إدلب -هاديا منصور
على كرسيها المتحركة اعتادت الشابة حلا الأحمد التنقل كل صباح بين زوايا المنزل لتصل إلى الشرفة وتبدأ بالشرود في هذا الكون الواسع وتسأل نفسها إلى متى ستبقى سجينة تلك الجدران الباردة.
تعرضت الشابة الأحمد للإعاقة بعد إصابتها بطلق ناري أثناء مشاجرة نشبت بين أخيها وأحد رجال قريتها استخدموا فيها الأسلحة الفردية لتكون حلا الضحية الوحيدة لهذا الشجار التي ستدفع ثمنه طوال حياتها.
فقد قاست المرأة السورية في الحرب القائمة الكثير من الويلات فقداً وتهجيراً ونزوحاً وفقراً وعنفاً، ولعل أبرزها كان إنتشار السلاح واستخدامه بكل أنواعه وهو ما أثر عليها بشكل مباشر فعرضها للقتل والإعاقة والإجهاض والكثير من الضغوط النفسية.
تتحدث حلا لشبكة المرأة السورية عن تفاصيل الحادثة أنها كانت في حديقة المنزل تعتني بالأزهار وتقلب التربة حين دخل أخوها البيت مسرعاً مشهراً سلاحه ليخرج ويبدأ بإطلاق النار على الطرف الآخر الذي كان مسلحاً أيضاً، فأصيبت بطلقة طائشة من كلا الطرفين، تقول حلا ” لشدة الخوف لم أشعر بداية بالإصابة إلا حين وضعت يدي على ظهري ورأيت الدماء تنهمر بغزارة حينها أدركت أنني مصابة، تم اسعافي للمشفى لأعلم بعد ساعة من دخولي غرفة العمليات من همسات أهلي بقربي أنني أصبت بالشلل جراء تضررٍ في العامود الفقري” وتضيف حلا واصفة شعورها” لقد كانت لحظات عصيبة وأصعب من أن أستوعب أنني لم أعد أستطيع الحركة أو المشي، أقنعت نفسي بأنهم يكذبون علي وأنني سأكون بخير، يستحيل أن أقضي بقية حياتي وأنا بلا حراك، رحت أقاطع نظرات التعاطف من أهلي التي راحوا يرمقوني بها بقولي لهم أنني بخير وهم يكذبون علينا، سأكون بخير فيقطع كلامي بكاء أمي الشديد لأصحو حينها على واقعٍ مرير وأيقن أني بت معاقة”.
كانت حلا تحمل داخلها الكثير من الأحلام والطموحات، هي تريد إكمال دراستها ودخول الجامعة والعمل والزواج بمن تحب، لقد ضاعت أحلامها بطلقة طائشة وفق تعبيرها.
“رغم أن النساء في إدلب لم يشاركن بالأعمال القتالية إلا أنهن يتعرضن لكافة أنواع الإصابات كالجروح والحروق والتشوهات وحتى القتل كما حدث مع الثلاثينية مريم الحلبي حين أمسك أخوها الصغير البارودة من نوع كلاشينكوف وراح يلعب بها بعيداً عن أنظار الجميع لتخرج فجأة طلقة منها وتستقر في قلب مريم التي فقدت حياتها على إثرها.
تقول والدة مريم أن ابنتها مريم متزوجة ولديها ولدين، كانت في زيارة لوالديها حين تعرضت للحادثة، والأم حتى اللحظة لا تستوعب كيف وصل السلاح لابنها الصغير رغم حرصهم على تخبأته، وتضيف أنها غير راضية عن تواجد أي سلاح داخل المنزل غير أن زوجها ووالد مريم كان يقنعها بضرورته للدفاع عن النفس في حالات السرقة والاعتداءات، ولم يكن يدري أن ابنتهما ستكون أولى ضحايا تواجد هذا السلاح الذي وصفته ب ”اللعين”.
كان لانتشار ظاهرة الإتجار بالسلاح في الأسواق وعبر صفحات التواصل الاجتماعي ومجموعات تطبيق الواتس آب أثره بالانتشار الكبير بين المدنيين وزيادة حالات الانفلات الأمني والجرائم المتعددة التي كان من ضحاياها النساء.
فقدت حنان جنينها الذي لطالما انتظرت قدومه بفارغ الصبر بسبب الخوف والانهيار العصبي الذي تعرضت له إثر شجار مسلح نشب أمامها في السوق وأثناء شرائها بعض الملابس وعن الحادثة تقول” تزوجت منذ سبع سنوات ولم أرزق بطفل، وبعد علاج طويل حملت أخيراً، لكن فرحتي بهذا الحمل لم تكتمل لأنني فقدت جنيني أثناء الشهر الخامس من الحمل حين شعرت بألم في بطني ونزفت على إثرها ”
وتؤكد العيسى أن الشجار أسفر عن قتلى وجرحى من المدنيين، محملة الجهات الأمنية المسؤولية عما يحدث كونها لاتبذل أي جهود لضبط الأسلحة المنتشرة بين الناس والحد من الجرائم الناجمة عنها.
لم تقتصر حوادث إنتشار السلاح على الجرائم والحوادث المختلفة بل انعكس أثرها أيضاً على المشكلات النفسية التي راحت تشكو منها معظم النساء.
المرشدة الإجتماعية رؤى المنديل تقول أن المظاهر المسلحة تركت آثارها السلبية المتعددة لدى النساء خلال الحرب، ومن هذه الآثار الاكتئاب والعصبية والانفعال الزائد والواضح في تعامل المرأة مع أبنائها، وشعورهن المستمر بالحزن، إضافة لظهور اضطرابات في وظائف أجهزة الجسم المختلفة كاضطرابات النوم والأكل نتيجة الخوف والقلق والتوتر، وهي بدورها تدعو الجهات المعنية للتخلص من الأسلحة وخاصة في المنازل وبين المدنيين، ووجوب التدخل السريع لسحب الأسلحة المنتشرة بكثافة، كما دعت منظمات المجتمع المدني لحماية النساء وتقديم الدعم النفسي الاجتماعي لهن عبر برامج متعددة تستهدف النساء والأسرة بما يمكن أن يساعد النساء على تجاوز مايمررن به من مظاهر عنيفة ويغير حياتهن نحو الأفضل.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”