Search
Close this search box.

يوم في حياتها ومعوقات السكن

يوم في حياتها ومعوقات السكن

كتبت المقال : جواهر ياسين / مشروع قيادة نسائية لأجل سكن لائق وآمن.. شمال غرب سوريا

سكن وأمان من ورق

في هذه الحياة أن تصنع السعادة لنفسك وتنثرها على من حولك خير من أن تستنزف الطاقة لدواخل جسدك بالحزن الذي لايجلب لك سوى الأذى لروحك والسلبية للآخرين. وليس معنى ذلك أنك فاقد للمشاعر النبيلة وقاسي القلب ولكن هي خطوات مهمة لتستقر الحياة، فحياتنا لا تتوقف عند الأحزان، وكان السؤال يتكرر في ذهني إلى متى سأستمر في هذه المعاناة؟!

استيقظت باكراً كعادتي على صوت أمي وأبي بالدعاء لي، وجهزت الفطور لهم وبعدها غسلت الأواني ورتبت الغرفة فلا يوجد غيرها، بيتنا هو فقط هذه الغرفة التي تستضيفنا فيها أسرة هم نازحين أيضاً مثلنا. بيتُ تظهر عليه علامات ما مر به الشمال السوري من قصف أثناء الحرب و تصدعات وتشققات صنعها زلزال شباط، اعتدنا عليها كما أعتدنا على أوجاع التهجير وأحلامنا التي تركناها خلفنا في بيوت حملت طفولتنا.

تجهزت لرحلة الذهاب إلى عملي، فالطريق إلى عملي رحلة كاملة شاقة تحملها مسافة طويلة جداً، ليس لأنني أحب رياضة المشي، فمن بيتنا المؤقت هذا لا يوجد خط مواصلات بين بلدتي والبلدة المجاورة . أثناء سيري اعترضني أحد المارة الفقيري الأخلاق أربعيني العمر على دراجة نارية وحاول عدة مرات إيقافي وطلب مني الصعود معه على الدراجة والطريق خالٍ من المارة، فكاد قلبي أن يتوقف من الخوف و قدماي لم تعد تحملني من الرعب والهلع، فهددته دون تفكير إن لم يذهب سأصرخ وأجمع الناس. ضحك باستفزاز واستهزأ :”لايوجد أحد، اصرخي كما تشائين”، وإذا بسيارة بيضاء آتية من بعيد ووقفت في منتصف الطريق، أخبرت سائقها أن هذا الشخص يسبب لي الإزعاج والحمد لله قد نجوت بفضل الله، فضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت.

وصلت مكان العمل بعد عناء. أعطتني مشرفتي ملاحظة بسبب تأخري دون حتى الاطمئنان عليّ أو سؤالي عن سبب التأخير، شعرت بالضيق واختناق أنفاسي، لأن تأخري لم يكن برضا ذاتي أو إهمال مني ولكنني لم أستطع أن أشرح لها معاناتي. هذا هو مصدر رزقي الذي أعيل من خلاله عائلتي الصغيرة. ومع ذلك هو عمل طوعي عائده المالي متأرجح.

انطلقنا من مكان العمل إلى القرى البعيدة المتضررة بالزلزال لزيارة الأسر والعوائل سعياً منا لتخفيف آلامهم. أعمل مع منظمة إنسانية على الدعم النفسي لمتضرري الزلزال، وأقول لنفسي أنه ربما معاناتي أقل منهم بكثير، فلدى بيت حتى إذا كان غرفة واحدة وبعيد عن مواصلات الحياة اليومية، ومؤقت حتى إذا كنا لا نعرف له بديلاً أو مؤقت إلى متى. لذلك معاناتي أقل من أسرة سقط السقف الذي يأويهم على رؤوسهم. عدت إلى المنزل مشياً على الأقدام نفس المسافة الطويلة تلك، محملة بشعور ثقيل بالضغط النفسي والمشاعر السلبية لوضعي ووضع الناس في مجتمعي وكيف أن أبسط الحقوق في الحصول على سكن آمن غير متاحة هنا.

ذهبت إلى متجر “الخضرجي” واشتريت بعض الخضار وإلى المتجر واشتريت الأرز والزيت و الملح و إلى الصيدلية وأحضرت بعض الأدوية لوالدايّ. عدت إلى المنزل وقبّلتُ أمي وأبي وغسلت يدي المتورمتان من حمل الاحتياجات اليومية، جهزت العشاء وغسلت الأواني. بعدها تعب والدي كثيراً ولا يوجد أحد غيري ولا يوجد مستشفى قريب، فمنطقتنا فقيرة بأبسط احتياجات الإنسان العادية. لذا خابرت ابن عمي والذي يسكن هو الآخر في منطقة بعيدة، أن يأتي لنا بسيارة إسعاف وبقينا بالانتظار المميت وصحة والدي تسوء أكثر لمدة ساعة كاملة مليئة بالدموع والقهر والحزن إلى أن أتت سيارة الإسعاف. وصلنا المستشفى واستقر وضع أبي، عدنا للمنزل في وقت متأخر من الليل وسهرت باقي الوقت على مراقبة أبي وأنا أغفو تارة و أصحو تارة أخرى وشعرت كأن الأرض تنبت من حولي أشواكاً صلبة تُغرز في روحي لتنتزع من جسدي المتهالك في قسوة.

إلى أن جاء الصباح لتبدأ دورة الحياة التي اعتدتها منذ فترة طويلة: أجهز الفطور وأنطلق إلى عملي التطوعي بلا مقابل كافِ يعيل الأسرة وأمشي مسافة طويلة تقابلني خلالها مضايقات اعتدتها وهكذا. إلى متى ستستمر هذه المعاناة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »