كابوس دمشق
نزلنا إلى دمشق متخفين، فقد وعدني الشخص الذي كان يصحبني، أنه يستطيع إيصالي إلى دمشق دون أن نتعرّض لأيّ أذى ودون أن يعرفني أحد.
كنت متشوّقة للذهاب إلى مدينتي دمشق ….
فقد ذاب قلبي شوقاً لها، وكانت نفسي تتوق لتحضن كلّ ما فيها، حاراتها أسواقها بيوتها سورها حدائقها جسورها وساحاتها. ذهبنا نسرع الخطا مع بعض الحذر مثل اللصوص نتلفّت حولنا ونبتعد عن الأماكن العامّة ونتحاشى الكلام مع أحد، حتى اقتربنا من أحد الحواجز، وقد كنت أعرفه جيداً فهو ذلك الحاجز الذي يخشاه الجميع.
قلت لمن يصحبني لقد وقعنا بين أيديهم، كيف سنمرّ؟ وإذا عدنا سيشكّون بنا، فقال: هل معك شيء يدعو إلى الريبة؟ قلت: معي كتاب فقط، ولكن يُذكر فيه الجيش الحرّ ومؤسّسات المعارضة وفيه صور لعلم الاستقلال وذكر بعض الأسماء، فقال أعطني الكتاب ودسّه في جيبه واقتربنا منهم بهدوء، سلّم عليهم فسأله أحدهم،
وكما يبدو أنّه الضابط المسؤول، هل معك شيء مخالف فردّ عليه بسرعة، لا يوجد كما ترى إلّا كتاب كنت أقرأ فيه وأنا في السرفيس، ظنّاً منه أنهم لن يسألوا عن محتواه، فقال أحدهم: أرني ذلك الكتاب، تردّد ثوان، لكنّني ظننتها ساعات أو أنّ الزمن قد توقّف فجأة.
أمسك الكتاب وناوله لأحدهم وما إن فتحه حتى نظر إليّ بدهشة وكأنّ صاعقة أصابته، رفع نظره وصرخ أهذه أنت؟ لقد وجد اسمي مذكوراً في الكتاب مع صورتي، حينها دارت بي الدنيا، ولم أعد أسمع شيئاً.
مضت ثوان قليلة، وكأنها ساعات،
أحسست بجسمي يسقط من مرتفع عالٍ جداً وكأنّني أهوي بسرعة نحو الوادي،
لكنّ أصواتهم وصراخهم الذي علا في المكان وملأه ضجة أعاداني إلى الواقع.
أمسكوا بها بسرعة قبل أن تهرب
الصوت كان كافياً ليعيدني الى الحقيقة …
دون شعور منّي أطلقت ساقيّ للريح، تطوي الأرض تحت قدميّ،
صرخ أحدهم أمسكوا بها، الضابط يريدها على قيد الحياة …لا تطلقوا النار، وكأنّها فرصة لي للهرب. تلك الكلمات زادتني قوّة فلن يطلقوا النار أو يقتلوني، وقد تكون لديّ فرصة للنجاة منهم، فأخذت أجري بقوّة لم أعهدها وكأنّني عدّاءة في مارثون، إنّها قوّة الخوف العجيبة. دخلت حارات وخرجت من أبواب وقفزت فوق أسطح قريبة، وهم خلفي يركضون، فجأة وجدت نفسي في بيت خُيِّل إليّ أنّني أعرفه، كانت الأصوات تملأ المكان بالضجيج، حفلة عرس، إنّها فرصتي للهرب، فدخلت بين الضيوف، ولكنّهم كانوا خلفي فدخلوا وبدؤوا يبحثون بين الحضور، حملت صندوق حلوى وكأنّني أريد تقديمه لهم واقتربت دون أن أرفع رأسي وقدّمت لهم الصندوق وقبل أن تمتدّ أيديهم، صرخ أحدهم تعاليْ إلى هنا فأسلمت نفسي لقدري.
فجأة، كأنّ تياراً كهربائياً أصاب أقدامي، فانطلقت بسرعة نحو الشباك وقفزت منه وهم خلفي يصرخون توقّفي. تابعت الجري من بيت إلى بيت، وأنفذ من حارة الى أخرى وهم خلفي، حتى أحسست أنّ قواي قد خارت تماماً وأيقنت أنّهم سيمسكون بي في أيّ لحظة وأنّني هالكة لا محالة لم أستسلم. اختبأت داخل بيت صغير ربّما يستخدمه أصحابه لوضع الأشياء القديمة، وسمعت أحدهم يقول: إنّها هنا وجدتها. فجأة اقتربوا منّي وكادوا يمسكون بي وقبل أن تمتدّ الأيدي لتسحبني،
صرخت صرخة جعلتني أقف بكل قوتي، لأجد نفسي في الفراش، وجرس الباب يرنّ بقوة، أنفاسي متسارعة، وقلبي يخفق بشدّة وكأنّه سيخرج من صدري، والعرق يتصبّب مني.
جهان خلف
شبكة المرأة السورية