوريا”
ملاحظة: من يود قراءة القصة عن المنصة يرجى الضغط على اللوغو أعلاه
2 Responses
للاسف سورية الجريمة الكبرى بكل المعايير…لا بد من الامل الدائم بالمسقبل.