سلمى الدمشقي
أثار صدور المرسوم /16/، والخاص بتنظيم عمل وزارة الأوقاف، الكثير من اللغط والتساؤلات والاعتراضات من قبل جميع شرائح المجتمع، ويمكن القول إن هذا المرسوم قد وحد المعارضة والموالاة لأول مرة، فالجميع ينتابه الخوف من أسلمة الدولة ومن سيطرة الفكر الإسلامي بصورة مقوننة على مفاصل الحياة، بدلاً من العلمانية الحلم أو المدنية بالحد الأدنى.
ولكن وبغض النظر عن المرسوم وما يحتويه من مواد وتفصيلات، السؤال هو ما هي حاجة الدولة لهذا المرسوم في هذا الوقت؟ هي الان منتصرة، هكذا يروج الاعلام، الدولة تنفق الكثير من الاموال على المهرجانات والخطابات والصور لتعزز هذا الانتصار الكاذب في أدمغة مواطنيها موالين ومعارضة، تريد أن تقول للجميع أنا انتصرت وعليكم أن تعوا هذا جيداً، وتقول للمعارضة: “أنتم جميعاً تحت رحمتي الآن ويمكن أن أصل لكل من عارضني حتى بقلبه”، وللموالاة تقول: “إن تضحياتكم لم تذهب سدى فقد انتصرنا، على الاقل هناك نصر معنوي تستطيع صنعه طالما لا تستطيع ترجمته إلى امتيازات مادية”.
إذاً لماذا تثير الدولة الجميع عليها بهذا المرسوم وفي هذا الوقت وتغضب الموالاة قبل المعارضة، حيث شعروا أن دم ابنائهم الذي دفعوه رخيصاً لمحاربة الإرهاب الإسلامي( كما روج لهم النظام في إعلامه) قد ضاع امام هذا المرسوم.
أعتقد أن صدور هذا المرسوم هو في الوقت المناسب له من ناحية رؤية النظام وتوجهه إلى مسك كامل مفاصل المجتمع السوري بيده تمهيداً ليوم الاستحقاق بعد سنتين ربما في الانتخابات القادمة.
لو ركزنا على العمل المدني، دأبت الحكومة السورية وباصرار لافت للانتباه على ترسيخ دور الأمانة السورية للتنمية كمنظمة مدنية رئيسة تعمل في كافة المجالات المدنية بكادر كبير ومؤهل وتمويل مالي ضخم وتسهيلات للدخول إلى كافة المناطق والمجالات، على حساب وضع العراقيل امام باقي المنظمات المرخصة بطرق مختلفة. مؤخراً وبتاريخ مواز لتاريخ صدور المرسوم رقم /10/ والخاص بإعادة الإعمار والمناطق التنظيمية، منعت الحكومة السورية المنظمات الأوربية التي تعمل في سوريا من العمل في موضوع الحماية القانونية التي كانت تقدمها للمستفيدين من النازحين في المراكز التي تدعمها هذه المنظمات وحصرتها بالأمانة السورية للتنمية فقط، وهذا فقط لترسيخ دور الأمانة السورية في الموضوع القانوني ولتوحيد الخطاب الموجه للعموم حسب ماتقتضيه سياستها.
أيضا تم مؤخراً اعتقال الأستاذ هشام الخياط، وهو مدير المركز السوري للأعمال، الذي يحتضن الكثير من المبادرات الشبابية والتي تعمل في مجالات العمل المدني المختلفة، وحوله إلى محكمة أمن الدولة بتهمة تمويل الارهاب، ويخشى من أن يكون هذا الاعتقال هو فاتحة لمحاسبة جميع هذه المبادرات أو وضعها في أحسن الأحوال تحت مظلة الأمانة السورية للتنمية.
ويحكي في الدهاليز عن لجنة شكلت من قبل القصر الجمهوري بكادر مؤهل مهمتها عمل مسح شامل لكافة الجمعيات والمنظمات والمبادرات المدنية المرخصة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تمهيداً لضمها إلى الأمانة السورية للتنمية بحيث تكون الأمانة هي المظلة لجميع مؤسسات العمل المدني الداخلية.
انتخابات الادارة المحلية الاخيرة، ورغم الدعاية الكبيرة لها من قبل منظمات مدنيه كثيرة، منها منظمات أقرب في الرؤية السياسية للمعارضة الوطنية الداخلية، ورغم التشجيع الشديد على أحقية الجميع في الترشح وعلى أهمية ترشح النساء، كانت نتائجها كما السابق تماماٍ هيمنة مرشحي حزب البعث والجبهة على كافة المقاعد. وضمن النظام السوري أن هذه المنظمات جميعا قد روجت لهذه الانتخابات وفق مصلحته تماماً.
الان المرسوم /16/ في مادته /2/ والتي تفصل مهام وزارة الأوقاف، حصر بالوزارة مهمة الاشراف على جميع الانشطة الدينية ومعاهد حفظ القران والشؤون الدينية النسائية ووضع ضوابطاً لمنح التراخيص للتدريس الديني النسائي وجميع الجمعيات الخيرية الدينية وجمعيات كفالة اليتيم ورعاية المسنين وغيرها من الجمعيات التي لها طابع ديني وحصرها بوزارة الاوقاف.
وفي مادته /58/ نص أن تتولى الوزارة إدارة شؤون الاوقاف وتنميتها واستثمارها والإشراف عليها. وفي مادته /59/ عدد الأوقاف المقصودة والتي تشمل جميع أنواع الأوقاف ولكافة المذاهب الإسلامية والمسيحية. وفي مادته /60/ نص على ان تنتقل ملكية الاوقاف المفصلة في المادة السابقة حكما إلى وزارة الاوقاف وتسجل باسم الادارة الوقفية التي تتبعها مكانياً.
من هذا كله يتضح جلياً أن مهمة هذا المرسوم الواضحة هي وضع جميع الطوائف الاسلامية والمسيحية الصغيرة منها والكبيرة تحت مظلة وزارة الأوقاف في منح التراخيص للجمعيات وإدارة الأوقاف، وهذا سيدفع بالجميع (أرباب ومشايخ الطوائف) إلى الولاء التام إن علمنا فقط أن إدارة الأوقاف الدينية تعطي عائداً مالياً كبيراً للطائفة التي يتبع لها الوقف.
من هذا كله، ولا نعرف ماذا يحمل لنا الغد من أمور، وبعد أن جير النظام جميع مؤسسات الدولة ومواردها ليضمن انتصاره في حربه ضد شعبه أولاً، يبدو جلياً الآن أنه يعيد هيكلة جميع المؤسسات السورية العامة منها والخاصة ويضع يده بطريقة مؤسساتية على جميع شرائح المجتمع السوري ليضمن الولاء التام في المستقبل الذي يخطط له منذ الان.
خاص “شبكة المرأة السورية”