بيان ريحان – الغوطة الشرقية
“لا ما بحبو لبشار الأسد، قتل بابا وأخي ما بحبو”
هكذا تحدثت روان ابنة الثمان سنوات لمعلمتها القادمة من دمشق، والتي دخلت إلى مدينة حمورية في الغوطة الشرقية بعد اتفاق التسوية الأخير الذي بموجبه تم تهجير المعارضين لنظام الأسد للشمال السوري بينما بقي من أراد في الغوطة بعد أن عمل تسوية في أفرع المخابرات التي دخلت الغوطة الشرقية بمرافقة القوات الروسية.
النظام التعليمي الذي كان قائماً في الغوطة في ظل الحصار كان الأكثر تضرراً من التسوية التي حصلت
حيث لم يعترف النظام بشهادات الطلاب في المرحلة الثانوية والمرحلة الإعدادية واضطر الطلاب الى إعادة تقديم امتحانات الشهادتين، وبعض الطلاب الجامعين تم رفضهم من قبل إدارة جامعة دمشق.
نور كانت طالبة في السنة الثانية بكلية الطب البشري في جامعة حلب التابعة للحكومة المؤقتة وحاصلة على شهادة التعليم الأساسي والثانوي من وزارة التربية التابعة أيضاً للحكومة المؤقتة عندما دخل نظام الأسد للغوطة الشرقية وجدت نفسها طالبة في الصف التاسع فدخلت بحالة اكتئاب نفسي حاد ورفضت التقدم للامتحان.
النظام التعليمي القائم حالياً في الغوطة الشرقية أعاد تكريس كل أوثان التعليم المزروعة في المدارس قبل الثورة والمرتبطة بآل الأسد في العملية التعليمية من جديد. فمن هتافات الطلائع للقسم للقائد الخالد حافظ الأٍسد لاتحاد شبيبة الثورة والنشاطات الحزبية وما إلى هنالك.
تذكر والدة إحدى الطلاب في الغوطة معاناتها مع ابنها في المرحلة الابتدائية وعدم تقبله للذهاب للمدرسة بسبب المعلمة التي تقوم بتعنيفه لأنه لا يردد الشعارات الصباحية والتي تحمل ألفاظ الطاعة لقائد الوطن بشار الأسد، الذي كان قبل أشهر قليلة يشتمه وينادي بإسقاطه في المظاهرات التي شهدتها الغوطة عندما كانت خالية من نظام الأسد.
وفي سياق آخر تحدثت إحدى المعلمات اللواتي كن يدرسن في مدارس الغوطة أثناء الحصار وبقيت تدرس في نفس المدرسة بعد سيطرة قوات الأسد على الغوطة أنها في إحدى حصص الرسم طلبت من الطلاب رسم علم سوريا فجاءتها أغلب الأوراق تحمل صورة علم الثورة الذي اعتاد الطلاب على رؤيته في مظاهرات وتشييع شهداء الغوطة فقامت بتمزيق هذه الأوراق وحرقها خوفا من عناصر الأمن المنتشرين.
في الحصص الدراسية أيضا تبرز حالة الانفصام التي يعاني منها الطلاب حيث تتصدر العناوين التي تتحدث عن انتصارات الجيش العربي السوري ومحاربة الأسد للإرهاب في بعض الكتب الأمر الذي يعرف أهل الغوطة حق المعرفة أنه كاذب جملة وتفصيلاً، وهم الذين عانوا من كافة أنواع العنف التي استخدمها النظام ضدهم وقتل وشرد أهلهم وحاصرهم ست سنوات، فلا تتم العملية التعليمية بل على العكس تظهر علامات الإنكار على وجوه الطلاب غير القادرين أساساً عن التعبير عن رأيهم لأنهم يعلمون مصيرهم.
وتعد الغوطة الشرقية من أولى المناطق السورية التي شاركت بالحراك الثوري عندما اندلعت الثورة السورية عام 2011 وأيضا كانت من أوائل المناطق التي سيطرت عليها المعارضة وتغلبت على قوات الأسد وأخرجتها منها لتقوم الأخيرة بمحاصرتها لمدة ست سنوات في مرحلة تجاوزت حدود الإنسانية في الظلم والطغيان.
ومع انسحاب قوات الأسد من الغوطة في شهر تشرين الثاني عام 2012 انسحبت كل مؤسسات الدولة الخدمية من الغوطة الشرقية وأولها كانت مديرية التربية والتعليم، الأمر الذي أدى إلى توقف العملية التعليمية فترة قصيرة من الزمن حيث بدأ العمل الطوعي في مجال التعليم وفتحت مراكز تعليمية ولكن تحت الأرض في الأقبية بسبب قصف الطيران التابع للنظام للمنطقة.
وتكاثرت هذه المراكز التعليمية وأصبحت عبارة عن مؤسسات تعليمية تنافست فيما بينها لأداء أفضل خدمة بظل الحصار وتم إنشاء مكاتب تعليمية لتنظيم العملية ومن ثم تشكلت مديرية التربية والتعليم في الغوطة الشرقية وبذلك كان القطاع التعليمي هو الأول في التنظيم في الغوطة الشرقية بعد خروج نظام الأسد منها.
وخلال هذه الفترة تم الاعتماد على المنهاج السوري الصادر عن وزارة التربية والتعليم لكن مع التعديل الثوري عليه، حيث ألغيت مادة القومية من مناهج الغوطة الشرقية ومن ثم عدلت دروس التاريخ المزورة والتي تمجد آل الأسد وحزب البعث العربي الاشتراكي وألغيت كل الفقرات المتعلقة بنظام الأسد في جميع الكتب.
ورفع في المدارس علم الثورة السورية ولم يكن هناك لباس موحد للطلاب وأغلب الأوقات كان دوام الطلاب دوام طوارئ يبدأ من الساعة السادسة صباحا ويستمر لساعتين بسبب القصف الذي تتعرض له الغوطة.
ست سنوات خرج فيها نظام التعليم بشكل كامل عن السيطرة الأمنية و القمع الذي كان مفروضاً في ظل النظام الأمني في عهد وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة الأسد والتي كرست العملية التعليمية لخدمة آل الأسد و تزوير التاريخ استطاع من خلالها معلمو و معلمات الغوطة إضافة بصمة حقيقية في أذهان الطلاب و لكن بعد اتفاق التسوية الذي تم في شهر آذار عام 2018 انتهت هذه الحقبة و عادت الأمور لما كانت عليه علما أن من أحد بنود التسوية كان الاعتراف بشهادات المرحلة الإعدادية و الثانوية الصادرة عن الحكومة المؤقتة و لكن نظام الأسد رفض ذلك و ترك طلاب الغوطة الذين بقوا إلى العودة لما قبل شهادة التعليم الأساسي الأمر الذي أدى إلى العديد من حالات الاكتئاب النفسي و الانفصام عن الواقع لهؤلاء الطلاب و عودة الرموز كالعلم السوري الذي كان قبل فترة قصيرة موجوداً على الطائرة التي ترمي البراميل المتفجرة على هؤلاء الطلاب لتقتلهم ها هم اليوم مضطرون أن يقفوا في تحية العلم ليرفعوه فوق رؤوسهم كل ذلك كان كفيلا بتدمير نفسية جيل كامل عاش في هذه الحقبة و لكن بنفس الوقت امتلك المعرفة المتعلقة بالتاريخ الذي يزور أمام عينيه.
خاص “شبكة المرأة السورية”