وائل قيس
يتتبع الكاتبان محمد أبو رمان، وحسن أبو هنيّة في مؤلفهما المشترك “عاشقات الشهادة.. تشكّلات الجهادية النسوية من القاعدة إلى تنظيم الدولة” الصادر عن مؤسسة “فريدريش إيبرت” 2017 مسار ولادة مفهوم “النسوية الجهادية”، وما رافقه من تطورات منذ نشأته لأول مرة عام 1924، حيثُ يقتفي البحث المرجعي الأسباب الكامنة وراء تحول النسوة اللواتي يدرس الكتاب حالاتهن للسلفية الجهادية، التي بدأت أولى ظواهرها بشكل فعلي مع بروز المرحلة الجهادية الأفغانية لتطور لاحقاً وفق رؤية أبي مصعب الزرقاوي الذي دعا النسوة للمشاركة في العمليات الانتحارية، وبعدها تنامي ظاهرة السفر إلى مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية بداعي “الهجرة إلى أرض الخلافة”.
تأسيس النسوية الجهادية
يرجع المؤلفان ولادة “النسوية الجهادية” للفترة التي انتهى فيها الحكم العثماني للمنطقة العربية، ومرحلة بروز “الإيديولوجيا الجهادية” لمواجهة الاستعمار الغربي، وحماية الهوية الإسلامية عام 1924، حيثُ اعتبرت “المرأة الجهادية” خلال تلك الحقبة “أحد أهم رموز الهوية عبر الدعوة إلى التمسك بالأدوار الأساسية في الإنجاب وتربية الناشئة تربية جهادية”، وحافظت على دورها التقليدي خلال الفترة التي أعقبت زوال الاستعمار، وتأسيس الديكتاتوريات العربية قبل أن تأخذ منحى مختلفاً خلال حرب الأفغان ضد الاتحاد السوفياتي.
التطورات التي رافقت الحرب الأفغانية، بدءاً من انهيار الاتحاد السوفياتي، وتأسيس تنظيم “القاعدة”، وأخيراً انتشار الفكر الجهادي القاعدي خلال مرحلة “الربيع العربي” سمح بتطور “الجهادية العالمية”، والتي أفضت بانقسامها إلى قسمين: الأول يمثله تنظيم “القاعدة” الذي يولي اهتمامه لقتال “العدو البعيد”، والثاني ممثلاً بتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي اعتمد أسلوب قتال “العدو القريب”، مع تصاعد الخلاف الجهادي بين التنظيمين كان من أهم القضايا التي أبرزت دور المرأة “في العمل الإسلامي بصورة عامة، والجهادي بصورة خاصة”.
موقف التيار الإسلامي من النشاط الديني الجهادي للمرأة
يستقصي المؤلفان في القسم الأول للكتاب موقف التيار الإسلامي بشكل عام من مشاركة المرأة في النشاط “الديني الجهادي” بالانتقال بين المدارس الدينية المتشددة السلفية الوهابية الحديثة، مدرسة الإخوان المسلمين وما ساد بعدها من تنامي أفكار سيد قطب “وتأثير المرأة على حياته، ورؤيته لدور المرأة”، وأخيراً الجماعات الجهادية المحلية مثل تنظيمات “جماعة التكفير والهجرة” في مصر، أو “جماعة الطليعة المقاتلة” في سوريا.
والحركات الإسلامية السياسية المعاصرة تتميز في أساسها بأنها “تعود في جذورها إلى مرجعية دينية تستند أساساً إلى المدرسة السلفية بتنويعاتها المختلفة”، وهي في منطلقها الفكري للجهادية العالمية الراهنة ارتبطت بـ”تراث المدرسة السلفية بنسختها السعودية الوهابية، والمدرسة السلفية الحركية بترسيمتها الإخوانية القطبية”.
دور المرأة الجهادي قبل تنظيمي القاعد والدولة الإسلامية
على الرغم من عشرات المؤلفات الفقهية التي خلفها مؤسس السلفية الوهابية السعودية محمد عبد الوهاب (1703 – 1791) فأنه لم يخصص مؤلفاً كاملاً للحديث عن النساء في الحركة الوهابية، فهو تحدث عن المسائل الخاصة بالنساء ضمن الأبواب الفقهية، والتي تقوم “بصورة أساسية على أساس الفصل بن الجنسين”، أما فيما يخص “المسائل الاعتقادية” فهي “تختص بالمكلفين من الجنسين على السواء، وتؤكد على مبادئ التوحيد ومناهضة الشرك، وعلى الولاء للمسلمين والبراءة من المشركين”، كذلك عملت الحركة الوهابية على ترسيخ نفسها من خلال “صلات القرابة وشبكات النسب والمصاهرة وعلاقات العصبية”، وفيما بعد عمل شيوخ السلفية الوهابية على تصنيف الكتب والرسائل التي تلزم المرأة “البيت وتغطية وجهها في الخروج للضرورة، أو أمام الأجانب”.
وعلى خلاف المصدر المرجعي للجهادية الوهابية التي نشأت بعيداً عن مرحلة الاستعمار، كانت الجهادية النسوية التي خرجت متأثرة بسيد قطب (1906 – 1966) فهي ولدت من الرحم الاستعماري الذي أخذ يتشكل “عقب تفكك الإمبراطورية العثمانية وإلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924، من خلال الترسيمة الإخوانية”، التي يقول عنها المؤلفان إن مراحلها تبلورت مع سيد قطب، و”الجماعة الإسلامية المودودية”، نسبة لأبي الأعلى المودودي (1903 – 1979) مؤسس الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية.
ويرى الكاتبان أنه خلال هذه الفترة – مرحلة الاستعمار الغربي – احتلت المرأة في العالم العربي “موقعاً أساسياً في النزاع وأصبحت أيضاً رمزاً للصراع السياسي ضمن سياقات الهوية، كما إنّها أخذت بعداً نوعياً كمنتجة للجهادين”، فقد عمل حسن البنا (1906 – 1949) مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر على تأسيس فرع نسائي للحركة عام 1933 عرف باسم “الأخوات المسلمات”، ويتألف من “من نساء الإخوان وبناتهن وقريباتهن، وأطلق عليه بعد ذلك اسم (فرقة الأخوات المسلمات)، وهو ما يُمكن اعتباره امتداداً لما كان البنا قد أسسه في الإسماعيلية باسم (أمهات المؤمنين)”، وترأسه لأول مرة لبيبة أحمد”، وهي أول امرأة في العالم العربي “بدأت بتأطير منهاج خاص بالمرأة المسلمة لنيل حقوقها”.
هذا التأثر كان ناجماً عن الأطروحات التي ألفها سيد قطب، وأحدثت “تحولاً في تأسيس الحالة الجهادية عموماً، وأسست نواة الجهادية النسائية خصوصاً”، فهو كان بتأسيسه للجهادية النسائية لا يتحدث عن المرأة والرجل، إنما عن “الإنسان باعتباره مستودع القيم، ومن ثمّ فإنّ مفاهيمه تدور حول مسألة الحاكمية الإلهية الملزمة اختياراً للإنسان بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة”، لكنه في المقابل تحدث أيضاً عن “الأسرة كمنتجة للقيم وعن العلاقة بن الرجل والمرأة وفق التخصص الوظيفي”، لذلك كانت لمؤلفاته تجاوباً من طرف “الأخوات المسلمات”.
