Search
Close this search box.

مقاعد الدراسة ملاذ أمهات سوريات لتحقيق طموحهن وأحلامهن

مقاعد الدراسة ملاذ أمهات سوريات لتحقيق طموحهن وأحلامهن

إدلب – نهى الحسن
شهد الشمال السوري المحرر في الآونة الأخيرة عودة عدد كبير من الأمهات إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع لسنوات، حيث زاد عدد المتقدمات لامتحانات الشهادات الأساسية والثانوية والجامعية بمختلف فروعها، رغم كل الظروف الصعبة التي يواجهنها من حرب وفقر وتهجير، وذلك بغية الحصول على شهادة علمية تؤهلهن للدخول إلى مجال العمل، وتحسين الوضع المعيشي في ظل الظروف الاقتصادية المتردية التي يعيشها الأهالي في الداخل السوري بشكل عام خلال سنوات الحرب.
هدى الكامل (30 عاماً) لم يثنها الزواج وإنجاب الأطفال عن مواصلة التعليم بغية الحصول على إجازة جامعية تعينها على متابعة أطفالها دراسياً وتربوياً، فقد كانت متفوقة في دراستها، ويراودها حلم الحصول على شهادة عليا، إلا أن فقر العائلة من جهة، وقدوم العريس من جهة أخرى حالا دون تحقيق الحلم.
رضيت الكامل بما قسمه الله لها، تزوجت وأنجبت أربعة أطفال، وانشغلت لأكثر من عشرة أعوام بحياتها الزوجية وتربية أبنائها، إلا أن حلمها بإكمال دراستها مازال ينبض في فكرها وقلبها، ففاتحت زوجها بالموضوع، أبدى أول الأمر استغرابه الشديد ورفضه للفكرة من أساسها، لكن بسبب إصرارها وإلحاحها وتعهدها بأنها ستحاول عدم التقصير بواجباتها، وافق على مضض.
تقول هدى: ”حصلت على الشهادة الثانوية بفرعها الأدبي والتحقت بكلية التربية، درست جيداً، ونجحت إلى السنة الثانية بمعدل جيد، الأمر الذي لاقى تشجيعاً كبيراً من الطاقم التدريسي والمحاضرين، وكذلك زميلاتي اللواتي كنت أكبرهن بكثير، حتى زوجي بدأ يغير موقفه ويقتنع بدراستي، فبدا فخوراً بنجاحاتي“.
وعلى الرغم من أن السيدة لاقت تشجيعاً كبيراً من بعض الأصدقاء والكوادر التدريسية، إلا أنها لا تنكر بأن قسماً كبيراً من المجتمع حاول تحطيم معنوياتها، واعتبر أن الأوان قد فات وأخذ الموضوع بلا مبالاة، لم تكترث لكل الآراء السلبية وركزت على دراستها.
وعن كيفية تنسيقها ما بين واجبات البيت وواجبات الدراسة توضح قائلة: ”رغم غيابي الطويل نسبياً عن البيت، إلا أنني أحاول أن لا أقصر في واجباتي مع زوجي وأولادي، الأمر الذي يسبب لي إرهاقاً كبيراً، ورغم كل هذه التحديات والظروف إلا أنني مصرة على إكمال دراستي ونيل الإجازة الجامعية لأساعد نفسي وزوجي وأطفالي والمجتمع كله“.
حال هدى شكل حافزا لقريناتها الأمهات ليسلكن ذات الدرب
فالأرملة منال المصطفى (38 عاماً) ضاق بها الحال جراء عملها في صناعة المؤونة وبيعها، والتي تستهلك كل قواها ووقتها مقابل أجر زهيد لا يسد الرمق على حد تعبيرها، فقررت متابعة دراستها بعد انقطاع عنها لأكثر من عشرين عاماً، وتمكنت بعد جد وتعب من الحصول على شهادة الثانوية العامة بفرعها الأدبي، وتتأهل اليوم لدخول الجامعة.
وعن الأسباب التي دفعتها إلى إكمال دراستها تقول منال: ”كلما تقدم المرء بالعمر كلما قلت قدرته على القيام بالأعمال التي تتطلب مجهوداً عضلياً كبيراً، وهي مشكلة ستزداد كلما تقدمت في العمر، لذلك فأنا الآن في سباق مع الزمن للحصول على مؤهل علمي يفتح أمامي أبواب الفرص أكثر“.
ولفتت المصطفى إلى أن قرار العودة إلى الدراسة كان محفوفاً بالصعوبات والضغوط، وخاصة بسبب نظرة المجتمع للأرملة، والقناعات الموجودة لدى الكثيرين بأنه يجب عليها أن لاتخالط الناس،
اجتازت السيدة هذا التحدي بشجاعة، وقررت أن تسعى لتحقيق طموحها مهما كانت الظروف.
وتلجأ الكثير من النساء في الشمال السوري إلى التعليم الالكتروني بهدف مواصلة العملية التعليمية التي منعتهن الظروف من استكمالها في المدارس والمعاهد.
فاتنة الأحمد (26 عاماً) مهجرة من ريف حلب زوّجها والدها في سن مبكرة، فلم تستطع إكمال تعليمها في المرحلة الثانوية، وبعد زواجها وإنجابها لثلاثة أطفال تعرض زوجها لإصابة حربية جعلته عاجزاً عن العمل، فقررت إكمال دراستها للحصول على الشهادة التي تتمكن من خلالها من العثور على فرصة عمل تعيل بها أسرتها، ولأنها لم تستطع الذهاب إلى المدرسة، بدأت بمتابعة الدروس عبر المنصات التعليمية على مواقع التواصل الاجتماعي (منصة تعليم عن بعد ).
وأوضحت الأحمد أن (التعليم عن بعد) أفضل من التخلي عن التعليم بشكل نهائي، خاصة أن الخدمات التي تتلقاها مجانية من دون أي مقابل مادي، وهو مايخفف العبء عليها باعتبارها لاتستطيع أن تدفع مبالغ مالية مقابل حضور الدروس في معاهد أو مدارس خاصة.
وإن كانت عودة أمهات إلى مقاعد الدراسة بعد سنوات طويلة تشكل نقطة استغراب واستهجان لدى البعض فللمرشدة النفسية والاجتماعية باسمة الياسين (40عاماً) رأي آخر توجزه في قولها: ”طموح الإنسان وخاصّة في طلب العلم والمعرفة لايعترف بأرقام عمره، بل يعترف بقوة إرادته، مشكلتنا أننا نضع لكل شيء أجلاً محدوداً يخص مرحلة عمرية دون أخرى، ثم نجعله قانوناً لا يقبل التغيير، فمن حق المرأة التي حرمت من تحقيق حلم إتمام الدراسة لأي ظرف كان، أن تستدرك ذلك في أي سن حتى لو كانت في أرذل العمر، سيساعدها ذلك كثيراً على تعزيز ثقتها بنفسها وملء وقت فراغها فيما يعود بالنفع على نفسيتها وعائلتها ومجتمعها، كما أنها ستكون قدوة لأبنائها، وكل من يعرفها من الجيل الناشىء، ونموذجا يحتذون به في الإرادة والإيمان بالأحلام والطموحات وعدم اليأس من تحقيقها مهما كانت الظروف.
لاتوجد إحصائيات رسمية عن عدد المتزوجات اللواتي عدن إلى مقاعد الدراسة في الشمال السوري، غير أن مصادر تعليمية عدة أكدت زيادة نسبتهن، لا سيما خلال السنوات الأخيرة، في دلالة على إصرار النساء السوريات على خلق النجاح والإبداع والفرص مهما كانت العوائق والظروف.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »