هبة العلي
تزوجت انتصار، المرأة الخمسينية، في مرحلة متأخرة من حياتها، لذا كان لزاماً عليها القبول برجل في الثمانين من عمره، حيث كان يكبرها بثلاثين عاماً، وسارعت بإنجاب طفلين ليكونا لها ذخراً في أيامها القادمة.
تخبر انتصار قصتها لموقع “شبكة المرأة السورية” بقولها: “يملك زوجي أرضاً زراعية وجراراً زراعياً، ولكن بحكم سنّه لا يستطيع الاعتناء بتلك الأرض كما يجب، لذلك وجب عليّ الاعتناء بها بنفسي، حيث أقوم بزراعتها وقص الأشجار المثمرة وتقليمها ورشها بالمبيدات الحشرية اللازمة, وخلال ذلك تعلمت قيادة الجرار الزراعي فأصبحت قادرة على حراثة الأرض كما يجب لأقوم بحراثتها عدة مرات في السنة. كما أقوم بسقاية الأشجار والأرض بواسطة شبكة مياه زراعية قمت بتمديدها في الحقل”.
تتابع انتصار: “أحياناً القدر يرغمنا على أعمال تفوق طاقاتنا، ولكن بحكم حاجتنا نقوم بها بتنظيم وإتقان, فعملي بالأرض هو لحماية نفسي وأولادي ولضمان مستقبل لهم بعيداً عن الحاجة. خاصة وأن زوجي لا يستطيع القيام بذلك كما ليس بمقدوره دفع أجور أو رواتب لعدد من العمال ليعتنوا بالأرض نيابة عني. فأنا بهذا العمل لم أخسر شيئاً, بل على العكس تماما فقد اكتسبت مهارات في هذا المجال ووفرت أجوراً ورواتب أنا وأطفالي أحق بها”.
تضيف انتصار: “بدون شك هكذا عمل قد يثير الجدل تجاهي من قبل الآخرين أو ربما يسبب انتقادات البعض، ولكن في النهاية هي أرضي وملكي وأنا أعمل بها. هذا هو الرد الذي أحاجج به كل من يحاول توجيه أي ملاحظة بخصوص عملي, وبالنهاية المجتمع فرض عليّ هذا الخيار الذي طالما اعتقدت أنه خارج طاقتي وقدراتي”.
يستطيع الفرد من خلال نشأته الاجتماعية أن يحدد دوره الأساسي في المجتمع وفي حياته الاجتماعية وقد يحدد مجموعة القيم أو العادات أو السلوك التي يتوافق فيها مع مجتمعه، وتؤثر فيها عدة عوامل قد تكون داخلية مثل الأسرة وما تقوم به من التنميط الجندري لأفرادها من الذكور والإناث, أو الدين أو مستوى التعليم، فضلاً عن المستوى الاقتصادي ودخل الفرد في المجتمع. وقد تتأثر بعوامل خارجية مثل الوضع السياسي أو الاقتصادي، كما تؤثر ثقافة المجتمع السائدة أو المؤسسات التعليمية كافة.
لم يعد أحمد الرجل الخمسيني بقادر على إكمال حياته على النحو الذي اعتاده، أو ربما كما يقول هو، على النحو الذي اختاره الإله أو القدر له, يلقب أحمد بأبو وحيد وهو الذي تبقى من أبنائه بعد استشهاد اثنين من أخوته ويعيش وحيد مع أبيه وأمه المقعدة منذ أكثر من سبع سنوات.
يقول أبو وحيد: “أعيش مع زوجتي المقعدة منذ أكثر من سبع سنوات وابني الوحيد, وأقوم بنفسي على خدمتها بعد القيام بأعمال المنزل كافة وذلك بعد تقسيمها إلى مرحلتين، مرحلة صباحية ومرحلة مسائية تبدأ مع حلول الظلام, وما بين هاتين المرحلتين أذهب إلى عملي الذي أعتاش منه”.
ويكمل أبو وحيد: “بدون شك هو عمل صعب فأعمال البناء معروفة للجميع بأنها شاقة ولكن تعتبر بالنسبة لي العمل الوحيد الذي أتقنه وأستطيع القيام به مع ابني وحيد البالغ من العمر 17 عاماً، لأستطيع تأمين قوت يومي. أقوم عند الصباح بتحضير الفطور لي ولزوجتي وابني, كما أقوم بأعمال التنظيف في البيت قبل أن أغادره إلى عملي لأن المرحلة الثانية هي أصعب بالنسبة لي بعد تعب عدة ساعات في هذا العمل الشاق. ولكن في المرحلة الثانية أقوم بتحضير العشاء لعائلتي وأكمل عملية التنظيف ليكون الأمر أكثر سهولة بالنسبة لي صباحاً. هذه الأعمال قد تكون سهلة مقارنة بغيرها كالغسيل أو الاعتناء بنظافة زوجتي ونظافة ثيابها وجسدها، فهذا النوع من النظافة قد تجيده النساء أكثر، ولكن أجد نفسي مضطراً للقيام به”
ويتابع أبو وحيد: “كثير من الأصدقاء والأقارب اقترحوا علي الزواج بأخرى لتعتني بعائلتي وخاصة بزوجتي, ولكن لا أستطيع اتخاذ هكذا قرار لأن الظروف الاقتصادية ودخلي المادي لا يسمح لي بالزواج مرة ثانية. كما أنني لا أريد أن أسبب أي ضغوط نفسية لزوجتي بعد استشهاد اثنين من ابنائها, ولا سيما أن وحيد ابني أصبح شاباً وهو الآن أحق بالزواج مني. ربما زوجته مستقبلاً تستطيع الاعتناء بعائلتي. من خلال مواصلة عملي على هذا النحو بإمكاني اختصار مشاكل قد تبدو صغيرة ولكنها كبيرة بالنسبة لي”.
في هذه الحالة تساهم عدة عوامل اجتماعية في ترسيخ هذا الدور كالعامل الاقتصادي وتدني دخل الأسرة، فضلاً عن تدني المستوى التعليمي لها، بالإضافة إلى مجموعة من العادات والمعايير الاجتماعية التي فرضها أبو وحيد على نفسه لنجده يقوم بهذا الدور.
فمن أهم الأسباب والعوامل التي أثرت وساهمت في تبادل هذين الدورين المختلفين هي بدون شك أسباب اقتصادية بالدرجة الأولى وتدني مستوى الدخل والمستوى التعليمي والثقافي والاجتماعي بالدرجة الثانية.
خاص “شبكة المرأة السورية”