وحملت كافة الجماعات الجهادية في العالم العربي بمضمونها تشابهاً في بنيتها التنظيمية التي اقتصرت على الذكور، فيما كانت دور النساء مقتصراً على “على الدعم الإسناد، بحكم صلات القرابة والنسب”، لذلك كان دور النساء محدوداً لا يتجاوز “بعض الأدوار اللوجستية”، وفيما بعد إبان ظهور المرحلة الجهادية الأفغانية سمح عبد الله عزام (1914 – 1989)، أحد أهم منظري الحركة الجهادية الأفغانية “رغم تحفظه” للمرأة المشاركة في الأعمال القتالية “إذ أفتى بخروج المرأة للجهاد دون إذن زوجها أو وليها في حالة الاعتداء على الأمة، أو احتلال أراضي المسلمين”، إلا أنه في نفس الوقت كان “يقيد مشاركة المرأة والسفر بوجود مرافق من الذكور (محرم)، ويحصر دورها في مجال الأعمال اللوجستية غير القتالية” مستنداً بذلك للالتزام المرأة الأفغانية عدم القتال.
الدور الجهادي للمرأة في تنظيم القاعدة
يمثل مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن (1957 – 2011) أكثر النماذج التي ألتزمت بالنصوص الفقهية لمنظري الحركات الجهادية السابقين بزواجه من خمسة نسوة، وعقد قران بناته على قيادات من تنظيم القاعدة، كما كان في نفس الوقت “متحفظاً على استدخال المرأة” التي غابت عن كافة خطابته، لكنه خص النسوة في وصيته مطالباً أن يكنّ “مدرسة لتخريج الرجال والمجاهدين في سبيل الله”، وسار أيمن الظواهري الزعيم الحالي للقاعدة على نهج بن لادن في نظرته لدور المرأة الجهادي، بقوله ذلك بصورة قاطعة “ليس في جماعة (قاعدة الجهاد) نساءٌ، ولكن نساء المجاهدين يقمن بدور بطولي في رعاية بيوتهم وأبنائهم في شدة الهجرة والتنقل والرباط”.
وفي عام 2009 نشرت مؤسسة “السحاب” الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة كلمة بعنوان “رسالة إلى الأخوات المسلمات” لزوجة الظواهري، أميمة حسن، لم تخرج فيها عن الخط الذي رسمه بن لادن ومن بعده الظواهري للنسوية الجهادية، معيدةً التأكيد على أهمية دور المرأة في المنزل لتربية الأولاد، وعملها في مساعدة أسر الجرحى والأسرى، محذرةً من أن طريق للقتال “ليس سهلاً بالنسبة للمرأة، فهو يحتاج إلى محرم، لأن المرأة يجب أن يكون معها محرم في ذهابها وإيابها”، إلا أن المناطق التي كانت تتواجد فيها تنظيمات جهادية تخضع لاحتلال أجنبي مباشر لم تتأثر كثيراً الأمر الذي دفع فروع القاعدة الإقليمية للتأثر بها مثل الشيشان والعراق، ويرى المؤلفان أنه “كان تأثير قائد المجاهدين العرب في الشيشان (خطاب سامر سويلم) والمسؤول الشرعي أبو عمر السيف واضحاً في استدخال المرأة في الجهاد”، وقد كان أبي مصعب الزرقاوي (1966 – 2066) مؤسس تنظيم “التوحيد والجهاد” في العراق، ويوسف العييري (1974 – 2003) مؤسس تنظيم القاعدة في السعودية متأثران بأفكار القياديين الشيشانيين أكثر من بن لادن والظواهري فيما يخص المرأة تحديداً، وسجل ظهور أول صحيفة نسائية جهادية “الخنساء” في زمن فرع القاعدة السعودي.
دور المرأة في تنظيم الدولة الإسلامية
عمل الزرقاوي بعد تأسيسه لتنظيم “التوحيد والجهاد” على دمج المرأة في الأعمال القتالية وغير القتالية داخل تنظيم الدولة الإسلامية، حيث “شكلت الإيديولوجية الوهابية والتجربة الجهادية الشيشانية خيطاً ناظماً” لتصوراته، غير أن الدور النسائي في جماعة الزرقاوي لم يبرز قبل نهاية عام 2004 عندما أعلن رسمياً استهداف شيعة العراق لأسباب طائفية الأمر الذي دفع إلى “استدخال المرأة في صفوف قاعدة العراق على خلفية تصاعد الطائفية والحرب الأهلية في ظل الاحتلال الأمريكي وتنامي اعتقال نساء السنة مع صدور قانون الإرهاب”، حيث أكد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش تعرض أكثر من مائة امرأة محتجزة للتعذيب والاغتصاب.
ومثل الزرقاوي تغيراً جذرياً لموقف تنظيم القاعدة من المرأة، عندما حمّل في كلمة له عام 2005 “النساء مسؤولية مباشرة وطالبهنّ القيام بأدوار لوجستية متعددة، ومهّد لبداية إشراك المرأة في الأعمال القتالية والانتحارية”، الذي يعتبره الكاتبان بأنه عبر هذا الخطاب دشن “استدخال المرأة في هياكل الجهادية العالمية”، مؤسساً في الوقت عينه “لنموذج (المرأة الاستشهادية) في مقابل (الرجل المتخاذل)”، واستطاع بذلك استثمار الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في السجون العراقية داخل “مجتمعات دينية محافظة”، وقد تحقق بالفعل ما كان يرمي إليه الزرقاوي في كلمته بعد أن ارتفعت نسبة المتطوعين العرب والأجانب من الرجال والنساء في صفوف تنظيمه.
وبعد خطاب الزرقاوي الذي حض فيه النسوة على الجهاد، دشن التنظيم في تشرين الأول/ أكتوبر 2005 أول عمليتين انتحاريتين تنفذهنّ اثنتان من النسوة بشكل منفصل في مكانين مختلفين، الأولى نفذتها البلجيكية موريل ديغوك (1967 – 2005) عندما فجرت نفسها بدورية أمريكية راجلة في مدينة “بعقوبة” العراقية، والثانية نفذتها العراقية ساجدة الريشاوي (1970 – 2015) في العاصمة الأردنية عمان، وتمكنت السلطات الأردنية من اعتقالها لعد انفجار حزامها الناسف ونفذت فيها حكم الإعدام عام 2015. وفي عام 2007 أعلن عن تشكيل أول كتيبة نسائية لفرع القاعدة العراقي عرفت باسم “كتيبة الخنساء” مكونة من 26 انتحارية أغلبهنّ من أقارب عناصر تنظيم القاعدة.
وفي منتصف عام 2008 تشكلت ثاني كتيبة نسائية شمال العراق على يد أم سلمة المعروفة باسم أميرة سرية “ذات النطاقين الاستشهادية”، ويعتقد أنها زوجة أبو عبيدة الراوي القيادي في تنظيم القاعدة شمال العراق، وعلى عكس الأولى الكتيبة التي التزمت الصمت، عملت الثانية على إصدار البيانات متوعدة بـ”انتقام تصبه عشرات من نساء الفلوجة وبغداد وديالى وثكالى وأرامل الموصل”، وكانت أول كتيبة نسائية تظهر بشكل علني على الساحة الجهادية.
وعندما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية ما يعرف باسم “دولة الخلافة الإسلامية” في العراق وسوريا ظهرت أدوار محدودة للمرأة في العمليات الانتحارية في مناطق نفوذه، لكن ذلك لم يمنع من تصاعد دورها في مجالات (الشرطة، الحسبة، الدعاية، التعليم، والصحة)، كما أنه سجلت مشاركة “النساء في عمليات انتحارية من بعض فروع التنظيم الخارجية التي أطلق عليها (ولايات الخلافة)، وخصوصاً ولاية غرب إفريقيا في نيجيريا وولاية طرابلس في ليبيا”، فضلًا عن ظهور الانتحاريات ضمن خلايا التنظيم، وتنفيذها هجمات على غرار تلك التي عرفت في أوروبا باسم “الذئاب المنفردة”.
