خاص شبكة المرأة
نسرين مجدل
أنا أمل أعيش في مدينتي سلمية القابعة وسط سوريا بين حماة و حمص، مدينتي التي ثارت مثل كل المدن السورية عام 2011 من أجل وطن حر واغتيلت ثورتها بالبراميل والصواريخ والكيماوي والمجازر
وحتى الآن يسكن مدينتي مهجرون من حمص والرستن وحلب والرقة غالبيتهم من النساء الفاقدات لأزواجهن وأبنائهنّ الشباب.
سوريا باتت بلد النساء تقريبًا بعد تهجير شبابها بفعل الحرب و الاعتقال
حتى النساء يسعين للهجرة باحثاتٍ عن مكانٍ آمنٍ صالحٍ للحياة.
نحن هنا نتحمّل الضغوط المعيشية الصعبة بوجود هوّةٍ شاسعةٍ بين الدّخل وتأمين أدنى متطلبات الحياة، خاصةً بعد انهيار الليرة السورية وتضاعف أسعار المواد الغذائية، فربطة الخبز الواحدة ثمنها ألف ليرة سورية
مما جعل أكثر أساسيات الغذاء تختفي من موائد أطفالنا الذين باتوا لا يشربون الحليب ولا يأكلون الفواكه ولا يرونها إلا في أحلامهم.
أفكر كيف سيقضون الشتاء القادم، لا شكّ سيكونُ أصعبُ من الماضي، الشتاء الذي أحرقنا فيه كل ما يمكن حرقه من أجل التدفئة، حطب كرتون بلاستيك ألبسة. الشتاء القادم ريما لن نستطيع تدفئتهم فأزمة المحروقات تتفاقم وأسعارها تتضاعف و إذا مرضوا لن نستيطع زيارة الأطباء وجلب الدواء لهم بسبب ارتفاع أجور المعاينة الطبية وأسعار الأدوية.
أما الكهرباء فهذه حكاية أخرى، باتت تزورنا نصف ساعة مقابل انقطاع خمس ساعات ونصف. وباتت البطاريات التي يتحكّم بأسعارها التجار هي الحل الوحيد رغم ارتفاع أسعارها وبتنا مجبرين على شرائها لأنه لا بديل رغم انتشار ألواح الطاقة الشمسية والتي ثمنها يعادلُ أضعاف ثمن البطاريات، ولذلك فغالبية الأسر لا تستطيع شرائها.
حربٌ اقتصاديةٌ خانقة تحاصرنا بعد الحرب الدامية ومرض كورونا ومن بعده الزلزال.
بلادنا باتت بلاد الكوارث الطبيعية والبشرية.
نساء مدينتي أبدعن بابتكار مشاريعهنّ المنزلية الصغيرة لتأمين احتياجاتهنّ، لكن الصعوبات كثيرة وهي تعيق خطاهنّ بدءً بارتفاع أسعار المواد الأولية وليس انتهاءً بانقطاع الكهرباء و المحروقات، وحتى السلل الغذائية التي كانت توزّع من قبل شبكة الآغا خان والهلال الاحمر تم اختصارها الى أكثر من النصف وأُخرجت آلاف الأسر من برنامج المساعدات.
اليوم أحلم بضم أحفادي الذين ولدوا في دول اللجوء، فأولادي اختاروا اللجوء كما كثيرين من شباب سوريا على أن يكونوا قتلة في جيش النظام.
في مدينتي لا تزال العديد من الأمهات يعشنَ على أملِ لقاءِ أولادهنّ الذين تم اعتقالهم وتغييبهم في سجون الأسد منذ بداية المظاهرات السلمية في سوريا عام 2011 ومنهم من كان في ريعان الشباب. ربما تغيرت ملامحهم اليوم هذا إذا كانوا لا يزالون على قيد حياة. ومنهم الطالب الجامعي الذي اعتقل من جامعته وماتت والدته حزنًا عليه قبل أن تعرف مصيره.
ومنهم الأب الذي كان ابنه طفلاً صغيراً وغدا اليومَ شابًا، إذا عاد والده من المعتقل لن يعرفه.
و آخر كانت ابنته شابة تزوجت في غيابه و أصبح لديه أحفاد لا يعرفهم و هم لا يعرفون عنه غير الصورة.
والقائمة تطول، فسوريا غدت بلد السجون، ففيها أكثر من المشافي والمراكز الثقافية وربما أكثر من المدارس سجونٌ علنيةٌ وسريةٌ تخفي العشراتِ من أبنائنا.
لا أمل يلوحُ في الأفق، وسوريا اليوم ليست مكاناً أمنًا ولا صالحًا للعيش، إنها بلد الفساد والمخدرات والسجون.
هناك من الجنوب من سويداء الكرامة ارتفع الصوت عاليًا في مظاهراتٍ ترفضُ الفساد والاستبداد ترفض الذل والخنوع إنّه ليس فقط صوت السويداء إنه صوت كل حرّ يريد سورية دولةَ قانون، دولةً لكلِّ السوريين لا دولة عائلة ولا دولة ميليشيا ولا دولة عصابة إنه صوتنا الذي لا نستطيع رفعه بوجه النظام فقبضته الأمنية مطبقةً على أوفواهنا لإنه يخاف من كل صوتٍ حرٍّ حتى من يكتب على صفحات الفيسبوك يتم اعتقاله فليس علينا أن نتذمر حتى من سوء الخدمات الأساسية لنبقى أحياء. أساسًا لا أعرف هل نحن أحياء!!
نريد أن نحيا في وطنٍ أمنٍ وحرٍ إلى جانب أُسرنا، نحن لم ننجب أبنائنا ليَقتلوا أو يُقتلوا ولا ليموتوا في السجون أو ليكونوا لاجئين ولا نريد أن نكونَ لاجئاتٍ أو نازحاتٍ في دول العالم أو في مخيمات.
نريد الحياة العزيزة الكريمة والمستقبل الآمن لأبناءنا وأحفادنا داخل وطننا وليس في أي مكان آخر
كل ذلك لن يتحقق بوجود الأسد الذي قتلنا وشرد أسرنا و باع بلدنا للمحتلين ولا بوجود أمراء حرب تاجروا بدمائنا.
نريد أن تتوقّف حرب المصالح الدولية على الأرض السورية لصالح الإنسانية
وأن يتحمّل العالم أجمع مسؤولياته اتجاه قرار 2254 وتطبيقه لنستعيد سوريا لكل السوريين، ونطالب بدعم الآلية الدولية للمفقودين لتكون فعالة وقادرة على إحداث أثر والإفراج عن أبنائنا المعتقلين والمخفيين قسراً وإبعاد هذا الملف عن التجاذبات السياسية وعودة آمنة وطوعيّة للاجئين، إلى مناطق سكناهم الأصلية.
نطالب كل الدول بالعمل بشكل جدي لوقف انتشار المخدرات بين أبنائنا و تصديرها إلى الخارج،
نريد سوريا وطناً أمناً لكلّ السوريين يشعُّ نوراً و حضارةً.