ترجمة وإعداد: رباب عمار
تشرح بعض الأمهات السوريات سبب دفع بناتهن الطفلات إلى الزواج من رجال أكبر سناً لحمايتهن من الاغتصاب والخطف.
إحدى العواقب البائسة للحرب السورية هي انعدام الأمن المفاجئ الذي تشعر به الملايين من النساء اللاجئات، المحرومات (في بعض الأحيان) من رجالهن، اللواتي تُركن ليعلن عائلاتهن بأنفسهن، والمهددات بالرجال المفترسين.
وقد وجد تقرير للأمم المتحدة هذا الشهر أن نحو 150 ألف عائلة سورية تترأسها نساء وحيدات، مما نتج عن هذه الظاهرة أحداث مؤسفة تمثلت في تزايد عدد الفتيات السوريات اللواتي يتم تزويجهن لتحقيق قدر من الأمن لعائلاتهن.
ام رولا
غادرنا في شباط / فبراير من العام الماضي: أنا وزوجي أحمد وأطفالنا السبعة – ولدين وخمس بنات. اقترضت 5000 ليرة سورية من والدتي لاستئجار سيارة تقودنا من منزلنا في درعا إلى الحدود مع الأردن.
عندما وصلنا إلى الأراضي الحدودية، كان علينا السير مع عائلات سورية أخرى كانت تفر من سوريا أيضاً. سرنا في الليل لتجنب رجال الأمن السوري، الذين كانوا يطلقون النار علينا. كان الأمر محفوفاً بالمخاطر، لكنني كنت أكثر خوفًا مما قد يحدث لاحقًا، أي نوع من الحياة ستكون لدينا في مخيم اللاجئين. أخيراً، دخلنا مخيم الزعتري، الذي كان مثل الجنة مقارنة مع جحيم درعا. ومع ذلك أصبحت قلقة على سلامة بناتي الخمس. زوجي كبير في السن وليس في صحة جيدة، وأبنائي صغار في السن. لا يوجد أحد لحمايتنا. كانت الخيام قريبة جداً من بعضها البعض، وكان الشبان يمرون ويخرجون في خيمتنا.
ابنتي الكبرى، رولا، كانت في الثالثة عشرة من عمرها وجذابة. ولم تستطع هي وشقيقاتها الأخريات تغيير ملابسهن في الخيمة. كنا خائفين لدرجة أن بناتي قد يتعرضن للهجوم من قبل غرباء. كان المخيم مليئاً بالرجال من مختلف الأعمار. لم أستطع السماح لبناتي بالذهاب إلى الحمام. لقد اضطررت إلى أخذهن واحدة تلو الأخرى على الرغم من أن الحمامات كانت بعيدة، وعلى طول الطريق سنكون عرضة للمضايقات من قبل الشباب. إذا أرادت أي من بناتي أن تغتسل، سيكون لدينا حوض في الخيمة، وسأظل أنا أو أمي في حالة تأهب في حال جاء أي شخص. لذلك كنت تجد عائلات تحاول أن تزوج بناتها بأي وسيلة، حتى لو كن فقط في عمر 12 أو 13 سنة. كانوا لا يطلبون المهور، أرادوا فقط رجل لبناتهم.
كانت بناتي عبئاً ثقيلاً علي. لم اعتقد أبداً أنني سأفكر بهن بهذه الطريقة. كنت سعيدة جداً عندما ولدن. لا يمكنك تخيل خوف الأم عندما تنظر إلى ابنتها وتعتقد أنها قد تتعرض للاغتصاب في أي لحظة. إنه لأمر مرعب أن نفكر فيما لو أصبحت قصة الاغتصاب معروفة علناً، فأعمامها سيقتلونها على الفور. لقد شعرت بالموت عندما فكرت في تلك اللحظة.
معظم الزيجات في المخيم مخصصة للفتيات في سن 12 أو 13 أو 14 سنة، لكن حتى الطفلات في سن العاشرة من العمر قد يتم تزويجهن إذا كن طويلات وتبدو عليهم بعض علامات الأنوثة. والطريقة هي أن إحدى أقارب العريس تتجول في الخيام للعثور على فتاة. وعندما تجد الفتاة المناسبة، تأتي بها إلى الرجل الذي يطلب يدها. قد يكون العريس سوري أو أردني أو من جنسيات عربية أخرى.
رجل سعودي يبلغ من العمر 70 عاماً تزوج من ابنة جارتي. كانت مخطوبة لرجل سوري ولكن أسرتها لم تصدق حظها في الحصول على سعودي غني، لذلك ألقت العريس الأول لإفساح المجال للثاني. وكان على الرجل دفع مبلغ مليون ليرة سورية للزواج من الفتاة الصغيرة.
كانت الصدمة كبيرة عندما جاء رجل أردني كبير في السن إلى خيمة والدتي طالباً يد ابنتي رولا. وقال إنه يريد أن يوفر لها حياة أفضل وتجنيبها الاذلال. هؤلاء الأردنيون يستغلون حقا ظروف اللاجئين السوريين الفظيعة.
كان لامرأة في خيمة مجاورة ابن أخ يدعى عمر، البالغ من العمر 18 عاماً، ويعمل في ورشة تطريز. أخبرته عن ابنتنا، وجاءت إلى خيمتنا وأخبرتنا أنها تريد رولا لابن أخيها. بات وجهي أحمر من الدهشة. بالنسبة لي، كان من الصعب قبول الفكرة. كانت لا تزال طفلة، وتلعب مع أطفال المخيم. لكن الحرب والجوع والإذلال والخوف أجبروني في النهاية على قبول العرض. كان من الصعب رمي ابنتي في حياة جديدة لا أعرفها وهي نفسها لا تعرف ذلك. لم تكن رولا تعلم أي شيء عن الزواج، وكان علي تعليمها كل شيء.
استأجرنا منزلين في عمان، أحدهما لعمر والآخر لنا. جلب العريس المجوهرات ودفع حتى لحفل زفاف. كان علينا أن نختار فستان الزفاف ليكون مناسباً لجسم رولا الصغير. كان علي أن أخبرها كيف تتصرف مع زوجها. سألتها إذا كانت تحب العريس، قالت إنها فعلت، لكنني لم أكن متأكدة من أنها تعرف المعنى الحقيقي للحب.
تخبطت لتوضيح الأمور لها بصراحة. أخبرتها أن زوجها قد يقترب منها، سيقبلها ولا ينبغي لها أن ترتجف، بل عليها تقبل ذلك. لم أكن أريد أن أخيفها بكل قصة الزواج. أخبرتها أنه سيعلمها كيف تكون زوجة صالحة. جلست لمدة ساعتين مع العريس قبل أن يتزوج ابنتي. حاولت إعداده لحقيقة أنه كان يتزوج من طفلة، وليس امرأة ناضجة، وأنه بحاجة إلى أن يكون أكثر تسامحاً معها.
في اليوم الثاني بعد الزفاف، ركضت لرؤية رولا وسألتها كيف كانت ليلتها. لقد أخبرتني أنه لا بأس وأن كل شيء سار على ما يرام. أنا أصلي طوال الوقت أن يدوم زواجها. المشكلة هي أن رولا لا يمكنها أن تنسى أنها لا تزال طفلة رغم أنها متزوجة الآن. في إحدى زياراتي، كان من المروع للغاية أن أراها ترتدي الجوارب وتنزلق على الأرض مثل الأطفال الآخرين في المنزل. أخبرتها أنها لا يجب أن تفعل ذلك لأنها امرأة متزوجة الآن، وزوجها يريد منها أن تركز على منزلها وأطفالها. قبل عشرة أيام، أخذتها إلى المستشفى، ظننت أنها حامل، لكن الطبيب وجد أنها مصابة بكيس مبيض. في نفس الوقت، كنت أفضل ألا تحبل قريباً في أعماق قلبي لأنها لا تزال طفلة ولم يتم توثيق زواجها بعد، مما يعني أن الطفل لن يكون لديه شهادة ميلاد.
أم ديما
استيقظ عصام في صباح أحد الأيام، عانق أطفاله الستة وذهب إلى دمشق، ليطمئن على أخته وعائتها. كان ذلك قبل أكثر من عامين. لم يعد إلى منزلنا في درعا. سمعت أنه تم اعتقاله من قبل الجيش السوري. كان عصام محاسبًا في متجر أدوية في ريف درعا. كان يكسب حوالي 15 ألف ليرة سورية شهرياً، لكنه كان كافياً لي وللبنات الثلاث وثلاثة أبناء. ولكن منذ أن رحل، تغيرت الأمور بشكل كبير. الآن ليس لدينا مصدر للأموال. لا يوجد رجل في المنزل لحمايتنا. كان من المجهد للغاية أن تتعامل امرأة واحدة مع الجنود الذين يداهمون منزلها. إذا قام الجنود بمضايقتي أو خطفوا أي من بناتي، لم يكن بإمكاني فعل أي شيء. ظهرت قصص عن بعض عمليات الاغتصاب وحوادث الاختطاف في البلدة.