ظاهرة الجهاديات المهاجرات
القسم الثاني من الكتاب البحثي يتحدث عن ظاهرة الجهاديات المهاجرات في تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، حيثُ يقدم الفصل الأول قراءة لمسار ثلاثة نماذج من النسوة في تنظيم الدولة الإسلامية على التوالي، النساء اللواتي قبض عليهنّ قبل التحاقهم أو بعد التحاقهم بالتنظيم، والطبيبات الثريات السودانيات، والشخصية النسائية المعروفة في أوساط السلفية الجهادية باسم فتيحة المجاطي، وإذا كان دور القسم الأول مقتصراً على تأثر الفتيات بأفكار التنظيم فإنهنّ أوقفنّ قبل أن يتمكنّ من الانضمام إليه، أما القسم الثاني كنّ عبارة عن مجموعة من الطلبة أو خريجي جامعة العلوم الطبيعية في الخرطوم غادرنّ عام 2015 على شكل ثلاثة مجموعات إلى مناطق سيطرة تنظيم الدولة حيثُ بلغ مجموعهنّ 12 فتاة، وكنّ فتيات المجموعة الأولى تحملنّ الجنسية البريطانية وعائلاتهنّ تقيم في بريطانيا، أما المجموعة الثانية فكان من بينهنّ بريطانية واحدة، وابنة المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، وتشكل ظاهرة هؤلاء الفتيات التي لم تتجاوز إحداهنّ الـ25 من عمرها تشابهاً في أنهنّ كنّ ينتمين لعائلات ثرية.
ويتحدث النموذج الثاني عن مسيرة فتيحة المجاطي المعروفة بين أوساط السلفية الجهادية بأم آدم المجاطي أيضاً، والتي يقول عنها الكاتبان إن “أسطوريتها” لا تمكن في وجود دور بارز تقوم به داخل التنظيم، ولا في أعمالها النوعية، إنما بـ”الرحلة الاستثنائية الي مرّت بها، والمراحل الي عبرتها، من (الثقافة الغربية) إلى (الحجاب)، ثم الانتقال إلى السلفية الجهادية، بدايةً من أفغانستان، مروراً بتجربة الحياة في ظل حكم طالبان، وصولاً لمرحلة السجن القاسية (في السعودية)، ونشاطها المغربي، وأخيراً الهبوط في (أرض الخلافة) لتلحق بابنها الذي سبقها إلى هناك”.
كما يناقش الكاتبان في فصل منفصل النسوية الجهادية في السعودية التي أحدث طفرة في نقلتها خلال السنوات العشر الماضية “وشكلت ظاهرة نسائية جهادية لافتة”، محاولان التقرب بدراستهما لـ21 حالة “لنساء سعوديات، أو يعشن بالسعودية، ارتبطن بـ(المجتمع الجهادي) بطرق وأدوارٍ مختلفة”، وتحديد السمات المشتركة بينها مثل الخلفية الاجتماعية، شبكة العلاقات، ومراحل التطور على سبيل المثال لا الحصر، وينوه الكاتبان إلى ما يواجه الباحث في هذا السياق من “صعوبة فهم ظاهرة الجهاديات السعوديات دون الإلمام بالتطورات العامة الي حدثت في مسار السلفية الجهادية السعودية الممتدّة لأكثر من ثلاثة عقود منذ حقبة الجهاد الأفغاني”.
لكن النسوية الجهادية السعودية غيرت من وجهتها مع بروز تنظيم الدولة الإسلامية عندما أصبحت مناطق سيطرته مقصدها عوضاً عن تنظيم القاعدة، حيثُ انقسمت مشاركتهنّ مع تنظيم الدولة لثلاثة نماذج، أولهما النموذج الإعلامي والتوعبوي تمثله أم أويس التي حوكمت بالسعودية بتهمة مبايعة التنظيم، وتقول الرواية الرسمية إنها أنتجت أفلاماً بطلب من التنظيم لمناظرات لأعضائه مع حركة أحرار الشام الإسلامية، وثانيهما نموذج الهجرة والنفير ممثلاً بهجرة النسوة السعوديات إلى أراضي التنظيم على غرار “مطلقة ساجر” التي سافرت إلى الرقة مع أولادها الثلاث الذين تتراوح أعمارهم بين 12 – 16 عاماً في 2015، وأخر النماذج النسوة المشاركات في العمليات التي ينفذها التنظيم.
ويفرد المؤلفان فصلاً كاملاً لمناقشة ظاهرة أستاذة الشريعة الدمشقية لـ15 عاماً في جامعة الدمام إيمان البُغا التي تنتمي لعائلة معظم أفرادها أساتذة في الشريعة، ووالدها أحد أبرز علماء الدين الدمشقيين مصطفى البُغا، وقتل ابنها المعروف بأبي الحسن الدمشقي (15 عاماً) في معارك كان يخوضها تنظيم الدولة عام 2016، حيثُ مثلت بسفرها إلى الرقة “انتقالها من النظرية إلى التطبيق” فيما تعلمته من دروس فقهية، كما يرى الكاتبان بأن علاقتها مع عائلتها غير واضحة من خلال مراقبة نشاط العائلة فيما بينها على موقع “فيسبوك”، ويضاف إليها تأثير أبنائها الثلاثة المحتمل عليها، ودراسة شخصيتها من خلال منشوراتها على “فيسبوك” التي فسرها البعض بأنها “غرور وتعال” كانت جميعها عوامل مشاركة في سفرها لمعاقل التنظيم.
وفيما يتعلق بالنسوة الأوروبيات المسافرات إلى مناطق نفوذ تنظيم الدولة، تقول أغلب التقديرات إن نسبتهنّ تصل لـ10% للعدد الكلي للمهاجرين الأوروبيين ذكوراً وإناثاً، ويقدم الكاتبان قراءة لظاهرة التحول في طريقة تفكيرهن للسلفية الجهادية من خلال نموذج الجيل النسائي القاعدي في أوروبا ممثلاً بملكية العرود، والجيل الجديد من الجهاديات المنتميات لتنظيم الدولة بتطرقه لدراسة “الجهاديات الفرانكفونويات” القادمات من فرنسا وبلجيكا بينهنّ العرود المعروفة باسم “الأرملة السوداء”، والجهاديات البريطانيات بينهنّ سمانث أليثيويت المعروفة ضمن الإعلام الغربي باسم “الأرملة البيضاء”، ويرجع الكاتبان سبب التحاق النسوة الأوروبيات بتنظيم الدولة بدلاً عن القاعدة كون الأول أعطى استقطاب العامل النسائي اهتماماً كبيراً، كما أنه طور من منظوره لدور المرأة مخصصاً لها جزءاً من دعايته الإعلامية.
ويخصص الكاتبان أخر فصول الكتاب للحديث عن الأمريكيات في تنظيم الدولة التي يلاحظ فيها ظهور “مؤشرات مقلقة ترتبط بارتفاع حجم النشاط والتأثير لأنصار التنظيم، وازدياد دور النساء الأمريكيات، أو المقيمات في أمريكا..” حيثُ تتعدد أدوارهنّ من التجنيد الإلكتروني إلى الدعاية والدعم اللوجستي والسفر إلى مناطق نفوذ التنظيم، ويتميز الجيل الجهادي الجديد من النسوة الأمريكيات في أن معظمهنّ من المؤيدات أو المناصرات للتنظيم عبر دراسته لأربعة نماذج، ويبرز دور شبكة الانترنت عاملاً أساسياً في عملية الانتقال الإيديولوجي للفكر السلفي الجهادي للنماذج المدروسة التي ساعدها ما يمتلكه عناصر التنظيم من خبرة في مجال التجنيد الإلكتروني.
من الممكن ألا توفي هذه القراءة كافة الجوانب التي تطرق لها الباحثان في الكتاب، لكن لا يمكن إهمالها دون الرجوع باعتبارها عملاً مرجعياً مهماً بدراسته لظاهرة النسوية الجهادية على مدار قرن كامل تقريباً، طريقة نشوئها وتطورها حتى يومنا هذا، فهو غاص في تقديم قراءات لظواهر متنوعة على المستويين المحلي والعالمي.