شام المصري
جرت العادة أن تنشر مارفيل كوميكس كتب مصورة عن أبطال خارقين ينقذون العالم من الأشرار، إلا أن المجلة قررت هذه المرة أن تخالف هذه العادة فاستحالت “أم من مضايا،” الأم السورية لخمسة أولاد يعيشون في المدينة السورية المحاصرة مضايا، البطلة الأحدث.
وقد صرح رسام مارفيل كوميكس داليبور تالاجيك، وهو من زغرب، كرواتيا قائلا: “إن البطولة، أو البطولة الخارقة، هي مسألة قلب وعزم، وليست مسألة قدرات خاصة. فإذا حافظت أم على قوتها في خضم حرب وكانت هادئة ومحبة لعائلتها وتحدثت باسم جميع الأمهات اللواتي يعانين من الحرب، فهي تستحق أن تصنّف على أنها بطلة خارقة.”
وقد تمكنت ايه بي سي نيوز من الاتصال بامرأة سورية وتسجيل شهادتها في مدونة على موقعها الإلكتروني فأطلقت على الأم اسم “أم من مضايا،” وذلك لحمايتها.
“أم من مضايا،” هي قصة مصورة مجانية رقمية أنشأتها ايه بي سي نيوز حديثا مع مارفيل كوميكس، وهي قصة حقيقية عن أم سورية وأطفالها الخمسة تمت محاصرتهم داخل البلدة السورية مضايا على يد الرئيس السوري بشار الأسد الذي بدأ بمحاصرة البلدة في تموز / يوليو عام 2015. المرأة وأطفالها يحاربون الجوع ويعانون من ظروف معيشية غير صحية في ظل تهديد بالعنف.
لم تتمكن المرأة من الخروج من مضايا، ولم تستطع ايه بي سي نيوز الدخول. وبما أن الشبكة أرادت إضفاء طابع صوري على القصة، توجه منتج ايه بي سي ريم ممتاز إلى مارفيل ليسأله ما إذا كان يمكن تصوير رسائل المرأة، حسب ما جاء على لسان تالاجيك، الذي أضاف: “وبما أنني كنت أعمل مع مارفيل لسنوات وأصبحت معروفا بقدرتي على رسم صور بمعلومات قليلة جدا، طرحوا علي تصوير قصتها.”
وقال تالاجيك، الذي بدأ في عام 2009 العمل في مارفيل بشكل شبه حصري، إنه كان على علم تام بحساسية المعلومات وإنه لم يكن يريد “الانزلاق إلى إثارة الأحاسيس بشكل زهيد.”
تجدر الإشارة إلى أنه في أوائل التسعينيات، أنتج المصور بضعة قصص حرب قصيرة عندما كانت الحرب تعصف بكرواتيا.
وأضاف تالاجيك: “لكن كان هناك نظرة رومانسية ساذجة للحرب في قصصي، لم يكن هناك أي شيء من هذا القبيل. بالنسبة لي، إن قصة “أم من مضايا” بغاية الجدلية من وجهة النظر الإنسانية. فهي ليست قصة حقيقية جرت منذ عقد من الزمن، بل قصة تدور اليوم. وفيما نتكلم الآن، لا تزال هذه المرأة تعاني من وضعها المرير.”
في القصة، تقول البطلة: “لم يبق سوى قطط وكلاب” وإن الماء باردة جدا نظرا لعدم وجود الكهرباء، باردة لدرجة أننا عندما نمسها “سرعان ما نتخدر.” وتصف كيف أنها وأطفالها يعانون من الجوع والبرد الشديد، وتقول إن الخروج من البلدة بغاية الخطورة بسبب قناصة النظام والقصف اليومي.
بحسب تالاجيك، كانت اللحظة الأصعب عليه في خلال رسم القصة هي عندما قررت الأم التوقف عن الأكل لكي يتوفر لأطفالها المزيد من الطعام، مضيفا: “وذلك لأنها اتخذت القرار بطريقة بعيدة كل البعد عن الدرامية وكانت طبيعية وهادئة، كما لو أنها غيرت قميصها بكل بديهية وبساطة “.
دخل حصار مضايا عامه الثاني. وقد قضى العشرات فيها من الجوع وسوء التغذية في حين يقوم أطفالها بجمع العشب والأوراق لتحضير الحساء ويتمايلون في سيرهم حسبما أظهرت التقارير. ويعيش ما يقرب من مليون سوري في ظروف الحصار في حين ينتظر 4.5 مليون آخرين المساعدات الإنسانية. وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في يناير/ كانون الثاني إن استخدام المجاعة كسلاح في سوريا هو “جريمة حرب”.
منذ عام 2011، استجاب العديد من الفنانين السوريين إلى الحرب الأهلية الدائرة واستخدموا أقلامهم لنقل الاحتجاج الناتج عن قتل الناس والسخرية من استبداد نظام الأسد. وقد ألف فنان الكرتون الكردي السوري كانيوار زيدان العديد من الرسوم الكاريكاتورية حول الحرب الأهلية السورية، بما في ذلك رسم يفسر معاناة الأطفال الذين يعيشون في مضايا.
في تصريح قال زيدان، الذي فر إلى ألمانيا قبل أن تبدأ الحرب: “عندما رأيت لأول مرة قصة مارفيل المصورة حول أم سورية عادية، أعجبني الأمر كثيرا. فهو يصف تماما معاناة الأمهات في المناطق المحاصرة وما نريد أن نوصله نحن الفنانين للعالم.”
إلا أن هذه الرسوم تؤدي في بعض الأحيان إلى تهديد وترهيب. وقد تلقى زيدان الكثير من الشتائم والتهديدات على الانترنت، خصوصا في بداية الحرب. “هددني الناس بقتل أفراد عائلتي وخطفهم. ولا أنكر أن ذلك أرعبني. لحسن الحظ، تلقيت الكثير من الدعم المعنوي أيضا، ما شجعني على الاستمرار في عملي على الرغم من المخاطر”.
إن ردود الفعل على قصة “أم من مضايا” إيجابية للغاية بشكل عام. وبحسب تالاجيك، قليلة هي الأصوات التي تعلق عليها سياسيا. «بغض النظر عن مشاعرك أو إلمامك بالحرب السورية، القصة قصة مدنيين، قصة ناس محاصرين بالمدافع لا أكثر ولا أقل، وبغض النظر عما يمكن أن تحققه هذه الرسوم، لطالما كان نشر التوعية حول معاناة الآخرين أمرا محبذا. وعندما يكون الجمهور على علم بما فيه الكفاية، يبدأ بممارسة الضغوط على السياسيين وصناع القرار. وآمل أن تكون هذه خطوة ولو صغيرة في هذا الاتجاه.”
تالاجيك، الذي لم يكن يمت لسوريا بأي صلة قبل هذه القصة، قال إن صحفي إيه بي سي تمكن من إرسال بعض الصور من القصة للمرأة في مضايا. “وقد أعجبتها. وهو أمر يعني لي الكثير،” ختم قائلاً.