إدلب – سونيا العلي
رغم الإعاقة التي تعاني منها منذ ولادتها، إلا أن هذا لم يمنعها من ممارسة فن الرسم، الذي تحول إلى وسيلة تعبر من خلاله عن مشاعرها، حيث جاءت “لمى العبادي” إلى الدنيا وهي صمّاء بكماء، لكنّ الله سبحانه وتعالى عوضها بموهبة إبداعية، فأصبحت ترسم أمانيها وتعكس مشاعرها بصدق وحرفية عالية على الورق في لغة الألوان الجميلة، فأصبح سبيلها في التواصل مع الآخرين ليس لغة الإشارة فحسب، بل فن الرسم أيضاً الذي فك عزلتها وكان حافزاً لتعبر عن موهبتها الفنية وخفف عنها صعاب الحياة.
والدة لمى تتحدث ل”شبكة المرأة السورية” عن موهبة ابنتها التي تنحدر من مدينة جسر الشغور بريف إدلب بالقول: “تبلغ ابنتي من العمر 33 عاماً، ومنذ أن كانت طفلة كبر معها حبها للرسم، وعمل والدها على صقل ومتابعة موهبتها، وتطوير مهارتها، وكان له الدور الأكبر في تعليمها لتصل للاحتراف والإبداع في الرسم والألوان”.
وتؤكد أن ابنتها لمى طورت من موهبتها مع مرور الوقت، فعندما وصلت سن السابعة عشرة من العمر قصدت مدينة إدلب، لكي تكمل تعليمها في الرسم عند معلمين مختصين في هذا المجال، ومع دعم أسرتها لها استطاعت أن تكون شخصية مستقلة تمتاز بقوة البصيرة وعمق التفكير وحضور طاغٍ محبب، كما تعلمت القراءة والكتابة، فضلاً عن قراءة الشفاه .
وأكدت الأم أن ابنتها التحقت بدورات للرسم في المركز الثقافي في إدلب لمدة ثلاث سنوات لإكمال مسيرتها الفنية، وعن اللوحات الفنية التي رسمتها الفنانة لمى تقول والدتها: “تجسد لوحاتها معاناة الناس وتحاكي الواقع الأليم الذي يعيشه أهالي شمال سوريا، حيث كان من أبرزها اللوحات التي تواكب أحداث الثورة السورية، ومعاناة الناس بعد كل قصفٍ مدفعي من قبل جيش نظام الأسد، وبعد كل غارةٍ جوية كانت تشنها الطائرات على المدنيين في المنطقة، وهدفها في ذلك هو تخليد معاناة الشعب السوري في طريق الحرية والكرامة، فضلاً عن نقل المعاناة قدر المستطاع إلى العالم، فضلاً عن رسم الوضع النفسي للناس بعد القصف، ومعاناتهم من النزوح والاعتقال والأوضاع الصعبة جراء الحرب .
وتشرح والدة لمى أن أبرز الصعوبات التي تواجه ابنتها هي صعوبة التواصل مع الآخرين خارج المنزل، إذ تعيش ضمن مجتمع لا يجيد معظم الناس فيه التحدث بلغة الإشارة للتواصل معها.
وتشير أن ابنتها تستخدم مختلف الألوان في رسم لوحاتها المتعلقة بالأحداث الجارية في المنطقة، وسبق لها أن شاركت في معارض محلية عدة أقيمت في محافظة إدلب، وكانت في كل مرة تحصد الجوائز بفضل مهارتها العالية وقدرتها على تقديم لوحات فنية بالغة الجمال والتعبير، كما قام الدفاع المدني بتكريم لمى على إبداعها، وسلّمها درع الإبداع والتميز في معرضها الذي تم افتتاحه عام 2020، وكان بعنوان “حكايتي” لتشجيعها على استكمال مشوارها الفني.
وبشهر حزيران الماضي حصد الفيلم القصير “يدي تتكلم” جائزة الجمهور في مسابقة “الجزيرة الوثائقية للفيلم القصير لعام 2023”، ونجح الفيلم الذي صوره وأخرجه أسامة عبد الحميد الخلف، وتدور أحداثه حول قصة لمى عبادي التي تعبر من خلال الرسم عن الواقع السوري، وعرض الفيلم لأول مرة في 22 من شهر حزيران الماضي .
وقام أسامة بتصوير الفيلم بمنطقة جسر الشغور بريف إدلب، حيث ركز خلال التصوير على حجم الدمار الذي خلفه قصف النظام السوري للمدينة، على الرغم من وجود أعداد كبيرة من الأهالي والنازحين المقيمين فيها.
مخرج الفيلم أسامة عبد الحميد الخلف تحدث لشبكة المرأة السورية، عن كيفية تواصله مع لمى كونه لا يجيد لغة الإشارة، ما دفعه لاختيار والدها للحديث عنها، وتوصيف حالتها بشكل واسع، باعتبار أنه غير قادر على إيصال حالتها للجمهور بشكل صامت .وعن سبب تسمية الفيلم يقول: “وثقت لمى بريشتها وألوانها ولوحاتها الفنية الواقع وأحداث الثورة السورية بطريقتها الخاصة، رغم أنها لا تسمع صوت القصف بل تعتمد على التواصل البصري مع المحيط، وهو ما دعاني لتسمية الفيلم “يدي تتكلم” في إشارة إلى طريقة تعبير الأشخاص الصم والبكم عن رأيهم في قضايا المجتمع، وتجسيداً لقدرة الشابة لمى على تجاوز حاجز الصوت الذي يفصلها عن الآخرين”.
ويؤكد الخلف على شعوره بالفخر لفوز فيلمه رغم تواضع معداته والظروف الأمنية الصعبة، وقدرته على لفت الانتباه إلى موهبة لمى التي استطاعت بالإرادة والعزيمة أن توظف قدراتها في تحدي الصعاب والعقبات، وتنمية موهبتها .”
خريجة الفنون الجميلة جورية السراقبي (43 عاماً) نازحة من مدينة معرة النعمان وتقيم في مدينة جسر الشغور، مطلعة على رسومات لمى، وعن ذلك تقول: “الرسم أداة مناسبة للتعبير عن الحاجات والدوافع والرغبات، ويحقق التواصل الاجتماعي مع الآخرين، ويعمل على تنمية روح الخيال وقياس المهارات الإبداعية، وتنمية الإدراك البصري واللمسي، والمهارات الحركية الدقيقة. كما أن الرسم يلعب دورًا هامًا في تعديل السلوك، والتنفيس الانفعالي وتفريغ الطاقات المكبوتة.”
وتشير إلى ضرورة اكتشاف المواهب للأشخاص ذوي الإعاقة والاهتمام بهم، والإيمان بقدرة البشر على التواصل عبر اي وسيلة يختارها أولئك المعزولون في عالم الصمت “الصم والبكم” حيث تمكنت الفنانة الواعدة لمى من تحويل الألوان إلى كلمات تعبر بها عما عجز عنه لسانها، وجعلت منها وسيلة للتواصل مع أسرتها ومحيطها للتعبير عما تريد قوله، لذا تستحق كل الرعاية والاهتمام على تذليل كل العقبات أمامها، وتوفير البيئة المناسبة لها.
لم تختر الصمت بإرادتها، لكن حسها الفني دفعها للولوج في عالم الرسم والألوان كلغة بديلة للتعبير عن ذاتها وما يجول في خاطرها بعد أن حرمت من نعمة النطق والسمع، فكان الرسم بالنسبة لها إرادة حياة وبارقة أمل لتخطي الإعاقة وإثبات الذات.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”