ترجمة وإعداد: سلوان عباسي
عندما يجلس الرجال فقط على طاولة المفاوضات، ينهار وقف إطلاق النار.
بينما كانت عربة الأمهات تنطلق في عمق منطقة نمور التاميل، حاصرها فجأة فتيان صغار يحملون أسلحة أوتوماتيكية. لكن النساء الخمس داخل العربة أرسلن صوراً أمام الكنيسة الكاثوليكية، واستخدمن لغة مصاغة بعناية للإشارة إلى حيادها. وخلافاً لتوقعات ممثلي الدولة السريلانكية، لم يظهرن وكأنهن ملطخات بالدماء، فقد رافقهن الجنود الأطفال في الغابة، دون الإضرار بهن.
إنهاء النزاع
كانت هذه هي الطريقة التي وجدت بها فيكاكا دارماداسا، والدة جندي في الجيش السريلانكي كان قد أعلن في عداد المفقودين، نفسها جالسة أمام قائد محلي لنمور التاميل على الأرض الترابية في ضريح مسيحي في شمال غرب سريلانكا في كانون الأول / ديسمبر 2000. ومعها أربع أمهات أخريات. فقد تجرأن مع دارماداسا على عبور الأرض المزروعة بالألغام والواقعة بين الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السريلانكية والأراضي التي يسيطر عليها التاميل للبحث عن أخبار عن أبنائهن والمطالبة بوضع حد للنزاع.
وقد أقنعته النساء، اللواتي اعتمدن على حقيقة كونهن أمهات، لبناء الثقة مع القائد المتمرس، وأنه أب لشابة، بحمل مجلد رسائل إلى إفييا بارامو ثاميلسيلفان، رئيس الجناح السياسي للنمور. كانت الرسائل من عائلات فقدت أعزاء لها، وطالبت كل منها بإنهاء النزاع. وفي الوقت الذي عادت فيه النساء إلى الإقليم الذي تسيطر عليه الحكومة بعد خمسة أيام، حملن معهن رسالة جديدة – هذه المرة من النمور إلى الحكومة السريلانكية: سيعلن النمور عن وقف إطلاق النار من جانب واحد ابتداء من 24 كانون الأول / ديسمبر.
في العقود الأخيرة، أظهرت مجموعة متنامية من الأبحاث أنه عندما تكون المجموعات النسائية قادرة على التأثير بشكل هادف على عمليات السلام، فإن الاتفاقيات الناتجة تكون أقوى وأكثر احتمالاً أن تستمر، ونتيجة لذلك، اكتسبت عمليات السلام الشاملة ثمارها دولياً. فقد شكلت النساء أكثر من 30 في المائة من المفاوضين في اتفاق السلام الكولومبي لعام 2016 مع القوات المسلحة الثورية لكولومبيا (فارك)، التي كانت أيضاً أول عملية سلام تشمل لجنة فرعية جندرية. كما شاركت النساء بمعدلات مماثلة في التفاوض على اتفاق السلام لعام 2014 بين الحكومة الفلبينية وجبهة مورو الإسلامية للتحرير، حيث ساعدن في الدفع من أجل إدراج مجموعات المجتمع المدني النسائية وفرض الأحكام الجندرية.
التحدي الأكبر
ومع ذلك، يبقى وقف إطلاق النار هو التحدي الأكبر، فغالباً ما يُنظر إلى النساء على أنهن عناصر غير قادرة على التعامل مع التقنية العسكرية، لذلك قد لا يجد الوسطاء ضرورة لإدراج الجماعات النسائية، في المراحل المبكرة من عملية السلام. لكن بحثاً جديداً صدر عن مركز “الأمن الشامل” يكشف أنه في حال جلب الأطراف المتحاربة إلى طاولة السلام لتحديد شروط وقف إطلاق النار ورصد تنفيذه، يمكن للجماعات النسائية أن تساعد في تحويل هذه الاتفاقات الهشة الضعيفة إلى عمليات سلام أكثر شمولاً واستمرارية.
ففي دراسة أجريت على 40 عملية سلام منذ الحرب الباردة، أشار الباحثون إلى أربعة أعمال متكررة، أولها تعبئة النساء للضغط على الأطراف المتحاربة للتوصل إلى وقف إطلاق النار. والثاني هو ميل المجموعات النسائية للضغط على الأطراف للبقاء على طاولة السلام إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق. وقد تبين أنه لم تعمل أي من الحالات الأربعين التي نظمتها الجماعات النسائية ضد عملية السلام؛ بل في الواقع، حشدن لصالحها أكثر من أي مجموعة أخرى.
