كفّ
كانت يدي غير أيدي صديقاتي في المدرسة، يدي التي تمّ حرمانها من لمس تلك المقاعد والكتب والدفاتر المدرسيّة،
ملوّثة دائماً شائخة صغيرة، تحمل بين أخاديدها وجع العمر.
كان عليّ العمل مع زوج أمّي بالأرض، لأنّ أبي قد مات وأخذ معه طفولتي، تاركاً بقاياي تعيش مع أشباه أسرة، وشبه أب، وضعف امرأة غير قادرة على حماية ابنتها.
تلك اليد التي ضُمّدت كثيراً من آلام الأكزيما (الشقوق) والتي كادت تتعفّن.
أعود للبيت محمّلة بألم الكون كلّه فأتقوقع على نفسي في زاوية خشنة أنظف ما علق في تلك الشقوق من تراب العمل النهاري، الذي طالما تمنّيت ألا يأتي، أّما مساء فيتوجّب عليّ إتمام الأعمال المنزليّة بعد كلّ هذا العناء.
كفّ، كان عليّ مدّها في كلّ مرّة لأتلقى ضرب العصا، متوجّباً عليّ كتمان صوت بكائي لأختنق بدموعي وذلك في كلّ مرّة أكسر كوباً أو طبقاً عندما أغسل الصحون.
كبرت، وكبرت وما عاد يعنيني سوى مرور الوقت، لتظهر على جسدي الصغير علامات البلوغ وعلى أصابع كفّي الكبر، فيسرّ خاطر زوج أمّي لينشد مرحلة الخلاص مني.
كفّ غطّوه بالحنّاء قبل يوم زفافي وكأنّهم حنّوه بدمي، حينما أُجبرت على الزواج من أوّل متقّدم، كي يخفّف عناء طعامي عن زوج أمّي وليقبض مهري.
كفّ، ألبسوه عنوةً خاتماً ضيّقاً ليخنقني فيضيق على صدري أكثر مما ضاقت تلك الدنيا التي رحُبت على الجميع إلا عليّ.
كفّ، رُسم على وجهي لأنّني لم أخلع فستان حيائي أمام من لم يرده قلبي.
كفّ، اغتالت براءتي.
وبعد ضربة سبّبت ارتجاجاً في الدماغ لديّ لأنّني لم أطبخ.
ذات الكفّ ألبستني الكفن.
مروة كمال الدين
شبكة المرأة السورية