اختفت ثلاث فتيات صغيرات في حينا في طريقهن إلى قرية أخرى. أصبحت المهام اليومية البسيطة أو رحلات الحافلات عذابًا. إذا كان أعجبت إحدى الفتيات رجلاً وهي في حافلة يمكنه إجبارها على الذهاب معه. تحولت الفتيات الصغيرات إلى مصدر قلق لا يوصف لوالديها. لذلك أراد الجميع تزويج فتياتهم، وإلا كان لابد من احتجازهن في المنزل. كانت ابنتي الكبرى، ديما، البالغة من العمر 15 سنة، في المدرسة، لكنني كنت قلقة من أن يختطفها الجنود أو يغتصبوها على الطريق من وإلى المدرسة. اعتقدت أن أفضل حماية لنا سيكون صهرًا. اضطررت إلى إقناع ابنتي بالتوقف عن الدراسة والاستعداد للزواج. كانت مصرة على أنها تريد إنهاء دراستها، لكنني قلت إن حاجتنا كانت أكبر. لدينا قول مأثور في قريتنا: “الرمد أفضل من العمى”، كان من الأفضل أن تتزوج، رغم أنها كانت لا تزال طفلة، من أن يتم اغتصابها من قبل جندي. قالت لي إحدى الجارات أن أحد أقاربها يبحث عن فتاة صغيرة ليتزوجها. طلبت من والدة الشاب أن تأتي لزيارتنا. جاء العريس المرتقب أيضاً. كان زواجاً مفاجئاً: لا مهر ولا ضمانات ولا وثائق زفاف.
جاء رجل دين مع اثنين من الشهود الذكور لتأييد الزواج لفظياً. كان العريس، حسن، البالغ من العمر 25 عاماً، عاطلاً عن العمل مثل معظم الرجال في منطقتنا. لم أستطع أن أطلب منه أي شيء لأن البلدة بأكملها كانت تحت حصار الجيش. حصل حسن على ديما بخاتم ذهبي صغير، بدون أثاث باستثناء مرتبة، وبعض الملابس. لا أحد في المدينة لديه المال؛ كانت الأسعار ترتفع. في يوم زفافها، كانت ديما سعيدة في ثوب الزفاف الأبيض، الذي استأجرناه من متجر قريب. لكني لاحظت الألم في عينيها. تظاهرت بأنها كانت سعيدة لمجرد إرضائي. ظللت أسأل نفسي إذا كنت غير عادلة معها عندما أجبرتها على الزواج بينما كانت لا تزال ترغب في اللعب مع فتيات صغيرات أخريات في منطقتنا. كانت أصعب مهمة هي توضيح كيفية التعامل مع زوجها في ليلة الزفاف، كيف تكون زوجة صالحة، كيف تسمح لزوجها أن يقترب منها. شعرت أنها لا تفهم حقاً أي من تعليماتي. بعد ثلاثة أيام من الزفاف، ذهبت لرؤية ديما في منزلها الجديد لمعرفة كيف كانت. ركضت إلي وهي تبكي وتبكي. بدت شاحبة ومصدومة. توسلت لها أن تكون أكثر انفتاحًا معي، ثم أخبرتني بكلمات متقطعة أنها لا تستطيع أن تنام في نفس السرير مع رجل غريب.
توسلت إلي لأخذها إلى البيت والسماح لها بالعودة إلى المدرسة. ظلت تقول: “أنا لا أحبه، أنا لا أحبه.” ثم جاءني زوج ابنتي ليخبرني أنه من الصعب أن أتعايش مع عناد ديما وسلوكها الطفولي. وبعد بضعة أيام، عادت ديما إلى منزلها وهي تبكي وطلبت مساعدتي. أخذتها بين ذراعي لتهدئتها. أخفت رأسها تحت رقبتي وقالت: “أمي، أنا لا أحبه، لا أستطيع العيش معه. إنه مخيف جداً.” بعد فترة وجيزة، جاء حسن إلي غاضباً. واشتكى من أن ديما لا تطيعه وأنهم يتقاتلون طوال الوقت. أقنعت حسن أن يكون أكثر صبورًا معها وإنها ما زالت طفلة وتحتاج إلى الرعاية. كانت صحة ديما تتضاءل وأصبح اكتئابها واضحاً لكل من يلتقى بها. بعد أقل من شهرين، جلبها حسن إلى بيتي وقال لي: “لقد طلقت ابنتك، لا يمكن أن تكون زوجة بعد اليوم. سأبحث عن امرأة أخرى”. رفضت ديما العودة إلى المدرسة. لم تكن تريد أن تختلط مع الناس بعد الآن. كانت خجولة جداً وتخجل من إخبار صديقاتها بأنها كانت مطلقة. لقد فقدت رغبتها بالدراسة. كل ما تريده هو أن تُترك وحدها. أشعر بالذنب كلما قابلت عينيها ولا أعرف كيف أجعلها تسترد ثقتها بنفسها. تبدو محطمة بشدة.
بعد ذلك بوقت قصير، أخذت ديما وأطفالي الخمسة الآخرين وهربنا إلى مخيم الزعتري في الأردن هرباً من القصف العنيف في مدينتنا. أحاول أن أحصل على طبيب نفسي لديما، وهي تحتاج إلى دعم عاطفي لتعود إلى طبيعتها المبهجة وتواصل حياتها مثل الأطفال الآخرين في سنها.
المصدر
https://www.theguardian.com/world/2014/jul/17/syrian-mothers-child-brides
خاص “شبكة المرأة السورية”