Search
Close this search box.

بعد ويلات الزلزال.. الإعاقة تعمق مأساة نساء في إدلب

بعد ويلات الزلزال.. الإعاقة تعمق مأساة نساء في إدلب

سونيا العلي- إلهام العلي، إدلب/ مشروع قيادة نسائية لأجل سكن لائق وآمن.. شمال غرب سوريا

بقايا منزل مهدم هو كل ما بقي للنازحة فاطمة قنب (36 عاماً) التي نزحت إلى مدينة كفرتخاريم وكانت إحدى المتضررات من الزلزال، حيث تعرضت فاطمة لإصابة في قدمها أفقدتها القدرة على المشي، كما تهدم المنزل الذي تسكنه مع أسرتها المكونة من خمسة أفراد، وعن معاناتها تتحدث قائلة: “كان ذلك اليوم عصيباً يفوق الوصف، حيث استيقظت على اهتزاز الأرض التي بدأت تميد بنا، حتى يعد بإمكاننا أن نثبت أنفسنا على الأرض .”

وتبين أن لحظات مرت خلال الزلزال، ثم سمعت بعدها صوت انهيار سقف المنزل الذي تسكنه مع أسرتها، وعن ذلك تقول: “رغم إصابة قدمي بالحجارة التي تهدمت، لكن كل همي مع زوجي كان أن ننقذ أطفالنا الثلاثة، من خلال إخراجهم من المنزل و إجلاؤهم إلى الشارع بأسرع وقت ممكن.”

وتبين فاطمة أن الفقر وضيق ذات اليد جعل أسرتها تعود للعيش في المنزل المتضرر بالزلزال بأدنى مقومات الحياة، رغم تهدم سقفه بشكل جزئي والتصدعات التي تملأ جدرانه، وتهدم السور الذي يحيط به، وعن سبب ذلك تردف: “إلى أين نذهب، نواجه في هذا المنزل البرد والعتمة وضيق العيش، لا مكان يؤوينا، ولا قدرة لدينا على استئجار منزل أفضل حالاً.

وتؤكد أنها تمشي بصعوبة في المنزل المهدم، لأن حركتها بطيئة بسبب كسور في قدمها، وعن ذلك تقول: “أجد صعوبة بالغة في التنقل بين أرجاء المنزل بسبب انتشار وتجمع أنقاض الزلزال في كل مكان من رمال وحجارة، كما أخشى على أبنائي جراء تساقط الحجارة من السقف والجدران عند هبوب الرياح وتساقط الأمطار”، وتلفت فاطمة أن زوجها مريض وعاطل عن العمل، لذا تعيش مع أسرتها أحوالاً معيشية سيئة، وتؤكد أنها بأمس الحاجة لمنزل كريم يحفظ خصوصيتها ويحمي أطفالها من المخاطر .

ليست عائلة فاطمة وحدها في هذه المعاناة، حيث تضررت الكثير من الأسر في إدلب جراء الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمالي سوريا بتاريخ السادس من فبراير من العام الحالي، لتعيش الآلام والأوجاع، دون أن تجد من يخفف عنها ويمد لها يد العون .

أمل المصطفى (32 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مدينة حارم شمال إدلب، ليست أفضل حالاً، فقد تعرضت لبتر قدمها أثناء الزلزال، وفقدت زوجها وابنتها، وعن ذلك تقول: “كأنها القيامة، كان أسوأ يوم في حياتي، حيث نجوت مع ابني من الموت بأعجوبة، فيما فقدت زوجي وابنتي التي تبلغ من العمر 8 سنوات.”

وتشير أنها كانت تحمل طفلها البالغ من العمر سنتين حين تهدم المنزل الذي تسكنه، وحول ذلك تقول في محاولة لاستعادة فترة قاسية من حياتها: “أذكر أنني كنت أركض مع زوجي وابنتي في محاولة للخروج من المنزل، ولكن البناء تهدم قبل وصولنا، فوجدت نفسي في مكان مظلم، أحمل طفلي، أما زوجي وابنتي فقد غابا عن ناظري، لكني كنت أسمع آهات زوجي المتقطعة، وأبكي وأتوسل الله أن يكونوا بخير .”

