نبال زيتونة
”رِيا سِلفيا” السوريّة تستنهضك. فهي لن تتخلّى عن أطفالها … من عذاباتهم واقتلاع أظافرهم وتقطيع أوصالهم صنعت ثورة. من عتمة زنازينها هتفت للحريّة، ومن تحت الأنقاض رسمت أفقاً للحياة … هامت في الأرض وتقطّعت بها السبل، ومازالت تعبّد طريق العودة بيديها وقلبها والأمل!
لقد اغتصب الزناة عرش أبيها، واستباحوا دمها.
انهض يا مارس!
فالكاهنة العذراء قالت كلمتها، ولن تستسلم لهمجيّة هذا العالم، وصفاقة حكّامه ورعاعه المحكومين بوحشيّة قيمهم!
يحدث أن تولد الأسطورة مرّتين وبروايتين.
الأولى ابنة نوميتور ملك ألبا لونكا وابناها رومولوس وريموس، والثانية هي ابنة هذا التراب، وسليلة أقدم خيوط الشمس … وأبناؤها الملايين، يُقتلون ويقطّعون ويُردمون ويُخطفون، ويساقون للموت فرادى وجماعات.
السوريون أبناؤك يا مارس.. وأمواج نهر التيبر التي تقاذفت التوءمين تتقاذف السوريين، كلّ السوريين وفي كلّ اتّجاه.. وسفوح تلّ البلاتين التي شهدت عذابات التوءمين وتشرّدهما، تمتد من مشارق الأرض إلى مغاربها.
انهض يامارس!
أين حيوانك المقدّس، أين ذئبتك الحامية لتنقذ من تبقى من السوريين على تلك التلال، وفي عمق القيعان واتّساع الأمداء.. بنبضك يا مارس، سيشبّ السوريون حَمَلة بذور الحياة، ورعاة المستقبل.. سيبنون مدنهم وقراهم على ضفاف التيبر السوريّة المقدّسة، استجابة لإرادة الإنسان فيهم.
كلّ الميادين هي ميدانك يا مارس.. داخل أسوار المدن وخارجها، في الحقول والأرياف، على ضفاف الأنهار وفي الصحارى، تحت الشمس وفي الظلال.
على مذابحك المنتشرة في طول البلاد وعرضها، قدّمنا لك الأضاحي، أطفالاً ونساءً، شيباً وشبابا وزرعاً ومواسم وأنعاماً، وعشنا طقوس الموت لننال بركة الحياة.. أنت قِبلتنا يا مارس، لأنّك والحريّة صنوان.. أنت الثالث في ثالوثنا المقدّس؛ مارس والأرض والإنسان.. أنت المنتقم لذلّنا.
فكلّ مدينة في بلادي، تستحقّ أن تكون مقرّ كهنوتك الأعظم، فيها نحفظ الحراب المقدّسة، وترس الإله الذي سقط ليس من السماء، بل من أظافر أطفالنا الغضّة.
انهض يا مارس!
سنهزّ فؤوسنا المقدّسة، لنعيد الحياة إلى مدننا والحقول، لنفتح بوابات الظلمة وزنازينها للشمس.. فقد اشتاقت معاولنا للتراب، انهض لتحمي زرعنا، وتمسح جلود قطعاننا فتتكاثر وتملأ الأرض خيراً، وتبارك محاصيلنا التي طال انتظارها.. ولتبعد القحط والخراب عن ديارنا.
سنعيد لك وجهك الأخضر يا مارس … وستكون أعيادك في كلّ الفصول ربيعاً وأمناً وحياة.. وبهديك سنجلو نزق الرايات الخرقاء ولئام الساسة.. ستنتصر ذئبتك العصيّة على الفناء على كلّ ضباع العصر.
وستكون حارسنا.. حارس السوريين.. وسنكون أبناءك أبناء الحياة.
منذ خمسين عاماً وفينوس السورية بانتظارك يا مارس.. ونحن نتلّهف لميلاد كيوبيد وآمور وكلّ آلهة الحب، إذ لا يهمّ اختلاف الأسماء والألوان والأجناس واللغات.
انهض يا مارس!
لا نريد رسمك بارداً في متاحفنا، لا نريد اسمك حروفاً في أغانينا. نريدك حيّاً بيننا، تدرج على تراب أرواحنا لتستنبت الحياة فيها من العدم.. فكم غمر هذا التراب لنا أحبّة وكم غيّب من فلذات أكبادنا.. سنترك للتاريخ أن يعيد كتابة الأسطورة التي عشناها دون غيرنا من أمم الأرض، ولن يحتاج أحد للمخيّلة، فالقصّة حقيقيّة، ماثلة على الأجساد والنفوس والضمائر، كما على التراب والحجارة.
انهض يا مارس!
سنخلّد رسمك كما لم يخلّده رسام أو نحّاتٌ من قبل.. سنطوي صفحة روبنس ورمبرانت وغيرهما، كما غيرهم من كبار الموسيقيين، وسنتولى عزف ألحاننا من وحي مارس السوريّ وڤينوس السوريّة.. وهكذا نختم روايتنا العظيمة؛ مغامرة الحبّ والحياة!
سنطلق اسمك على شهور الخير والكواكب القصيّة، سنطلقه على أبنائنا وزرعنا وقطعاننا والمحاصيل.
انهض يا مارس!
نحن الكهنة السوريين.. سننزع عنّا ثياب الحرب وأسلحتنا القديمة، لنؤدّي رقصة الحياة، على وقع أناشيد الحريّة، وأنغام جني المحاصيل، وطقوس ملامسة الفؤوس للتراب.
هذا حلمنا.
سننزع عنك ثياب المقاتل، ونغسل سيفك المنتقم بدمنا.. سنقيم لك معابد للحبّ والحريّة في قلوبنا.. ونخلّد قصصك ومغامراتك على فسيفساء قلوبنا على تنوّعها.
آن أن تنهض يا مارس.
آن أن تنهض.
خاص “شبكة المرأة السورية”