بشار عبود
تناهى إلى سمع الفارس الذهبي أن أحد جنوده الأوفياء في مدينة حماة أقدم على جريمة إعدام حصان عربي أصيل بتقديمه وليمة سهلة لأسدين يتضوران جوعاً. جن جنون الفارس لدى سماعه الخبر، لا سيما وأن الحصان المغدور سبق أن حقق معه أحد أهم البطولات التي أضافت إليه لقب الفارس الذهبي الأحب إلى قلبه بين جميع ألقابه الأخرى.
بدأت الإشاعات تكثر حول هذه الجريمة البشعة بين الجماهير، ومع كل إشاعة يسمعها كانت أصابع الفارس تنساب إلى رقبته تتلمس عرقاً بارداً يتفصد منها بغزارة متخيلاً نفسه مكان الحصان الذي قضى بين أنياب الأسود. ومنعاً من اشتداد الهرج والمرج، قرر الفارس المغوار أن يكشف بنفسه على موقع الجريمة للتأكد من تفاصيل الواقعة، فاستأذن من الجنرالات الروس الذين يديرون شؤون البلاد بالنيابة عن أخيه، أن يمنحوه طائرة هيلوكوبتر للانتقال بها من دمشق إلى حماة.
حطت طائرة الفارس قرب مدينة السلمية، وتوجه مباشرة إلى موقع الجريمة فساءه ما رآه من آثار دم على أفواه الأسود، فيما بقايا عظام حصانه الأصيل تنتشر على أرض القفص، وراح الفارس يلطم على صدره غير مصدق ما رأته عيناه من فاجعة لا تُحتَمل، وأخذ يتمتم كلمات غير مفهومة صارخاً بوجه الجندي: سأجعلك الوجبة المقبلة لهؤلاء الأسود أيها المأفون.
ارتعد الجندي من كلام سيده وقال له: “يا سيدي، ما كنت لأسمح لنفسي أن أتجرأ على حصانكم إلا بعد أن رأيت منه ما لا يعجبكم، فقد أصابته نوبة تمرّد أوقعت زوجتكم من على ظهره، وبدأ يشرح لسيده عن حركات الحصان التي لم يعهدها منه سابقاً، والتي كشفت عن عدم احترام أو خوف من أسياده وأنه مع كل حركة من حركات تمرده كان يصهل بأعلى صوته معتقدا أنه عاد إلى فضائه الحر في السهول والوديان التي أُجبِرَ على مغادرتها. ولم يتوقف الجندي عند هذا بل ذهب أبعد من ذلك وقال: خشيت يا سيدي أن يتجرأ في يوم من الأيام فيثور وأنتم على ظهره فيحصل ما لا تحمد عقباه، فسمحت لنفسي أن أعاقبه بالنيابة عنكم، معقباً بخبث: بإمكانكم يا سيدي جلب أحصنة كثيرة أكثر طاعة من هذا، مشيراً بيده إلى القفص، لكن من أين سيحصل الشعب على سيد حكيم وفارس ذهبي مثلكم… سنضيع من بعدكم يا سيدي إن حصل لكم أي مكروه ـ لا قدّر الله”.
أربكت كلمات الجندي رأس الفارس الذهبي، وبين الإعجاب بفصاحته والخوف من جرأته بدأ يبحث عن مخرج مناسب لورطته مع هذا الجندي التي لم يعهدها مع أي من جنوده من قبل، وما إن نبتت في رأسه الفكرة حتى انقض عليها كالنسر وقال له: أيها الحمار المارق ما كان لك أن تقدم على فعلتك هذه، حتى لو كانت نواياك سليمة كان يمكنك أن تخبرني وأنا بدوري سأعاقبه بطريقة الفرسان لا بطريقة الهمج أمثالك، وراح يزبد غاضباً: هل فكرت بما ستقوله الصحافة العالمية عن بلدنا الذي يحارب الإرهاب؟ كيف سيصدق المجتمع الدولي أننا نحارب التطرف بعد فعلتك هذه أيها الماجن؟ هل فكرت بجمعيات حقوق الحيوانات في الدول الغربية أيها الحيوان؟ هل خطر على بالك ما ستقوله عنا بريجيت باردو المدافعة عن حقوقكم؟ وبعد أن أفرغ الفارس الذهبي شحنته بجنديه الوفي سأله إن كان الحصان قد تكلم عندما أسقط زوجته عن ظهره، فانسل الجندي كالحرباء وأجاب: نعم يا سيدي تكلم كلاماً لا أقوى على ترديده أمامكم.
فردّ الفارس: قل لكن أخفض صوتك: فهمس له الجندي بأذنه ما تفوه به الحصان لحظة إيقاع زوجة الفارس عن ظهره، وما إن سمع الفارس ما قاله الجندي حتى انفجرت عيناه وهاج على الجندي مرة أخرى يضربه بقسوة أكبر وهو يقول: هذا ليس حصان ولا يصلح حتى أن يكون حماراً، ثم سأل الجندي إن كان أحد من الحضور قد سمع كلام الحصان، فأكد له الجندي أنه لم يسمعها سواه. فعادت إلى الفارس الذهبي سريرته وأبلغ الحرس أن يكافئوا الجندي بمنحه وسام شرف يعلق على شاهدة قبره مدى الحياة.
خاص “شبكة المرأة السورية”