وردة الياسين
تغرورق عيون “أم حسان” و”نجلاء” بالدموع، وتزداد غزارة دموعهن كلما أضافت “أحلام” تفصيلاً جديداً على قصة انفصالها عن زوجها. ويجتاح حزن محموم جلسة النساء الثلاث، ويتناثر فيه ذكريات وصور مؤلمة عاشتها كل واحدة منهن. والمرأة اذ تشد من عضد امرأة أخرى تحكي لها عن تجربة أشد قسوة من تجربتها، وهذا ما كانت تفعله النساء الثلاث، يتبادلن عذاباتهن تارة، وتارة أخرى يحكين عن شجاعتهن وبأسهن وحكمتهن في اجتياز ظروفهن القاسية بصبر النساء وضراوة الرجال.
أحلام
على شاطئ الاسكندرية، يعد كمال أحلام، الفتاة المصرية الجميلة، بحياة زوجية يملأها الحب والفرح، وأحلام التي تجاوزت عدم موافقة أهلها على ارتباطها بكمال، ستمضي قدماً وستذهب مع كمال إلى تركيا بحثاً عن حياة أفضل.
جاء كمال إلى مصر من اللاذقية/منطقة الرمل في أواخر عام 2013، هرباً من عنف لا يرحم، تقول أحلام: “عندما التقيت كمال كان كئيباً، يفتقد الأمل والعمل. لم يكن الحب وحده ما دفعني للزواج به، بل أيضاً رغبتي الشديدة في رد الروح له والتي كاد جحيم اليأس أن يسلبها”.
يبدأ الزوجان حياة مختلفة في تركيا، تتحدث عنها أحلام: “عام كامل كان فيها الزعتر والزيت وجبتي الاساسية في أيام كثيرة، أصبر نفسي على حالة الفقر والقلة، واثقة بأن دوام الحال من المحال، وهو ما حدث فعلاً، وذلك عندما تمكن كمال من الحصول على وظيفة جيدة في إحدى المنظمات”.
انتقلت أحلام إلى منزل أوسع، وانجبت طفلاً جميلاً، وأخذت أوضاعها الاقتصادية تتخذ وجهاً أكثر يسراً، إلا أن هذا كله سيتبدل في بدايات 2018.
تبكي أحلام قائلة: “بكى كمال كثيراً وهو يحتضنني، مبرراً لي بأن زواجه من تلك الفتاة التركية والتي تعمل في نفس منظمته، هو زواج مصلحة لا أكثر، فهو لا يحبها ولكنها قادرة على تسهيل أوضاع المنظمة القانونية، ومن خلالها سيتمكن من الترقي إلى منصب وظيفي أعلى”.
ترفض أحلام كل مبررات كمال، وتقرر أنه عندما يسافر في مهمة إلى بلدة ثانية، ستأخذ طفلها وتعود إلى مصر، حيث أهلها، دون علمه أو موافقته، وهذه أقل عقوبة يمكن أن تفعلها بالرجل الذي اختارت غربة قاسية لتشاركه فيها، بسبب حب أعمى وعواطف خرقاء. وهي لن تقدم بعد الآن أي تنازلات لأي رجل كان، حتى ولو قدم لها “نهر النيل مهراً”.
أم حسان
بالرغم من أن أم حسان تعتقد أن جميع الرجال وعلى الأطلاق، وراء كل قهر النساء ومرارتهن، إلا أنها لاتزال ترثي زوجها المتوفي منذ ثلاث سنوات أمام القاصي والداني، وتؤمن بأنه لو بقي حياً لما أصبحت ماهي عليه الآن.
تمكنت أم حسان مع زوجها وبعد ثلاثين سنة من التعب والعمل، من امتلاك منزل مؤلف من ثلاث طبقات، ومحلين تجاريين جعلاها تعيش في بحبوحة وسعة رزق، هي وزوجها وأولادها الثلاث وابنتيها. وكانت أم حسان تستعد لتوسعة أعمالها التجارية وامتلاك محل ثالث، غير أنه ذات ليلة، وفي شتاء 2013 بالتحديد، وجدت نفسها مع عائلتها لاجئة في تركيا، هرباً من القصف الشديد على مدينتها حلب.