وتلفت المصطفى أن قدمها علقت تحت جدار متهدم، لكنها لم تلتفت لنفسها على الرغم من الألم الشديد الذي شعرت به، بل كان كل همها أن تنجو أسرتها من موت محتم. تضيف المصطفى والدموع في عينيها: “بعد دقائق اختفى صوت الأنين، فعلمت أن زوجي قد فارق الحياة، وبعد ساعات تمكنت فرق الإنقاذ من إخراجي مع طفلي الذي كنت أحتضنه بين ذراعي، وأحميه بجسدي من الحجارة التي كانت تتساقط علينا بين الحين والآخر.

تلفت أن الأطباء بتروا قدمها اليمنى التي تضررت بشكل كبير بسبب إصابتها بمتلازمة الهرس*، وبعد خروجها من المشفى أصبحت تستخدم عكازين في الحركة والتنقل ريثما تحصل على طرف صناعي، وتعيش اليوم مع طفلها في مخيم عشوائي على أطراف مدينة حارم، وتفتقد كل مقومات الحياة الكريمة، فالطرقات وعرة والمياه قليلة، فيما تعاني شح الموارد باعتبارها فقدت سندها ومعيلها، ولا يمكنها العمل بسبب إعاقتها، وعن ذلك تضيف: “تنعدم الخصوصية في المخيم، كما يتوجب عليّ قطع مسافة طويلة للوصول إلى الحمامات، ويصعب علي المشي باستخدام العكازين في طرقات المخيم التي تملؤها الحفر والحجارة .”

وتلفت المصطفى أنها تتمنى الانتقال للعيش في منزل يحفظ خصوصيتها، وينهي معاناتها، تعيش فيه مع طفلها حياة كريمة  . 

من جانبها المرشدة الاجتماعية عبير المعمار (33 عاماً) من مدينة إدلب تتحدث لشبكة المرأة السورية عن معاناة ذوي الإعاقة بالقول: “على خلفية الزلزال فقد الكثيرون حياتهم، فيما تم نقل أسر بأكملها إلى المشافي بسبب جروح في الرأس أو كسور متعددة أو إصابات في العمود الفقري أو قصور في وظائف بعض أعضاء الجسم، ومنهم من تسبب لهم بإعاقات دائمة ليعيشوا مرارة الإعاقة من جهة، وصعوبة تلقي العلاج من جهة أخرى .”

وتؤكد أن الإعاقة الجسدية لا تعني العجز وتوقف الحياة، لذا ينبغي على المجتمع مساعدة هذه الفئة المهمشة، وخاصة النساء من خلال زيادة مستوى الوعي المجتمعي باحتياجاتهم وضرورة مشاركتهم في بناء المجتمع، ودفع الأشخاص ذوي الإعاقة للتخلص من العزلة والانطواء على أنفسهم، وتدريبهم على أعمال ومهن تتناسب مع أوضاعهم الصحية ليتمكنوا من تحقيق الاستقلال المادي، والانتقال من كونهم أفراد مستهلكين إلى أشخاص منتجين يتركون بصمة وأثراً في المجتمع.

معاناة مضاعفة تعيشها النساء ذوات الإعاقة في الشمال السوري بعد الزلزال الذي دمر القلوب قبل المباني، يكابدن ظروفاً قاسية في المخيمات ومراكز الإيواء، مع بارقة أمل بالحصول على علاج يخفف آلامهن، ومنازل تحميهم مع أسرهم وتحفظ كرامتهم .

 

*متلازمة الهرس (Crush syndrome) وتدعى أيضا متلازمة الانحلال العضلي الرضي (traumatic rhabdomyolysis)، هي حالة يتم فيها تدمير الخلايا العضلية الهيكلية الموجودة في الأطراف بفعل قوة خارجية ضاغطة، مما يؤدي إلى خروج محتويات الألياف العضلية وانتشارها في الدوران الدموي.

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »