ترجمة وإعداد: سارة كريم
غالباً ما تم التعتيم عبر التاريخ على أدوار المرأة كمخططة استراتيجية ومنظمة للحركات اللاعنفية من أجل التغيير. ففي عام 2004، عندما حاول الزعماء السياسيون والدينيون العراقيون استبعاد قانون طويل الأمد يؤكد الحقوق العريضة للنساء، تحركت آلاف النساء العراقيات للدفاع عنه وتكريس حقوقهن في الدستور، حيث قمن بمسيرة وكتبن رسائل احتجاج وضغطن على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وحكام البلاد. واقترحت كارلا كوبيل، من معهد الأمن الشامل، على المحللين السياسيين تقييم عمليات التمرد في العراق التي نشرتها حملة النساء على أنها نوع من النشاط ينبغي أن تدعمه السياسة الأمريكية. لكن المحللين استبعدوا الأمر، كما أشارت كوبيل في مناقشة جرت مؤخراً في معهد الولايات المتحدة للسلام. تقول كوبيل: “لقد قالوا: أوه، إنهن مجرد نساء لم يحملن السلاح بعد، لكنهم لم يدركوا أهمية الأمر، لأن النساء يشكلن الأغلبية في البلاد”.
ويعكس رفض المحللين لحملة النساء (التي حالت دون إلغاء قانون حقوق المرأة في نهاية المطاف) فشلاً متكرراً، حسبما قال أخصائيون في مناقشة المعهد، فالحكومات والمؤسسات ووسائل الإعلام وغيرها غالباً ما يقللون من أهمية قوة الحركات اللاعنفية في إحداث تغيير اجتماعي وسياسي والدور الذي تلعبه المرأة.
“هناك تاريخ عالمي طويل لقيادة المرأة للعمل اللاعنفي”، قالت كوبيل، وهي الآن خبيرة في برنامج الولايات المتحدة الأمريكية بشأن حل النزاعات بالطرق السلمية. تقول: “النساء أكثر استعداداً لعبور خطوط النزاع، لديهن إرادة أكبر في عدم الانتقال إلى العنف. تجد المرأة مساحة أقل في المؤسسات الرسمية، وفي العديد من الثقافات، فإن الأساس الذي يتعين على النساء البناء عليه هو صناعة السلام، الأمر الذي سيؤهلها لمناصب قيادية”.
مشاركة جماهيرية
تحقق الحركات اللاعنفية أهدافها بنسبة 54 في المائة، مقابل نسبة نجاح تبلغ 25 في المائة بالنسبة لأولئك الذين يستخدمون أساليب العنف – وهم يستفيدون من مشاركة المواطنين التي تفوق 11 مرة، ويجذبون مهارات وشبكات متنوعة إلى حملات للتغيير الاجتماعي أو السياسي.
إن زيادة مشاركة المواطنين في الحركات اللاعنفية يحسن ضمنياً إشراك النساء وإيصالهن إلى مناصب قيادية، حيث يشكلن نصف عدد السكان. وقالت ماريا ستيفان إنها وزميلتها إريكا تشينيويث من جامعة دنفر، تبحثان الآن في 400 حركة جماهيرية من عام 1900 إلى عام 2014، لمعرفة ما إذا كانت تحقق نتائج أكثر سلماً أو نجاحاً عندما تكون المرأة في أدوار قيادية.
ومع ذلك، ليس هناك من شك في أن النساء يلعبن أدواراً حاسمة ومتميزة في تنظيم التكتيكات اللاعنفية التي تشمل الإضرابات والمقاطعات والوقفات الاحتجاجية والمسيرات والاعتصامات. وقد روت إريكا أمثلة تاريخية، تم جمعها في بحثها، توضح كيف أدت القيادة النسائية إلى تغيير غير عنيف في العقود الأخيرة:
قد تخشى الأنظمة الرفض الشعبي إذا استخدمت بشكل واضح القوة ضد بعض النساء، وهي ميزة في الأرجنتين بالنسبة لحركة “أمهات ساحة مايو”، وهن نساء في منتصف العمر بدأن بمعارضة الحكم العسكري في السبعينيات. مسيرات الأمهات الأسبوعية للاحتجاج على “الاختفاء” القسري لأطفالهن في “الحرب القذرة” في المجلس العسكري، قادت المقاومة الشعبية التي ساعدت في إسقاط النظام.
الأدوار النمطية
ويمكن للمرأة أن تلعب على أدوار الجنسين النمطية لتحفيز الرجال على العمل، فقد قدمت الناشطة المصرية أسماء محفوظ فيديو في عام 2011 ساعد في إشعال الثورة التي أسقطت دكتاتورية الرئيس حسني مبارك. جاء في الفيديو “لو كنت تعتقد نفسك رجلاً، فتعال معي يوم 25 يناير”، وذلك لحماية الفتيات المحتجات على حكم مبارك، حسب الفيديو.
غالباً ما يتم تجاهل النساء كقادة من قبل القوى القمعية، فبعد أن أوقفت الحكومة الشيوعية في بولندا معظم قادة حركة سوليدرتي (تقريباً كل الذكور) في عام 1981، قامت سبع نساء بإخفاء من لم يتم القبض عليهم، في الشبكات التي أقيمت تحت الأرض، ونشرن الصحيفة السرية الرئيسية للمنظمة وحافظن على زخم الحركة.
وقبل ثلاثة أعوام من مقاطعة حافلات مونتغومري في عام 1955، في ولاية ألاباما، بسبب رفض روزا باركس التخلي عن مقعدها لرجل أبيض، كان التجمع السياسي للمرأة السوداء في ولاية ألاباما يمهد الطريق. لكن السجلات التاريخية تقلل من هذه الحقيقة إلى حد كبير، مع التركيز على المقاطعة اللاحقة للقس الدكتور مارتن لوثر كينغ.
وقالت المخرجة البرازيلية جوليا باشا إن النساء الفلسطينيات كان لهن دور فعال في التخطيط والتنظيم الذي أدى إلى الانتفاضة الأولى، وذلك من خلال حركة المقاومة اللاعنفية ضد الحكم الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.
وقالت باشا إن دور النساء الفلسطينيات ليس صدفة، ففي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، أنشأت أربعة أحزاب يسارية داخل منظمة التحرير الفلسطينية هيئات نسائية بالكامل ذهبت إلى المناطق الريفية ومخيمات اللاجئين حيث سألت النساء ما هي احتياجاتهن. هذا الجهد، الذي بدأ مع 25 امرأة، خلق شبكة وصلت إلى (3000) في غضون عام و (10000) بحلول بداية الانتفاضة. يمكن للمرأة أن تلعب على القوالب النمطية الجنسانية من أجل التخفي، على سبيل المثال تجنب التدقيق الشديد في نقاط التفتيش، ويمكن أن تقوم بأعمال المقاومة مثل توزيع منشورات جنباً إلى جنب مع إمدادات الخبز للعائلات.
وقالت باشا إن النساء فقدن قوتهن السياسية عندما عاد زعماء منظمة التحرير الفلسطينية من المنفى في تونس. “أعتقد أننا نرى العواقب المؤسفة لذلك اليوم”، قالت.
المدينة الآمنة
كان السؤال الذي سيبحثه الفريق هو كيف أن النساء من خلفيات متنوعة تبنّين العمل اللاعنفي من أجل إحداث التغيير و”جعل غير المرئي مرئياً”، على حد قول كاثلين كوهناست، كبيرة مستشاري الجندر في معهد السلام الأميركي.
هذا هو الهدف المرتكز على التكنولوجيا لمشروع مقره الهند يسمى “المدينة الآمنة”. وهو يجمع بيانات من مصادر جماعية للحد من المضايقات الجنسية والعنف من قبل الرجال في الأماكن العامة في المدن بما في ذلك مومباي ودلهي، حسبما قالت المديرة الإدارية للمجموعة، اليسا ماري دي سيلفا، ويتم جمع تقارير عن المضايقات والعدوان – لا سيما من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية والمسوحات – لإنشاء خرائط “النقاط الساخنة” حيث تواجه النساء أخطر المشاكل. وقالت دي سيلفا إن المعلومات لها الأثر المعزز المتمثل في إشراك النساء في القصص التي كانت مخبأة في السابق والتي بدورها تنتج المزيد من المعلومات.
ومن المرجح أن تنتشر مثل الحركات الاجتماعية التي أبرزها تقرير معهد السلام الأميركي في جميع أنحاء العالم وسط خيبة أمل متزايدة من الأشكال التقليدية للمشاركة السياسية، حسب قول ساندرا بيبارا، مديرة المعهد الديمقراطي الوطني لشؤون الجنسين والمرأة والديمقراطية، حيث قالت إن عدد هذه الحملات في تزايد، والنتائج خارج التوقعات.
تقول بيبارا: “من الواضح أنه هناك عمل يجب القيام به حول كيفية تأثير الحركات الاجتماعية اللاعنفية على سياساتنا، هناك صراع من أجل النفوذ السياسي للنشاط الديمقراطي. إذا لم نبدأ التفكير في كيفية تفاعل هذه الحركات مع شكل من أشكال المفاوضات السياسية والتنظيمية والتوافقية، فمن المحتمل أن ينتهي بنا المطاف إلى وضع لا يعترف بالقوانين، وتسوده سياسة (سلاحي أكبر من سلاحك)”.
خاص “شبكة المرأة السورية”
https://www.usip.org/publications/2016/10/how-women-drive-nonviolent-movements-change