إدلب – حنين الأحمد
لم تستطع الأربعينية فاطمة حاج حميد النوم طوال الليل بعد إصابة ابنها نبيل البالغ من العمر(9 سنوات) بحمى شديدة مصاحبة لأعراض متعددة، أهمها الإسهال الشديد والإقياء، ليتبين لاحقاً إصابته بعدوى الكوليرا التي راحت تنتشر بأوساط النازحين في مخيمات شمال إدلب مؤخراً.
وقالت فاطمة، وهي نازحة من بلدة حاس جنوب إدلب ومقيمة في مخيمات كفرلوسين، أن ماخشيت منه تحقق حين عرفت أنها الكوليرا التي لا يمكن الاستهانة بها، كونها من الأمراض “الفتاكة”، شديدة العدوى والخطورة، وتحتاج للكثير من العناية الطبية والمتابعة العلاجية، في الوقت الذي تخلو فيه مخيماتهم من أي مراكز طبية تخصصية.
اضطرت فاطمة لاصطحاب ابنها في صباح اليوم التالي لمدينة سرمدا البعيدة عن مخيمهم للحصول على العناية الطبية من المشافي الخاصة ذات الأجور المرتفعة والتي سيضطر مرتاديها لدفع كل مابحوزتهم من أموال.
وترجع فاطمة سبب إصابة ابنها بالمرض إلى تدهور الوضع الصحي للمخيمات العشوائية التي تقطنها مع عشرات الآلاف من النازحين وسط النفايات والصرف الصحي المكشوف.
وبعد إصابة مناطق ريف حلب، بدأ تفشي مرض الكوليرا في إدلب ماراح يشكل تهديدًا جديًّا لحياة الناس، خاصة مع تزايد الأعداد الهائلة للسكان في مخيمات النزوح التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
وأعلنت “وزارة الصحة” في حكومة “الإنقاذ” ، في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، عن وفاة ثلاثة أطفال مصابين بمرض الكوليرا في محافظة إدلب، اثنان منهم ضمن مخيمات النازحين، وحذّرت من احتمال ارتفاع الإصابات أكثر في هذه التجمعات، فتصبح مناطق موبوءة بالكوليرا.
وأصيب طفل روان البيور (31 عامًا) البالغ من العمر (4 سنوات) ويدعى ملهم، بحالة خطرة جراء تعرضه للإصابة بالكوليرا وتأخر علاجه بعد عدم السماح له بالدخول إلى المشافي المجانية التي مازالت تتعامل “باستهتار” مع المرض وبحسب “التسلسل الرقمي” لا بحسب الحالة الإسعافية المستعجلة، وفي كثير من الأحيان “لا تستجيب وترفض حجز معاينة المرضى المراجعين” وفق ما قالته روان لشبكة المرأة السورية.
وعن إصابة ابنها ومعاناتها مع طرق علاجه تابعت روان “ذعرت من الحرارة المرتفعة المفاجئة التي أصابت الصغير، ولم أستطع النجاح في تخفيضها رغم كل محاولاتي، وهو مادفعني للتوجه إلى المشفى بأسرع وقت”.
غير أن مالاقته روان من استهتار المشفى المجاني المتواجد في مدينة الدانا شمال إدلب أثار غضبها وخاصة حين منعها الحارس المسؤول من الدخول للمشفى إلا في حال احتجازها لمكان خاص بها قبل مراجعة المشفى بيوم والحجز على الهاتف عبر تطبيق واتس آب حصرًا.
عادت الأم الملهوفة على مايمكن أن يصيب ابنها بسبب تأخير علاجه أدراجها إلى المخيم بعد عجزها عن عرضه على طبيب مختص بسبب عدم توافر المال اللازم لدفعه كأجور لمعاينات الأطباء وثمن للأدوية، بينما لا تملك المرأة النازحة قوت يومها بسبب عجز زوجها عن إيجاد أي فرصة عمل.
وأضافت روان أنها حاولت مراراً الإتصال والحجز على الموبايل دون جدوى من الرد ، وحين عجزت عن الوصول للخدمات الطبية المجانية اصطحبت طفلها الذي ساءت حالته وكاد يفقد حياته للمشافي الخاصة بعد أن باعت كل مابحوزتها من مواد إغاثية وغذائية كانت تدخرها لإطعام أبنائها الثلاثة طيلة الشهر.
“دخل طفلي المشفى بحالة يرثى لها ، وبعد أن وصل به المرض لمستويات مزمنة وخطرة أصيب على إثرها بالجفاف ونقص السوائل التي بدأ الأطباء تعويضها بالسيروم والسيتامول الوريدي”.
وتشكو روان قلة الرعاية الصحية في مخيمهم الواقع شمال بلدة قاح الحدودية والذي يخلو من أي نقاط طبية إسعافية ومجانية، وهو ما يفرض على النازحين البائسين مغبة تحمل الكثير من المشاق والنفقات للوصول إلى الخدمات الصحية.
وتندد بعدم وجود أي تحركات ملموسة وفاعلة حتى الآن، وعدم أخذ الاحترازات الضرورية من أجل مجابهة هذا الوباء الخطير.
وللوقوف على مسببات مرض الكوليرا وأعراضه والوقاية منه، قال دريد الرحمون مسؤول الرعاية الصحية الأولية في مديرية الصحة في إدلب، أن المسبب لمرض الكوليرا هي بكتيريا تتواجد حيث البنى التحتية المعدمة، الصرف الصحي المكشوف، تلوث مياه الشرب بالصرف الصحي، إضافة للفقر والكوارث والنقص المناعي الناتج عن النقص الغذائي للبلدان التي تعاني من نزاعات، والسكن في مناطق مزدحمة وضيقة كالمخيمات.
ويؤكد أن الكوليرا ممكن أن تصيب كافة الفئات العمرية أطفال وبالغين رجالًا ونساء بحسب التعرض للبتكتريا المسببة للمرض، وتبدأ الأعراض بالاسهال الشديد المفاجئ المستمر لعدة أيام، إضافة لأعراض أخرى غثيان، إقياء، ارتفاع بدرجات الحرارة الجسم، ألم بطني شديد، إرهاق، فقدان الشهية وجفاف شديد يمكن أن يؤدي إلى “الوفاة ” في حال تأخر علاجه.
وعن طرق العلاج ينصح الرحمون بعدم استخدام الصادات الحيوية لكونها تؤدي لنقص المناعة الخاصة بمحاربة المكيروبات،وإنما يكون العلاج بتعويض السوائل التي يفقدها الجسم وتحسين الحالة العامة بشكل سريع، ودعا لعدم التهاون بحالات الإسهال وطلب المعالجة والإبلاغ في أقرب مشفى أو مركز صحي.
ولفت الرحمون إلى ضرورة استعمال مياه الشرب النظيفة ذات المصادر الموثوقة وغلي المياه المشتبهة قبل الاستعمال، الاهتمام بالنظافة الشخصية وعلى وجه الخصوص غسل اليدين بعد استخدام التواليت وقبل تحضير وتناول الطعام، تجنب تناول الأطعمة المعرضة لخطر التلوث وغسل الخضار والفواكه بشكل جيد قبل تناولها والطهي الجيد للطعام، قضاء الحاجة في الأماكن المخصصة والانتباه لعدم طرح الفضلات في الأماكن القريبة من السكان.
وشدد على أهمية دور المشاركات المجتمعية بالتوعية ونشر الثقافة المتعلقة بالمرض وكيفية منع العدوى لاسيما في مناطق المخيمات المزدحمة التي تعاني الصرف الصحي المكشوف وتضاءل الخدمات بشكل واضح.
ولمواجهة الوباء أنشئت المنصة المحلية لمكافحة الكوليرا لتوحيد الجهود المبذولة في مواجهة وباء الكوليرا، حيث ضمت جهات حكومية وغير حكومية، بما فيها “مديرية صحة إدلب” و”مديرية صحة حلب” و”مختبر الترصد الوبائي” بالإضافة لمنظمة “أطباء بلا حدود” و”منظمة الدفاع المدني” (الخوذ البيضاء)، و”شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة” (ACU)، في خطوة لاستيعاب الأعداد الكبيرة في حال تفشي الوباء بشكل أكبر.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن انتشار المرض ناتج من تلوّث مياه الشرب بسبب توقف السلطات المحلية عن توزيع مادة الكلور على محطات المياه خلال الأشهر الثلاثة الفائتة.
فيما سجلت “شبكة الإنذار المبكر”، في آخر إحصائياتها، ضمن مناطق سيطرة المعارضة السورية، شمال غربي سورية، 1364 حالة اشتباه بمرض الكوليرا، ومن ضمنها 123 حالة مصابة بالمرض.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”