Search
Close this search box.

نساء إدلب عزيمة وإصرار رغم الإعاقة

نساء إدلب عزيمة وإصرار رغم الإعاقة

نهى الحسن
خلفت الحرب السورية المدمرة على مدار اثني عشر عاماً أعداداً كبيرة من الجريحات والمصابات بإعاقات دائمة في شمال غربي سوريا نتيجة القصف العشوائي المستمر بشتى أنواع الأسلحة. ورغم أن جميع فئات المجتمع عرضةّ لهذه المعاناة، إلا أن النظرة المختلفة للمرأة تجعل تجربة النساء اللواتي تعرضن لإعاقة أكثر صعوبة ومعاناة، فبعضهن يعانين من صعوبة الحصول على العلاج، وبعضهن الآخر يعانين من التهميش، بينما يقع البعض الآخر منهن فريسة للأمراض النفسية دون أن يجدن من يمد لهن يد العون أو يسمع أنين هذه الفئة المستضعفة .
ورغم قسوة الواقع حاولت بعض النساء من ذوات الإعاقة تخطي مرحلة الألم واليأس والخروج من خانة العجز، وجعل الإعاقة حافزاً للنهوض والنجاح، متحديات بعزيمتهن القوية وإصرارهن جميع العوائق والعثرات التي تقف أمام أحلامهن وطموحاتهن.
جمانة حاج أحمد ( 37 ) عاما من مدينة إدلب، أصيبت بشظية من إحدى صواريخ نظام الأسد وهي في طريق عودتها من السوق برفقة زوجها، تسببت الشظية ببتر قدمها اليسرى، وجروح مختلفة في أنحاء جسدها، بينما توفي زوجها على الفور، وبعد تلقيها للعلاج اللازم في المستشفى والتعافي، استطاعت الحصول على طرف صناعي بمساعدة إحدى المنظمات الخيرية.
تقول السيدة :”على الرغم من الحزن العميق الذي عشش بداخلي بسبب إعاقتي و فقداني لزوجي وسندي في هذه الحياة ، إلا أنني تذكرت أطفالي وحاجتهم الماسة لي، فلم أسمح لليأس أن يسيطر عليّ ،ولله الحمد إرادتي كانت قوية، وعزيمتي لم تلن، ففكرت بعمل أستطيع من خلاله النفقة على أطفالي الأربعة، وبالفعل فتحت محلا لبيع الإكسسوارات وألعاب الأطفال بمساعدة من منظمة إغاثية تُعنى بالمشاريع الصغيرة، واستطعت من خلال هذا العمل الحصول على لقمة العيش الكريمة، كي لا أبقى عالة على أحد وبحاجة إلى عطف ومساعدة الآخرين .”
أما مها العبود ( 23 ) عاما من ريف معرة النعمان الشرقي ونزحت مع عائلتها إلى مدينة ادلب أصرت رغم إعاقتها على متابعة دراستها في معهد إعداد المدرسين وعن ذلك تقول :”أثناء عودتي من المعهد في قريتي تعرضت لإصابة من غارة للطيران الحربي أدت إلى بتر يدي اليسرى وفقء إحدى عيني، وبعد مكوثي في المنزل لمدة ثلاثة أعوام قررت كسر الحواجز، والعودة لإكمال دراستي، فلا شيء مستحيل مع الإرادة القوية “.
ولا تنكر العبود بأنها أصيبت بصدمة كبيرة أرهقتها نفسيا في البداية، ووصلت بها الأمور حد الاكتئاب، إلا أن أسرتها وزملاءها كانوا دائما يشجعونها ويحثونها على الصبر والتحمل، والنهوض من جديد.
وتكتمل المعاناة عندما تجتمع قسوة الإعاقة ومرارتها مع خذلان وتخلي الزوج والسند.
سهى البيوش ( 40 ) عاما نازحة من مدينة كفرنبل إلى مخيم عشوائي على أطراف بلدة قاح الحدودية مع تركيا، تعمل رغم إعاقتها لتنفق على أولادها الثلاثة بعد تخلي زوجها عنها وعن ذلك تقول :” أصبت منذ عامين بشظية من قذيفة سقطت على منزلنا، فتضرر عصب قدمي اليمنى بشكل كبير، فلم أعد قادرة على المشي عليها، وأصبحت أجد صعوبة كبيرة في إنجاز أعمال المنزل، وبعد عام من إصابتي طلقني زوجي وتزوج بأخرى بحجة أنني غير قادرة على الاهتمام به .”
شعرت السيدة في بادئ الأمر بالإحباط وتجرعت مرارة الخذلان، لكنها أيقنت فيما بعد بأن الحياة يجب أن تستمر، وقررت تأخذ دور الأب والأم معا لتعتني بأطفالها الثلاثة الذين باتوا أملها الوحيد المتبقي لها في هذه الحياة، فراحت تزاول مهنة الخياطة التي كانت قد تعلمتها في وقت سابق في إحدى مراكز تمكين المرأة في مدينتها.
تقول السيدة: “أجمل مافي هذه المهنة هو أنني أستطيع مزاولتها داخل خيمتي، دون الحاجة للخروج وترك أطفالي، ولله الحمد نال عملي إعجاب النساء و أصبح لي اسم جيد ومعروف في المخيم الذي أقطنه ومحلات بيع الملابس المجاورة”.
وعلى الرغم من وجود عينات في المجتمع لمصابات حاولن تحدي الإعاقة بإرادة قوية وعزيمة لاتعرف اللين، إلا أن المختصة بالدعم النفسي والاجتماعي ليلاس الحلو ( 48 عاما) ترى أن هناك أعداد كبيرة من المصابات والجريحات اللواتي أصبحن يجدن أنفسهن عالة على المجتمع، غير قادرات على التأقلم مع حياة الإعاقة، وذلك بسبب قلة الوعي الإجتماعي، وغياب ثقافة الاعتراف بالشخص من ذوي الإحتياجات الخاصة وحقوقه، ونظرة المجتمع الشرقي إلى الشخص المصاب على أنه عاجز.
وترى الحلو بأن هذا بحد ذاته هو قتل للروح قبل الجسد، مايفرض على المصابات العزلة والإنطواء والإكتئاب، فتلك النسوة بحاجة إلى الدعم النفسي اللازم ،من خلال وجود برامج إرشاد ودعم نفسي، والعمل الدائم والمستمر لتقديم الدعم المادي، وتوفير فرص العمل المناسب لهن، لتوفير حياة كريمة، تضمن لهن مصدر رزق كريم، وتؤمّن حقوقهن، ويكون ذلك من خلال افتتاح مراكز تمكين لهؤلاء النسوة،وإطلاق حملات دمج وتوعية تغير من النظرة المجتمعية الدونية لهذه الفئة من النساء، وتمكينهن من تقبل أنفسهن لإنهاء معاناتهن ومنحهن أملا جديدا بالحياة.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »