العادات والتقاليد فوق القانون
لفت نظري في زيارتي الأولى لإحدى القرى القريبة من حلب تلبية لدعوة أحد الأصدقاء، وجود بيت مبنيّ من الحجر في مدخل القرية على خلاف بيوت القرية التي هي عبارة عن قباب طينية بحجوم مختلفة حسب الاستعمال، منها للمعيشة ومنها للمؤونة، ولا تبعد عنها زرائب المواشي التي يربونها للاستفادة من منتجاتها، وكم كان أطفالي سعداء بهذه الزيارة لأنّهم رأوا بعض الحيوانات بشكل واقعيّ وليس في الصور فقط، خافوا في بداية الأمر ولكنّهم بدؤوا بلمس الخروف واقتربوا من البقرة والدجاجات وأحضروا البيض من الخمّ.
بعد أن استرحنا، أخذتني زوجة صديقنا في جولة على بيوت بعض معارفها، فكانت فرصة لي كي أسألها عن ذلك البيت المختلف، فقالت إنّه لأحد الأثرياء المقيمين في حلب يأتي برفقة زوجته وأولاده وأختيه في الصيف والربيع، ويستعينون ببعض النسوة لتحضير المؤونة الشتوية، وكثيراً ما يدعو أصدقاءه لقضاء يوم أو يومين، فجوّ القرية لطيف هادئ .
سألتها ألا يأتي زوجا أختيه معهم؟
أجابت: لا لأنّهما ليستا متزوجتين رغم أنّهما بلغتا سنّ الزواج منذ زمن كما أنّهما جميلتان، وسمعت بأنّ أخاهما لم يتركهما تكملان تعليمهما لأنّهما ليستا بحاجة للعمل، فهم يملكون من الأراضي والعقارات والأموال ما يكفيهم.
ولماذا لم تتزوّجا؟ ألم يتقدّم أحد لطلبهما؟
لا على العكس تماماً، فقد تقدّم لخطبتهما أكابر الناس منهم دكاترة ومحامون وتجّار ولكنّه لم يوافق .
ولماذا؟
كما فهمنا إنّه لا يريد لأحد أن يشاركهم أملاكهم وطالما أنّهما عازبتان فلن تطالبا بتركة والديهما، وهكذا يبقى كلّ شيء في يده. وكما تعلمين فإنّ عاداتنا تمنع البنت من الخروج عن إرادة أهلها وإن فعلت فالنتيجة معروفة إمّا المقاطعة والنفي من الأسرة وهذا أضعف الإيمان، أو القتل إذا كان الزوج من أسرة أقلّ شأناً من أسرتها .
صدمتُ بهذه الحجّة، بل الجريمة، وتألّمت كثيراً لحرمان إنسانة من ممارسة حقّها في الحياة، اختيار شريك حياة، الأمومة العمل، التمتّع بما ورّثها والداها.
ولكنّ الصدمة الكبرى كانت عندما علمت لاحقاً وبدافع الفضول، أنّه من أكثر المدّعين والداعين لمناصرة الحريّات، والحصول على الحقوق، ومعاداة المستغِلين ومحاربة الاعتداء على حقوق المستضعفين من عمّال وفلّاحين ونساء وأطفال، وكأنّ أختيه ليستا من هؤلاء البشر الذين يحلمون ببيت وزوج وأطفال .
وأتخيّلهما وهما يريانه مع زوجته يختليان في غرفتهما، يعيشان طقوس الحياة الزوجيّة، ثم يخلّفان صبياناً وبنات، ويوكلان أمر العناية بهم لهاتين المحرومتين تحت مسمّى الثقة بهما وبأخلاقهما وحسن تربيتهما .
عدت مع مضيفتي إلى البيت بعد أن تجوّلنا في أرجاء القرية، ثمّ عرّجنا على كرم عنب لهم وقطفنا بعضاً من عناقيده الشهيّة .
وأنا في طريق عودتي إلى حلب كانت أفكار كثيرة تتنازعني، ومشاعر ألم وحزن تسيطر عليّ وأنا أتساءل، ما أكثر النساء اللاتي تنازلن عن حقوقهنّ
المشروعة مرغمات، ومتى يمكن أن يوجد قانون يتغلّب على العادات والتقاليد وينصفهنّ من ظلم أقرب المقرّبين .
سميرة البهو
شبكة المرأة السورية