سلمى الدمشقي
في أحد دروس تعليم المبتدئين اللغة الإنكليزية للنساء، خطر لصديقتي المعلّمة أن تفتح مجالاً للنقاش والتفاعل بذكر كلمة “divorce” (الطلاق)، وما إن ذكرت معنى الكلمة حتى أجابتها احدى النساء بعبارة الله يبعدنا عنه، وتوالت ردود الأفعال والتي تتمحور حول المعنى ذاته، الطلاق هو أكثر الشرور التي قد تصيب المرأة.
مهما كان الزوج سيئا مع زوجنه وأطفاله، ومهما كانت عاداته وخصاله لا تطاق، ومهما احترقت المرأة بنار الغيرة من وجود زوجها مع امرأة غيرها، أو تعرضها للضرب والإهانة والتعنيف منه، إلا أن البقاء في بيت زوجها وتحمّل طيشه يظلّ أفضل من العودة إلى بيت أهلها بصفة مطلقة، حيث ينظر إليها الكل بنظرة الريبة إن أرادت الخروج أو العمل، فهي مطلقة وألسنة الناس لا ترحم، وتصبح عبئاً على بيت أهلها بنفقتها، خاصة إذا كان معها أطفالها الصغار، وتصبح طبعاً خادمة لزوجات الإخوة، ومن غير شكر، بل هي التي تشكر الجميع لانهم احتووها وأطفالها بعد طلاقها، وفي كثير من الاحيان قد يجبرونها أن تتخلى عن حضانة أطفالها وتتركهم لرحمة زوجها، لأنهم لن يربوا أولاد الغريب.
النساء جميعا يخفن من الطلاق، مهما اختلفت البيئة والمستوى التعليمي وظروف الأسرة، كانت لديّ قناعة سابقاً أن اللواتي يخفن من الطلاق هن فقط ربات البيوت التقليديات غير المتعلمات أو اللواتي لا يعملن وليس لديهن وظيفة وراتب ثابت، وكانت عبارة (مهما شَرّق وغَرّب فمرجوعه لبيته) هي السائدة، وتعني أنه للرجل نزوات كثيرة خارج البيت لكنه رجل والرجل لا يعيبه شيء، والمرأة هي التي تحفظ البيت وترعى الأولاد في غيابه، فهذا دورها وهو سيعود عاجلاً أو أجلاً.
وترتفع نسبة الطلاق قليلا في أوساط النساء المتعلمات، واللواتي لديهن دخل ثابت حيث يتجرأن أكثر على طلب الطلاق حين تصبح الحياة الزوجية مستحيلة، لكنهن يواجهن أيضاً عوائق كثيرة، منها مصلحة الأولاد في بقاء الأبوين معاً بدلاً من تفكك الأسرة وتشرد الأطفال، ومنها تدخل الأهل والمجتمع، حيث تصبح حياتهن بعد الطلاق جحيماً، ويصبح تدخل الجميع بهن وبتحركاتهن حقاً مشروعاً للأخ والعم والخال وحتى الأقرباء البعيدين، وتستطيع نسبة قليلة منهن الحفاظ على توزانها وسط هذا الحصار القاتل، أما الكثيرات فيفضلن الطلاق الصامت والعاطفي على الطلاق في المحكمة، حيث تبقى في بيتها مع زوجها ولكل منهما حياته الخاصة بدلاً من المجاهرة بالطلاق.
وثمة حالة لإحدى السيدات المتعلمات وصاحبة دخل جيد، هجر زوجها بيت الزوجية ثلاث سنوات، وكانت تعرف أنه يخونها، لكنها رفضت الطلاق بشكل قاطع، وعندما ناقشتها أن الطلاق بحالتها أفضل، خاصة أنها تستطيع العيش بمفردها، أوضحت لي أنه لا توجد في عائلتها نهائياً أي حالة طلاق وإخوتها يرفضون رفضاً قاطعاً تطليقها، وهي لا تستطيع مواجهتهم.
كما أصرت أخرى على الطلاق، وحين عادت إلى بيت أهلها لم تستطع تحمل تدخلهم في شؤون حياتها، وكان الخيار الأفضل من وجهة نظرها أن تتزوج رجلاً آخرَ يكبرها بربع قرن، للهروب من جحيم وضعها كمطلقة.
ولو عدنا إلى قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالطلاق، لوجدنا أن الزوج حين يقوم هو بفعل الطلاق يستطيع متى شاء أن يطلق زوجته شريطة أن يدفع مهرها كاملاً مع نفقة شهرية للأطفال إذا ما كانوا في سنّ حضانة الأم.
وهناك الطلاق التعسّفي، حيث يطلق الزوج زوجته دون أسباب واضحة، وإذا تبين للقاضي أن الزوج متعسف في قرار الطلاق دون سبب معقول، وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة، جاز له أن يحكم لها على مطلقها، حسب حاله ودرجة تعسفه، بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة.
وليس من حق المرأة المطلقة طبعاً أن تبقى في بيت الزوجية، حتى لو كان أطفالها في سن الحضانة، بل يجب أن تعود إلى بيت أهلها، وليس من حق المطلقة أن تأخذ أي شيء من أثاث البيت حتى لو كانت موظفة وتدفع راتبها ضمن نفقة البيت، ما دام لا يوجد معها أي فاتورة أو دليل مادي على تملكها أثاث البيت، أما حين تطلب الزوجة الطلاق فتسقط حقوقها في أخذ كامل مهرها، بل تأخد جزءاً منه حسب رؤية القاضي لأسبابها في طلب الطلاق، والشائع أن الزوج نادرا ما يقوم بتطليق زوجته حتى لا يدفع لها مهرها ونفقة أطفالها ما دام قادراً على هجرها، وعلى الزواج مثنى وثلاث ورباع، وعندما يقتنع الزوج باستحالة العيش مع زوجته يسيء معاملتها بشكل كبير حتى يدفعها هي لطلب الطلاق، حتى تسقط حقوقها المالية بموجب القانون.
هناك نوع وحيد من أنواع الطلاق يراعي جزئياً حقوق المرأة، وهو المخالعة الرضائية، وبموجبه يقوم الزوجان معاً بالتقدم إلى المحكمة بطلب الخلع بينهما، ويكونان متفقين على كافة الشروط المالية بينهما، وهذا النوع طبعاً نادر الحدوث، إلا في بعض الأوساط المتعلمة والبرجوازية.
وهناك دائماً خوف لدى المطلقة من أن يأخذ زوجها الأطفال، عندما يتجاوزونا السن القانونية لحضانة الأم. وما يلفت الانتباه في السنوات الأخيرة من الأزمة، هو ارتفاع نسبة الطلاق بشكل ملحوظ خاصة في السنتين الأخيرتين.
وقد كشف القاضي الشرعي الأول بدمشق “محمود المعراوي”، حسب الإحصاءات الموجودة في المحكمة الشرعية بدمشق، وجود ازدياد ملحوظ بأعداد دعاوى الطلاق على اختلافها، ففي السنوات السابقة للأزمة كانت المحكمة توثق 3 آلاف حالة طلاق في العام الواحد، لكنها تزايدت خلال الأزمة لتصل إلى 7300 حالة في عام 2016.
وأعتقد أن هذا مرجعه أن النساء، في هذه السنوات، اختبرن كل أنواع العذاب من فقدان الأبناء والنزوح والتشرد والجوع وويلات الحرب، فأصبح الطلاق أهون الشرور، خاصة أن البنية العائلية قد تفككت، ولم تعد هناك عائلة كبيرة لدى كثير من الأسر السورية، فقد ساهم اللجوء والنزوح والسفر والقتل إلى تفكك العائلة بشكل كبير وبالتالي قل عدد الذين يتدخلون بهذا القرار.
كما خرجت أيضاً أعداد كبيرة من النساء، في ظلّ غياب الأزواج والأبناء، من بيتها وواجهت المجتمع لإعالة أطفالها، ودخلت سوق العمل بكافة أشكاله، وبالتالي كان طلب الطلاق من زوج مفقود لا يُعرف أين هو حق مشروع لها لاستكمال حياتها في حال وجدت شريكاً آخر لها.
كما زاد من حالات الطلاق أيضاً، تشرد الأسرة وافتراق الأب والأم بين اللجوء والنزوح أو حتى داخل البلاد. وهناك حالات كثيرة من النساء وبمجرد وصولهن بلاد المهجر، خاصة البلاد الأوربية، يطلبن الطلاق من أزواجهن، وهن من كن يخشين الطلاق منهم في البلد برغم سوء معاملتهم، إلا أن حكومة اللجوء ستؤمن بيتاً للمرأة وأطفالها.
ولا بد هنا من الإشارة الى أهمية تحديث قوانين الأحوال الشخصية، في ما يخص أحكام الطلاق، مراعاةً لمصالح المرأة والطفل، وضرورة أن يكون بيت الزوجية من حق المرأة ما دام أطفالها في سن حضانتها، خاصة في ظلّ تداعيات الأزمة السورية وانعكاساتها السلبية على وضع المرأة بشكل عام والمطلقة بشكل خاص.
خاص “شبكة المرأة السورية”