سلوى زكزك
يقترب شهر مضان شهر الصوم بخطوات متسارعة والصائمون يتوقعون شهراً جافاً ومطعماً بالنقص في كل شيء وصولاً إلى الحرمان من أبسط التفاصيل التي يتناولها السوريون وخاصة البطاطا والخضار واللحوم والألبان في ظل موجة غلاء غير مسبوقة.
تعمل أم طارق في البيوت، عادت باكية يوم أمس صاحبة البيت الذي تعمل فيه من سنين عشر تطالبها بصنع الكبب إضافة إلى أعمال التنظيف، تقول أم طارق لها: “خليني خلص تنظيف وبعدين”، تعترض السيدة طالبة منها تحضير العجينة المكونة من البرغل واللحم أولاً، تمتثل أم طارق لكنها تبكي بحرقة، تحاول الالتفاف على قهرها وتقول لصاحبة البيت سآخذ العجينة معي إلى البيت وأحضّرها كاملة، لكن لهذا العمل أجر مستقل، تنفلت المرأة صارخة مستنفرة شاتمة لأم طارق ولكسلها وتقول لها خلصي شغلك وما عاد الك محل عندي!
تنهمك سيدات البيوت في إعداد الطعام والوجبات تحضيراً لقدوم شهر رمضان وبعد أن باتت دعوات المطاعم باهظة التكلفة وكذلك الوجبات الجاهزة باتت السيدات الموسرات تعتمدن بشكل أساسي على العاملات المنزليات اللواتي لا يدخل إعداد الطعام في صلب عملهن أصلاً.
أم نادر عاملة منزلية تسكن في صحنايا، تهدر ثلاث ساعات كاملة من الوقت في رحلتي الوصول والعودة إلى ومن مشروع دمر حيث تعمل عند شابة لم تبلغ الثلاثين من عمرها، تقول لي: “غالباً يتوقف عملي في شهر رمضان! ليس رفضا مني أو بسبب صومي وطلب جسدي للراحة، بل لأن صاحبات البيوت لايستفقن قبل الحادية عشرة ظهرا وهذا يرتب علي البقاء حتى السادسة في بيوتهن ومن المعلوم أن السير وإن لم يتوقف في السادسة لكن استعمال وسائل النقل العامة تصبح شبه مستحيلة، لذلك أضاعف من عملي قبل رمضان وأحياناً أجبر ابنتي عن الغياب عن المدرسة لتساعدني عندما يكون لدي عمل في منزلين في يوم واحد ونعمل يوم الجمعة أيضاً”.
في السر وفي العلن يتبادل السوريون والسوريات أخبار الحصار الاقتصادي القادم كالسيل الهادر، شد الأحزمة مطلوب وأساسي، وهل تبقت أحزمة أصلاً؟ كل شيء بارتفاع، الخضار والأعشاب في سنة غرقت المدن والقرى بمياه الأمطار، اللحوم خارج القائمة وكذلك الأجبان والحلويات … إلخ. إذن سيتعرض السوريون لنكسات صحية أيضاً، سيشربون العصائر بالصبغات الملونة السامة، وسيستعملون السمنة والزيت الفرط المعد في أكياس من النايلون المعروضة في عين الشمس والغبار وتحت ظل غياب أي وسيلة من وسائل المراقبة وانعدام شبه تام للشروط الصحية.
تضع سميرة عصير الليمون والبرتقال في أكياس بلاستيكية مصممة لصنع الثلج، تقول لي بأن الليمون والبرتقال حافظاً على سعر معقول هذا العام على الرغم من الخسائر المرعبة التي تعرض لها مزارعوه، وتردف تخيلي يرتفع سعر الليمون والبرتقال قبل شهر كامل من موعد قدوم شهر رمضان؟ كل شيء يحتاج تدبيراً استباقياً، حتى الخبز وهو رديء الصنع وغير قابل للحفظ أصلاً لأنه سيتحول إلى عجين عند تسخينه، لكن الازدحام على الأفران وتوقف وسائل النقل قبل ساعتين من موعد الإفطار يدفع الجميع لتخزين الخبز، ولابد هنا من التذكير بأن أغلب الثلاجات تقتصر على حفظ ربطات الخبز فقط.
وفي ظل فوضى انقطاع الكهرباء وموجات الغلاء المتتالية اضطر السوريون لاستعمال كامل مخزونهم التمويني من البازلاء والفول وورق العنب في محاولة لعدم رميه بالقمامة بعد أن عجزت البرادات عن حفظ محتوياتها.
يعمل أبو رشاد في بيع الشاي والقهوة على دراجته الهوائية، عمل شاق ومضن، لكنه يحتفظ بمظاريف الشاي والزهورات في محاولة بائسة لإعادة تدويرها واستخدامها ، يضحك قائلا : أضع في الإبريق عشرة مظاريف ولا تحل، بمعنى أن لونها يبقى باهتاً وطعمها بلا هوية أو مذاق قد يشبه مذاق الشاي، ويعلن لي في رمضان يتوقف عملي تماماً لأنني لا أتمكن من البيع في وضح النهار وفي الليل وبعد الإفطار يتوقف الطلب على منتجاتي المتواضعة، ويعلن أنه يستبق قدوم رمضان بخطة احترازية للحفاظ على كل المظاريف وللعمل ساعات إضافية لتأمين وجبر ما سيكسره توقفه عن العمل.
يحضر السوريون والسوريات أنفسهم لغياب كل شيء من حبة الدواء وحتى الزيت النباتي والذي طغى استعماله على كل شيء، في ظل ارتفاع مجنون لأسعار زيت الزيتون وفي ظل انضواء غالبية السوريين تحت خط الفقر، تقول دلال: “متى كنا نأكل اللبنة مع زيت الأونا أي النباتي؟ حتى المسبحة والمجدرة والبرغل ببندورة كلها تقلى بالزيت النباتي ، تضحك دلال قائلة: “دخيلك كل حياتنا مالها طعمة وقفت عزيت الزيتون؟).
تتشابك أخبار الحصار الاقتصادي المعلن والمترقب استفحاله مع واقع خدماتي بالغ السوء ودخول لا تتناسب مع حاجات الاستهلاك اليومية والأساسية وخاصة للأسر التي فقدت معيلها أو كبيرة العدد، ليصبح الحصار مضاعفاً، يضاف فوق كل المضاعفات الخطيرة للكساد الثابت والمتصاعد ولضيق ذات اليد، ضيق لا يتوازن مع المظاهر الفاقعة في الإنفاق لتجار الحرب واللقمة.
كل ما يتقنه السوريون والسوريات هو ترقب الأسوأ والأشد قهراً وألماً، والتقبل مجرد استهزاء بما لا يمكن رده أو النجاة منه أو التحايل عليه.
خاص “شبكة المرأة السورية”