تقول أم حسان: “توفي زوجي بعد خمسة أشهر من وصولنا إلى تركيا بسبب مرض عضال، وأصيب ابني البكر بمرض عصبي أثر على عموده الفقري، قال الأطباء الأتراك أن مرضه نتيجة لحالة نفسية. وتزوجت إحدى بناتي برجل تركي بعد أن تركها زوجها الأول لأنها لم تنجب. أما ابني الأوسط فقد كان قد أصيب بشظية صاروخية في ساقه عندما كنا في حلب، أدت إلى عطبها كلياً. في حين أن ابني الأصغر أفرطت في دلاله لدرجة أنه يرفض العمل في أعمال العتالة، أو الاعمال التي تحتاج إلى مجهود عضلي. مما اضطرني أنا المرأة الستينية للبحث عن عمل أعيل به نفسي وأولادي، فكان أن أصبحت أذهب إلى منازل السوريين بهدف القيام بأعمال الكنس والطبخ والتنظيف”.
وصلت أم حسان متأخرة ذات مرة عن موعد زيارتها لقبر زوجها، فوقفت أمام القبر تبكي بشدة وتقول: ” اعذرني على التأخير يا أبا حسان، فقد انشغلت بتعزيل أحد المنازل، آه يا أبا حسان آه … وأنا التي كنت أتي بمن يعزل لي منزلي ذات زمان”.
نجلاء
لم تعد تفكر نجلاء كثيراً إذا ما كان الرجال جيدين أم سيئين، أو حتى ضروريين، فالتجربة التي عاشتها مع ابنها المريض، علمتها أن المرأة قادرة على مواجهة أشد وأخطر الصعوبات.
وعن تجربتها تحكي نجلاء: “بعد ثلاث بنات، انجبت ابني ابراهيم في ربيع 2011، ولكنه كان بجسد ضعيف ووضع صحي لا يطمئن. قال الأطباء عن حالته الصحية، بأنه يعاني من نقص حاد في مناعته، ويتطلب وضعه علاجاً طويل الأمد قد يمتد لعامين أو أكثر. كنت آخذ ابراهيم كل أسبوع إلى المشفى في مدينة حمص، وأرجع مساء إلى حي بابا عمرو لأجد المظاهرات في أوجها. وكان زوجي واحد ممن يهيئون وينظمون المظاهرات”.
سارت الأمور على ما يرام، وبدأ ابراهيم يظهر تحسناً وتعافياً في صحته، حتى جاءت تلك الأيام المشؤومة.
وتتحدث نجلاء عن تلك الأيام قائلة: “في أواخر 2011 وبدايات 2012، أطبق النظام حصاراً على بابا عمرو بالتزامن مع قصفه بشدة بالصواريخ والقنابل، وحمل زوجي السلاح ملتحقاً بالجيش الحر. أتذكر تلك الليلة وكأنني أراها الأن، حينها كنت أبكي وأصرخ بعنف في وجه زوجي، وأخبره أن ابراهيم يجب أن يتلقى العلاج كي لا تسوء حالته، وعليه أن يجد لي حلاً… في الحقيقة رأيت في عيني زوجي ألم يوازي ألم العالم كله، ولكن رده كان صاعقاً عندما قال لي، إذا مات ابراهيم سنعتبره كأي طفل أخر في هذا الحي الذين تقتلهم القنابل العمياء!”.
لم تهدأ نجلاء لحظة، ممارسة ضغطاً هائلاً على زوجها كي يجد حلاً لمعضلتها. ليأتي المخرج والحل بمغامرة تقتضي سفرها إلى تركيا.
تم ترتيب كل أمور ذهاب نجلاء وابنها إلى تركيا، ودفعت مبالغ ضخمة لإخراجها من منطقة الحصار ومنها إلى تركيا.
تقول نجلاء: “لم أكن أتخيل ما كان سيترتب على مغامرة الذهاب إلى تركيا، فصحيح أنني تمكنت من علاج ابراهيم، ولكنني انتظرت عاماً كاملاً كي التقي بزوجي وبناتي. فما حدث أن النظام تمكن من دخول بابا عمرو بعد أيام قليلة من مغادرتي، مما أدى إلى هروب زوجي واختفائه، وبقاء بناتي بعيدات عني وعنه، لنبحث بعد ذلك عن طريقة تجمع بين زوجي وبناتي ثم وسيلة تجمعنا جميعاً”.
تزعم نجلاء أن كل ما مرت به يبدو سهلاً بسيطاً مادام ابنها ابراهيم بخير وبصحة جيدة.
يقول ” بلزاك” : ” المرأة مخلوق بين الملائكة والبشر”، ولكن “أبقراط” يرى أن المرأة مصدر كل شر، ثم يحتار ” فرويد” في النساء ويكتب عنهن أبحاثاً ورسائل. وتنتهي جلسة النساء الثلاث بعد منتصف الليل، تاركات ورائهن رجال وفلاسفة وحكماء، يحللون نفسية النساء ويقولون العبر والحكم عنهن.
خاص “شبكة المرأة السورية”