Search
Close this search box.

الحرب يوقدها الرجال و تتحمل أوزارها النساء

الحرب يوقدها الرجال و تتحمل أوزارها النساء

بيان ريحان

حملت المرأة السورية العبء الأكبر من الحرب التي شنها النظام السوري على المناطق التي خرجت عن سيطرته وكان لأمراء الحرب الدور الأكبر في ابعاد النساء عن التدخل في أي حل من شأنه إيقاف الحرب الدائرة. وهنا سأتحدث عن تجربتي أثناء شن النظام السوري حملته الأخيرة على الغوطة الشرقية والتي انتهت بتهجير أهالي الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري واستشهاد الآلاف من أبناء الغوطة.

قام نظام الأسد برفع تصعيد الحملة العسكرية على الغوطة الشرقية في بداية عام 2018م وفي تاريخ 18/2/2018 أصبح القصف جنونياً، ولم يتوان النظام عن استخدام كافة أنواع الأسلحة من البراميل المتفجرة للصواريخ الفراغية والراجمات والنابالم والفوسفور الحارق وغاز الكلور. أعداد الشهداء بازدياد والناس نزلت إلى أقبية غير مجهزة والحصار على أشده والوضع الإنساني سيء للغاية.

بدأت روسيا تفاوض الفصائل العسكرية للخروج نحو الشمال ورفضت الفصائل ذلك متعنتة بالقرار لوحدها دون استشارة الوجهاء والناشطين والأهالي. وهكذا ازداد سعير الحملة وازدادت أعداد الموتى وبدأت مدن الغوطة بالسقوط بقبضة النظام الواحدة تلو الأخرى، وسقطت مدينة حمورية لتقسم الغوطة الشرقية لثلاث أقسام مدينة دوما وما حولها ويسيطر عليها جيش الإسلام، القطاع الأوسط ويشمل سقبا كفربطنا حزة وعين ترما وجوبر تحت سيطرة فيلق الرحمن والقسم الثالث وهو مدينة حرستا تحت سيطرة أحرار الشام وبدأ كل فصيل على حدا بمفاوضة الروس.

هنا نشطت النساء في الغوطة الشرقية في إيصال صوت المعاناة من رحم الأقبية والأنفاق وبرزت العديد من الناشطات اللواتي نقلن حقيقة ما يحدث فأصبحت صفحاتهن الفيسبوكية مزاراً  لكل من يريد أن يعرف حقيقة ما يحدث حول العالم.

وحاول نشطاء الغوطة أن يشدوا الطرف قليلاً باتجاههم في عملية المفاوضات والابتعاد عن قرار الفصائل العسكرية وأن يكون لأهالي الغوطة صوتاً واحداً عكس ما فعله قائدو الفصائل. فكانت الأخبار تنتقل بين قسمي الغوطة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وانعقدت عدة جلسات لمجلس الأمن بخصوص التطورات الراهنة.

كل الطرق مسدودة، لا شيء يحدث والأيام تمر وفاتورة الدم ترتفع، حالة ضياع ورعب تسود أهالي الغوطة. في كل قبو وفي كل نفق ظهرت سيدة تشد من عزيمة من حولها وتخفف عن الأطفال وتهدئ من روعهم. وعلى الرغم من الوضع الجنوني إلا أنه ظهرت حالات إبداعية كثيرة تجلت في حلقات الدعم النفسي والتدريس وضبط المكان قامت بها النساء الغوطانيات.

أذكر تجربتي مع زميلاتي في إقامة نشاطات دعم نفسي للأطفال حيث كنت أقوم مع صديقين لي بتوفير المواد الأولية التي تحتاجها المعلمات وفي رحلة مليئة بالموت نجول على الأقبية لنوزع لكل قبو حصته. بالإضافة لمشروع التعلم المجتمعي ضمن الأقبية، ففي كل قبو توجد معلمة أو معلمتان حيث قام المجلس المحلي لمدينة دوما بتوزيع ألواح خشبية والقليل من القرطاسية على الأهالي في الأقبية في المدينة  وتولت المعلمات المهمة.

أما على صعيد المفاوضات فقد رفض قادة الفصائل تواجد أي امرأة بوفود التفاوض وتفردوا بالقرار لوحدهم، فظهرت إلى النور تجربة التكتل المدني والتي تعتبر فريدة من نوعها والأنجح في مثل الظروف التي مررنا بها، حيث بدأت الفكرة من ناشطتين سوريتين في تركيا اقترحتا تشكيل تكتل يجمع الناشطين في الغوطة الشرقية يوصل صوت المدنيين ويكون لهم دور في التفاوض، وقاموا بطرح الفكرة على نائب رئيس الحكومة المؤقتة أكرم طعمة، المتواجد في مدينة دوما ومعه مجموعة من الناشطين وبدأوا فوراً العمل عليه.

أذكر أنه كنا في اجتماع في البيت الذي يسكنه الأستاذ أكرم، والذي أصبح مقراً للفعاليات المدنية في مدينة دوما. طرحت الفكرة وبدأنا بكتابة بيان التشكيل، الأصوات تتعالى اختلاف بالآراء، التواصل مع الناشطين في المناطق الأخرى من الغوطة، استشارة الجميع، لكن فجأة اقتحم صاروخ راجمة مكان اجتماعنا واقتصرت الأضرار على الماديات فقط لنتابع عملنا ونعلن عن تشكيل التكتل المدني والذي التفت الناس حوله بسرعة وبدأ صوته يدخل عملية التفاوض، الأمر الذي أقلق الفصائل العسكرية فقام جيش الإسلام باعتقال اثنين من التكتل المدني مهدداً إياهما بإيقاف العمل، ثم أطلق سراحهما بعد عدة ساعات ومن ثم وافقت روسيا على التهجير للشمال السوري بعدما كانت تريد الاستيلاء على المنطقة بشكل كامل بالحرب.

وبدأنا التنسيق لخروج أول قافلة من مدينة دوما بعدما خرجت قوافل حرستا والقطاع الأوسط. قد يقول قائل وهل التهجير كان هو الحل الأمثل لأهالي الغوطة؟ روسيا والنظام السوري كانا يريدان قتل أكبر عدد ممكن من أهالي الغوطة ومن ثم اجتياح المنطقة بالكامل، لم نستطع أن نمنع الحرب لأنها بقرار دولي ولكننا استطعنا التخفيف من أثرها وحفظ أرواح المدنيين الذين لم يكونوا في حسبان أحد.

في الحملة الأعنف التي شهدتها الغوطة الشرقية طوال السنوات الماضية من الثورة السورية برزت المرأة الغوطانية الصامدة الصابرة التي قدمت كل ما لديها لتسعف الجرحى وتوزع الإغاثة وتزين الأقبية وتحمي الأطفال، كما برز دورها في الاعلام وفي السياسة، وقدمت نموذجاً يحتذى به للنساء في مناطق الحرب حيث لم تكتف بتلقي القرارات الصادرة عن العسكريين بل اقتحمت عليهم تعنتهم وانغلاقهم على أنفسهم ليكون لها رأيها وتشارك في صنع القرار.

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »