Search
Close this search box.

تميّز أم تمييز ؟

تميّز أم تمييز ؟

دمشق – سلوى زكزك

يصادف  الخامس والعشرون من شهر تشرين الثاني كل عام، اليوم العالمي المخصص لمناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة، وتوصي  الجمعية العامة للأمم المتحدة  ومنذ  عام 1999  جميع المنظمات الرسمية وغير الحكومية ووسائل الإعلام في العالم بالترويج لثقافة القضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة.

في باص النقل الداخلي الكبير، يبدو المشهد  العام اختزالاً لواقع النساء، سيدات متعبات وعائدات من أعمالهن المرهقة في تنظيف البيوت دونما قانون لحياتهن، يحدد ساعات العمل أو يوصف أمراض المهنة أو يمنحهن يوم عطلة أسبوعية أو تعوضا كافيا أو فرصة للعلاج عند الإصابة.

سيدة شابة تحمل على يدها طفل يبكي ولا يستطيع النوم، ترفض  شغل المقعد الذي دعتها إليه سيدة أكبر منها سناً وقالت للسيدة المانحة: “شكراً لك فأنت بعمر والدتي”، ولكنهما توصلتا لحل وسط بحيث  توسد الطفل حضن السيدة ونام وهنأت أمه بهدوئه وبنومه رغم استمرار وقوفها في وسط الباص المتهالك، والذي سيقضي أكثر من ساعة كاملة لتصل إلى بيتها في إحدى ضواحي دمشق الشعبية.

يقول سامي : “أنا ضد فكرة الأيام الخاصة والمناسبات الدولية، كلنا متعبون ومعنفون والظلم عام ولا يخص جنساً واحداً”. تضيف سلام قائلة: “أنا معاقة وأعاني من شلل الأطفال وقد واجهت العنف والتمييز بسبب إعاقتي الخلقية قبل أن أعي خصوصيتي كإمراة”

إذن السؤال المكرر هو: “لماذا النساء تحديداً؟”.

ويبدو مكرراً أيضاً القول بأن القوانين التمييزية التي تحرم المرأة من ذات الحقوق المتساوية مع الرجل هي أحد الأسباب الداعية للتركيز على يوم خاص ومحدد، والعادات الاجتماعية والأعراف والاستبداد الديني عبر الاستناد إلى التشريع والنصوص الدينية، ومن خلال تشكيل المحاكم المذهبية الخاصة بالطوائف، وإلزام المتخاصمين والمتخاصمات وخاصة في قضايا الأحوال الشخصية من تزويج وتفريق وحضانة ووصاية على الأبناء،هي أيضا كلها أشكال فاقعة للعنف الممارس على المرأة، والذي يأخذ طابعاً عمومياً مفروضاً بقوة الأمر الواقع رغم كل الاعتراضات والنضالات النسوية عبر زمن يطول ولا يتوقف.

تنتظر جمانة قرار المحكمة الخاصة بالطلاق الذي تقدمت بدعوى للفوز به منذ سنين ثلاث، لا تقدم يذكر ولا تعاطف، وتعدٍ واضح من رئيس المحكمة وكاتبه ومجلس المستشارين, تارة يهددونها بعدم قبول الدعوى وتارة يصفونها بالمجنونة وتارة أخرى يقترحون عليها التزام غرفة مستقلة عن غرفة نوم زوجها والتعايش تحت وطأة وصاياهم الجبرية، فقط لأن  الطلاق من الذنوب الكبيرة بحق الكنيسة وبحق من اعتبر الزواج سراً مقدساً.

القدسية رغم جمالها كعبارة فيها من التحبب والورع ما فيها  تتحول إلى سوط لاسع، يزيد الألم ويؤبده في دورة حياة تكرس أبدية التسلط وكأنها خبز يومي ملزم للعبيد وللنساء منهم قبل الرجال.

تعيش عائلة سمر المكونة من عشر أشخاص من عملها بالدعارة، الكل يطلب المزيد، والمزيد في بلد مزقته الحرب وتعمق الفقر في تفاصيله،هو الحد الأدنى من كل شيء، هو آجار البيت الباهظ جداً، عوضاً عن ثلاثة بيوت صارت أرضاً وتهدمت وطوى النسيان ذلك المكان البعيد جدا وغير القابل للعودة أصلاً. المزيد يعني تكاليف المستلزمات المدرسية لأربعة أطفال وثمن الدواء لأم وأب مريضين وعاجزين عن العمل، المزيد يعني تكاليف المحامي لإيجاد  ومتابعة  قضية الأخ المفقود وتثبيت حصة الأم في قطعة أرض لأهلها في قرية بعيدة .

يبدو التركيز على يوم محدد سلوكا  ضروريا ومعتادا للتذكير، قد ترهقه أو تذهب بمضمونه الاحتفالات الخطابية الجوفاء والرنانة، لكنها تلفت النظر على الأقل، تبدلاً في أساليب المطالبة، أو تعلي الصوت حول مسؤولية محددة كان بابها يترك مواربا دوما، تحت نظرية المهادنة أو أن التصعيد يأتي بغير ثماره. لم يعد الصوت الواحد ولا الأفكار كافية لرصد أي تغير أو المباشرة بأي تغيير، بل بات التشارك والتضامن وتفعيل مشاركة الرجال والشباب والفئات الأخرى المعنفة من المجتمع هي ضرورة ماسة للعبور.

في الحرب اللجوء عنف لا يضاهيه عنف، وكأن الإنسان يتحول لمجرد ذرة غبار تطير في الفراغ دونما كينونة أو أمل أو جدوى، فكيف بالمرأة الوحيدة أو المحرومة من كل  الإمكانات للحصول على وسائل الحياة الأساسية، وجسدها  يتحول لمجرد سلعة للحصول على صندوق الإعانة الذي تتضاءل محتوياته يوما فيوم؟ كيف للنازحات الغريبات والمهجورات والموصومات بتهم لا علاقة لهن بها فقط لأنهن زوجة فلان أو ابنة  فلان أو لمجرد رقم واسم خانتها في بطاقة الهوية، كيف لهن بأن يعلين أصواتهن من أجل الكرامة والحق في الحياة وهن خارج التصنيف  كمواطنات؟

الخامس والعشرين من تشرين الثاني تم تحديده لإعلاء الصوت من أجل إيقاف كافة أشكال العنف ضد النساء، لا الوقت  كفيل باستمرار المطالبة ولا أعداد النساء المطالبات ولا المقالات أو الدراسات، هي دعوة للاستمرار، والعنف يدور ويتلون ويتكثف، والمعتدي طليق، وأدوات العنف تتطور وتواكب العصر، جرائم الكترونية  من تحرش واتجار بالبشر، ذم وقدح وتهديد بنشر المراسلات أو الصور وتعد مباشر ومعلن على الخصوصية وتقليص للحقوق تحت ألف شعار، وإفقار ممنهج  لتنمو شركات الاحتكار وليتركز المال ومصادر الثروة بأيدي الرجال والجشعين منهم تحديداً، حروب تدور على أجساد النساء وعلى بلادهن وفيها وهنّ من يسددن الأثمان  بدءاً من الحرمان وحتى الموت.

لا للعنف ضد النساء، لا لأي شكل عنفي بدءاً من الكلمة وحتى قرار الحرب ضد أي إنسان، كل إنسان.

اللوحة للفنان “سلام أحمد”

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »