كندا سالم
السويداء تلك المحافظة الوادعة في الجنوب السوري نالت قسطها من الحرب السورية, فرياح الحرب حين عصفت هبت على الجميع من الشمال إلى الجنوب وووصلت آثارها إلى دول الجوار أيضاً.
مؤخراً قام أب في السويداء بإطلاق النار على ابنته ديانا البالغة من العمر (16) عاماً بعد تلقيه اتصالاً من إدارة مدرستها يفيد بتغيبها عن المدرسة منذ الصباح دون علمه المسبق بذلك فقام بقتلها وسلم نفسه بعد ذلك للقضاء.
هذه الجريمة تذكر بالاعتداءات الجسيمة التي تتعرض لها النساء في المجتمع السوري من قبل أقاربهن وذويهن والتي قد تتوج بسفك دمائهن تحت مسمى الشرف وغسل العار. قد يتم ذلك لأسباب متعددة أولها الإرث وليس آخرها الزواج المختلط أو حتى مجرد الاشتباه بنسمة حب عابرة تدغدغ قلب طفلة بريئة.
مكمن العلة في الثقافة الذكورية, حيث الرجل يملك أجساد النساء في عائلته, ويعتبر المساس بعفة هؤلاء النساء مساساً بشرف العائلة ككل.
إن من يرتكب جريمة الشرف في سورية يعرف تماماً عقوبتها المخففة, فالقانون السوري يهادن الجاني, ويعطيه الأسباب المخففة إرضاء للمجتمع والتقاليد التي تسانده أصلاً بل وتشد على يده. حيث جاء في الفقرة الأولى من المادة 548 من قانون العقوبات:
يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد فصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد. (العذر المحل يعفي المجرم من كل عقاب)
عدلت هذه المادة في العام 2009 لتصبح يستفيد من العذر المخفف بدلاً من العذر المحل على أن لا تقل العقوبة عن الحبس لمدة سنتين.
وقد عدلت مرة أخرى في العام 2011 لتصبح مدة العقوبة لا تقل عن السجن من خمس إلى سبع سنوات، وفي حال كان مرتكب الجريمة تحت السن القانوني فإن عقوبته قد لا تتجاوز الحبس لمدة شهرين. وهذا ما يحدث كثيراً حيث يوضع اليافعين في الواجهة، حتى لو كان الأب هو المرتكب الحقيقي للجريمة لكن كثيراً ما يضع الابن في الواجهة لعلمه أن مدة العقوبة لن تتجاوز الشهرين. إن الرخاوة في التعديل المطبق على المادة يجعل من استغلالها أمراً سهلاً للتخلص من الزوجات أو القريبات لأسباب قد لا يكون لها علاقة بالخيانة أو العلاقات الجنسية غير الشرعية كالإرث مثلاً في أحوال كثيرة.
لقد نص الاجتهاد القضائي السوري على ما يدعى بالدافع الشريف لتخفيض العقوبة. فالمادة 192 من قانون العقوبات حددت كيفية التخفيف في حال كان الدافع شريفاً. وقد عرفت محكمة النقض السورية الدافع الشريف بأنه عاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة لديه، فبهذه البساطة تزهق الروح البشرية وتحرم النساء من حقهن بالحياة.
إن جرائم الشرف هي أقسى أنواع العنف المطبق ضد المرأة, العنف الذي يضعها في مرتبة ثانية ويحصر الشرف بجسدها ويعطي الرجل مهمة الحفاظ عليه تبعاً لشكوكه وأوهامه. كما أن مصطلح جريمة الشرف أصلاً يحمل تناقضاً غير منطقي, فهو يضيف الشرف الذي يعتبر قيمة سامية ومثلاً أعلى إلى الجريمة التي تعبر عن أدنى مستويات الانحطاط الأخلاقي والقانوني, فمن المستحيل أن تضفي الجريمة لمرتكبها صفة الشرف.
إن مجرد استخدام مصطلح جرائم الشرف لوصف عمليات القتل هذه يعتبر مؤشراً على قبولها وتحريضاً على القيام بها, فالشرف يعني التمتع بصفات حميدة كالصدق والأمانة والنزاهة والشجاعة وليس الاستقواء على الضعيف اقتصادياً أو اجتماعياً أو عضلياً.
إن جرائم الشرف التي ترتكب في منطقتنا من قتل الأخت أو الابنة أو الأم هي عمليات قتل لأسباب اجتماعية ليست لها دوافع عاطفية غالباً. وضحاياها تقتصر فقط على النساء, فليس هناك من غضب أو عار إذا كان للابن أو الأخ علاقة عاطفية أو جنسية مع أنثى غريبة. كما إنه في حال قامت امرأة لدى ضبطها لزوجها بعلاقة مع أخرى بقتله فإنها ستنال أقصى العقوبات لأن هذه الجريمة تعتبر جريمة قتل بحتة بعيدة عن الشرف, فشرف الرجل يعطيه الحق بالمساكنة والمصاحبة وتعدد الزوجات وهذا ما أحله الدين والشرع. ولكن لا يمكن للمرأة القيام بذلك فهي مؤتمنة على عرضها بالدرجة الأولى.
بالعودة إلى السويداء لا بد من الإشارة إلى أنه حصلت الكثير من جرائم القتل خلال الفترة الماضية (بعيداً عن جرائم الشرف), بعد الانتشار المفرط للسلاح بين الأهالي والمدنيين حتى ممن هم دون الثامنة عشرة بعد تعرض المحافظة للهجوم الإرهابي من قبل داعش والذي راح ضحيته أكثر من 250 شخص في يوم واحد بالإضافة إلى اختطاف حوالي ال 40 رهينة.
إن عدم تدخل الدولة وقوات الجيش لحماية المدنيين ساهم في رفع منسوب القلق لدى المواطنين وبات امتلاك السلاح هاجسهم الأكبر بعد أن بات واضحاً وجلياً تخلي قوات النظام. إن انتشار السلاح العشوائي يهدد بالفوضى فخلال الشهرين الماضيين قتل ما يزيد عن سبعة شبان عن طريق الخطأ.
ما يثير القلق بشكل حقيقي ليس فقط ظاهرة اقتناء السلاح, بل أيضاً الدورات التدريبية التي تجري في المحافظة لتعليم استخدامه للنساء والأطفال دون السن القانوني مما يعكس آثاراً سلبية على تكوينهم النفسي, حيث أن الأطفال هم الأكثر تأثراً ويبدو أن ثقافة السلاح هي ثقافة الجيل المقبل.
إن وقوع هذه الجريمة لا بد أن يذكرنا بمخاطر انتشار السلاح العشوائي بين الناس وسوء استخدامه, كما يذكرنا بنفس الدرجة من الأهمية بأن الفتاة ديانا التي اختبرت الموت على يد من يفترض أن يكون مصدراً للأمان هي ضحية قانون العقوبات السوري الذي يمنح العذر المخفف لمرتكب جريمة الشرف, فلا بد من تحرك قانوني عبر هيئات حقوقية وجمعيات مدنية تتبنى هذه القضية, فقانون العقوبات يجعل من المشرع والمجتمع من خلفه شركاء في الجريمة.
المعركة طويلة حتماً, وستزهق أرواح كثيرة قبل أن يأتي اليوم الذي يحاكم فيه القاتل كقاتل وليس كذكر وصي على الحياة والشرف.
لا بد آت هو اليوم الذي يحاسب فيه القتلة كقتلة دون استثناءات.
خاص “شبكة المرأة السورية”