أعمال عدائية
كما عملت النساء على تخفيف آثار الأعمال العدائية الناتجة عن وقف إطلاق النار. في بوروندي مثلاً، استشار الوسطاء مجموعة من ممثلي المجتمع المدني – وكثير منهم كانوا من النساء – في موازاة محادثات وقف إطلاق النار الرسمية. وسلّطت الجماعة الضوء على وقف أعمال العنف التي التزمت بها الأطراف المسلحة، وساعدت الوسطاء على المضي قدماً في فرض حظر أشمل على الأعمال العدائية. بالإضافة إلى تحركات القوات وإمدادات الذخائر، منع الاتفاق النهائي “جميع أعمال العنف ضد السكان المدنيين – عمليات الإعدام وفق إجراءات موجزة، التعذيب، المضايقة، الاحتجاز، واضطهاد المدنيين … التحريض على الكراهية العرقية، تسليح المدنيين وتجنيد الأطفال.”
وتستند مهام المراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار إلى الأوامر الرسمية في مثل هذه القوائم، مما يعني أنها تؤثر بشدة على ما سيتم اعتباره انتهاكاً لوقف إطلاق النار وما هي أنواع آليات النزاع اللازمة لمنع إعادة التصعيد. تعكس اتفاقيات وقف إطلاق النار الأكثر شمولاً حقائق المواطنين، وليس فقط تلك التي يرغب المحاربون في الاعتراف بها، وكلما ازدادت صعوبة مطالبة الأخير بالالتزام بالاتفاقية مع استمرارهم في مهاجمة أعضاء مجتمعات بعضهم البعض وتعذيبهم واغتصابهم.
بعد عدم الاستقرار على نطاق واسع، بات من الصعب على المراقبين الدوليين الوصول إلى مناطق النزاع. ولهذا السبب، شكلت ماري آن أرنادو في مينداناو بالفلبين مجموعة مراقبة مدنية متطوعة بالكامل تسمى بانتاي سيبيرايف. وأدركت أرنادو في وقت مبكر أن الوحدات النسائية ستزيد من قدرة المنظمة على التعامل مع النساء وتوعية نظرائهن الذكور بالتأثيرات المختلفة للحرب، على الرجال والنساء والفتيان والفتيات. لم يؤد تأسيسها فقط إلى زيادة كبيرة في التقارير، لكن الجنرال آرييل برناردو، الرئيس السابق للجنة وقف إطلاق النار التابعة للحكومة، أكد أن: “جنودنا أصبحوا الآن أكثر خوفاً من ارتكاب أي انتهاك ضد المدنيين بسبب المراقبات، لقد راعت شرعية الجماعة المحلية والإبلاغ الموثوق عن الانتهاكات على جميع الأطراف بسرعة دعوة للانضمام إلى فريق المراقبة الدولي الرسمي.
جنوب السودان
ولكن في أماكن مثل جنوب السودان ، ناضلت فرق المراقبة والتحقق الدولية والعسكرية كثيراً لتجنيد عناصر تواصل من سكان المجتمع السوداني الجنوبي في جوبا. وتعود تلك الصعوبات في جزء منها، إلى أنه من المحرمات على النساء السودانيات الجنوبيات أن ينتشرن مع قوة أجنبية ذكورية، فالتعامل كان بالكامل مع الذكور مما أدى إلى تركيز شديد على العمل العسكري وعدم الاهتمام بحماية المدنيين، والاهتمامات الإنسانية. وكانت الفرق مجهزة بشكل أفضل للتواصل مع الجهات المسلحة أكثر من المدنيين المتضررين من النزاع، وخاصة النساء.
في النهاية يمكننا القول أن الأبحاث تشير إلى أن إدراج المرأة يمكن أن يضيف قيمة إلى جميع مراحل عملية وقف إطلاق النار. وقد يكون لإدراجهن تأثيرات جانبية: فالممثلون الذين يتفاوضون على وقف إطلاق النار يكونون في الغالب من المدعوين للتفاوض بشأن تسويات سياسية لاحقة. كما تتبلور جداول أعمال محادثات السلام في هذه المرحلة المبكرة، حيث يطرح المتحاربون القضايا التي يرغبون في إلقاء السلاح لمناقشتها.
لآجلا أم لاحقاً، سيكون هناك وقف إطلاق نار في الأفق في أماكن مثل أفغانستان وجنوب السودان وسوريا واليمن. وعندما يحين ذلك الوقت، سيجرب الوسطاء، كما هم دائماً، التركيز على الوضع الراهن تحت ستار الاستقرار، وتقاسم المقاعد وبنود جدول الأعمال في محادثات السلام المقبلة بين قادة الفصائل المتحاربة. القيام بذلك سوف يضعهم على المسار السريع لاتفاق يخدم فقط أولئك الذين حملوا السلاح في المقام الأول. وسوف يعميهم عن ديناميكيات الصراع تحت السطح ويقلل من قيمة الحاجات ووجهات نظر المرأة والمجتمعات المتأثرة بالحرب. بمعنى آخر، سوف تفشل.
المصدر:
https://foreignpolicy.com/2018/08/24/women-make-peace-stick/
خاص “شبكة المرأة السورية”