إدلب – هاديا منصور
تجلس حنين العمر(40 عاما) لساعات طويلة داخل غرفتها بمفردها، تقضيها بالصلاة والدعاء والإختلاء بنفسها عن الجميع، هي واثقة أن مرضها بسرطان الثدي لا شفاء منه وخاصة أنها إكتشفته بمراحله المتأخرة.
تحتاح حنين لجلسات علاج إشعاعي، تصل تكلفة الجرعة الواحدة إلى 60 دولار أمريكي وهو مايدفعها للإستغناء عنه وتحمل الألم ريثما “الله ياخد أمانته” على حد وصفها.
لم تتمكن العمر النازحة من ريف حماه والمقيمة بريف إدلب الشمالي من الحصول على العلاج المجاني في تركيا، بسبب إغلاق المعابر وصعوبة الإجراءات المتعلقة بالدخول، ورغم محاولتها الدخول مرات عديدة فهي لم تفلح في ذلك، ما دفعها للإستسلام لمرضها وإنتظار مصيرها المحتوم.
حال العمر يشبه حال الكثيرات من مريضات السرطان اللواتي لا يجدن سبيلاً للعلاج بسبب نقص التجهيزات والأخصائيين والأدوية في الشمال المحرر، فيكون عليهن إما التوجه لمناطق سيطرة النظام وتحمل مشقة السفر، وإمكانية المضايقات على الحواجز والإعتقال، أو السفر إلى تركيا حيث الإجراءات المعقدة، وإما الرضوخ والإستسلام لقدرهن.
تروي العمر قصتها مع مرضها لشبكة المرأة السورية قائلة إنها شعرت بكتلة صلبة في ثديها الأيسر قبل 6أشهر من بدأها بالعلاج حين راجعت الطبيبة النسائية والتي نصحتها بزيارة طبيب أخصائي لتحليل الكتلة، وفعلا توجهت العمر للطبيب المختص الذي أكد إصابتها بسرطان الثدي بعد إجراء التحليلات اللازمة، ورغم إجراء العمر لعملية إستئصال الكتلة، نصحها طبيبها بمتابعة العلاج بتلقي جرعات كيميائية “عديمة الجدوى” ونظراً لتطور وضعها الصحي للأسوأ غدت العمر بحاجة لعلاج إشعاعي، فقررت التوقف بعد يأسها الدخول للأراضي التركية.
لا يمكن للعلاج الكيميائي أن يقتل جميع الخلايا السرطانية في الجسم ومن الممكن لأي خلية لم يتم إزالتها مع الورم أن تتكاثر وتنتشر بسرعة في جسم المريضة وهنا تبرز الحاجة للجرعات الإشعاعية وهو ماحدث مع المريضة حنين.
حنين التي تعيش على المسكنات تعاني أوضاعاً مادية صعبة لم يكن بإمكانها متابعة العلاج على نفقتها الخاصة وحين تعلقت بأمل العلاج في المشافي التركية اصطدمت بالطوابير الطويلة وقوائم الانتظار الأطول وبتأحيل المواعيد والتشديد من كلا الطرفين السوري والتركي فيما يتعلق بالاوراق والوثائق المطلوبة ما جعل فرص العلاج في تركيا صعبة ومعقدة .
سهير الموسى الثلاثينية كانت ممن حالفهن الحظ في دخول الأراضي التركية للعلاج والحصول على الجرعات الإشعاعية غير المتوفرة في المناطق المحررة.
لم يسمح لسهير إصطحاب أحد معها عند دخولها الأراضي التركية رغم حاجتها الماسة لمرافق يساعدها في رحلة علاجها بعد تطور مرضها، وهناك تمكنت الموسى من تلقي العلاج اللازم، لتعود إلى سوريا بعد إستقرار حالتها وفق ما أكده الأطباء.
تعي الموسى أن مرضها بسرطان الثدي ليس بالسهل شفائه، لكنها تشعر براحة نفسية بعد حصولها على العلاج، وطمأنها الأطباء باستقرار حالتها محذرين بضرورة المتابعة في العلاج لدى ظهور أي علامات جديدة لإنتشار الورم.
وكانت تركيا أفتتحت مكتباً طبياً في معبر باب الهوى الحدودي مع سوريا سمحت بموجبه للمرضى السوريين بالدخول إلى الأراضي التركية لتلقي العلاج في مشافيها، وأعطت الأولوية في الدخول لمرضى السرطان والقلب والحالات الإسعافية، غير أنها بعد إنتشار كورونا وكوسيلة إحترازية وقائية من كوفيد ١٩عملت لتخفيض عدد الحالات المرضية المستوجبة دخول أراضيها، لتحصرها فقط بخمسة حالات يومياً.
وأظهرت إحصائية لإدارة معبر باب الهوى أن 1889 شخصاً تمكنوا من دخول تركيا عام 2018 لتلقي العلاج 284 منهم نساء مصابات بسرطان الثدي.
ولأول مرة في الشمال السوري تم أفتتاح مركز لمعالجة أورام الثدي والليمفوما في مشفى إدلب المركزي بشكل مجاني من قبل الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز) بالتعاون مع مديرية صحة إدلب.
وعن المركز وعدد الحالات التي يستقبلها شهرياً يتحدث الطبيب ملهم خليل (33عاما)ً أخصائي دم وأورام لشبكة المرأة السورية بأن المركز هو الوحيد المختص بمعالحة السرطان في المنطقة، ويستقبل شهرياً أكثر من 40 مريضة سرطان عشرين بالمئة منهم مريضات سرطان ثدي والبقية تتنوع بين سرطانات الرحم والمبيض والكولون والليمفوما والدم.
وأشار الطبيب الخليل بوجود نسب شفاء تام من مرض سرطان الثدي بعد الإستفادة الكبيرة من الجرعات الكيميائية والعلاج الهرموني والجراحة التي يقدمها المركز لمريضات السرطان. يعتمد هذا الأمر بالدرجة الأولى على طبيعة الكشف المبكر للمرض، إن كان درجة أولى أو ثانية أو ثالثة، كلما كانت مرحلة الكشف عن مرحلة المرض أبكر، كلما كانت الإستفادة أكبر، وفق تعبيره.
ويؤكد الطبيب الخليل أن الدرجة الرابعة من المرض تكون مرحلة خطيرة ولا يتوفر لدى المركز العلاج المناسب لها، ليتم تحويل المريضة إلى تركيا لإستكمال علاجها عبر تقديم العلاج الإشعاعي والمناعي أو العلاح الإشعاعي المناعي وهو علاج “مكلف جدا”.
يرى الطبيب الخليل أنه ليس هناك زيادة في نسبة مرض السرطان وإنما هناك زيادة بنسبة التشخيص لإكتشاف المرض وذلك لسببين غالباً، السبب الأول زيادة الوعي لدى الأهالي نتيجة النشاطات التي تجريها منظمات المجتمع المدني بضرورة الكشف المبكر عن السرطان، والسبب الثاني وجود مركز متخصص ومجاني في إدلب ما دفع المرضى لزيارته والإطمئنان على صحتهم لدى شكهم في وجود أي كتلة أو ورم، إذ لم يعد هناك إهمال لموضوع الكشف المبكر عن المرض لدى معظم الناس.
لم يحالف حنين الحظ بالاستفادة من خدمات مركز معالجة السرطان الذي تم افتتاحه بعد إصابتها بالمرض والعلاج الكيميائي الذي يقدمه لم يعد يجدي بشفاء حالة حنين المستعصية، وبابتسامة يائسة تقول حنين أنها لم تعد خائفة من مرضها الذي انتشر في أنحاء جسدها فهي على يقين أن قدرها هذا سيوصلها لراحة أبدية لطالما تاقت إليها وخاصة بعد ما قاسته من ألم الحرب والنزوح والفقر والفقدان.
اللوحة للفنان “موفق قات”
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”