زينة عامر
فقدت المرأة قسراً ولوقت طويل فاعليتها في النشاطات الإنسانية العامة، التي تعتمد العقل والقدرات والمواهب والجهد والمشاركة في الحياة العامة، بناءً على التمييز القائم على النوع الاجتماعي، والإقصاء الناجم عن سنوات طويلة من استضعاف المرأة وتنحينتها جانباً، ليقتصر عملها ودورها على الثانويات في الحياة الاجتماعية وقولبتها ضمن إطار محدود من العلاقات والأعمال التي تفقدها قيمتها كإنسان، دون أن تنال أقل فرصة لتوصل ما يجول في دواخلها الدفينة من قدرات وإمكانات هي مساوية للرجل فيها دون أدنى مجال للشك.
كل الظروف الشائكة والمعقدة والمنظومة الأخلاقية والسياسية التي غالباً ما سعت إلى تغييب المرأة ككائن قادر على التفكير والفعل واتخاذ القرارات، لم تقف في وجه الكثير من النساء اللواتي جاهدن ليتركن بصمة في التاريخ العالمي ويقفن نداً للرجل في الكثير من مناحي الحياة، سياسية كانت أم ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية.
غالباً ما ارتبطت صورة المرأة في أذهاننا بربة المنزل مربية الأطفال، التي جل اهتمامها هو تكريس الوقت لخدمة الرجل وإرضائه، وإهدار وقتها في تفاهات الحياة اليومية دون إعطاء أدنى اعتبار للقضايا الكبرى والمركزية وتواترات الأحداث العالمية المتغيرة بشكل دائم ومطرد، ناسية ما يمكن أن تحققه على صعيد حياتها الشخصية والعملية من إنجازات قد تساوي الرجل فيها أو تتجاوزه.
الموروث الجمعي والحالة الاجتماعية السائدة منذ قرون في مختلف أصقاع العالم مع تفاوت بسيط في الحالة العامة بين بلد وآخر، لم تقف في وجه تمزيق المرأة للشرنقة التي وضعت فيها وخروجها على الموروث، والعادات لتحقق ذاتها، وتشهر في وجه الجميع حقيقة قدرتها على أن تكون نداً للرجل في جميع جوانب الحياة، سياسية كانت أم اجتماعية أم ثقافية، متجاوزة كل الأفكار والقوالب المتوارثة، لتثبت للعالم أنها كفء لتحمل المسؤولية وصنع القرار والمساهمة في التغيير في العالم أجمع.
الأمثلة في التاريخ كثيرة فمن مارغريت تاتشر التي أصبحت أول رئيسة وزراء في بريطانيا وحكمت لأطول فترة، والتي ساهمت بشكل كبير في تغيير ملامح الحياة السياسية والاقتصادية في بريطانيا، إلى بي نظير بوتو وهي أول امرأة تصل إلى منصب رئيس الوزراء في بلد مسلم، إلى أنديرا غاندي وهي سياسية هندية شغلت منصب رئيسة الوزراء لثلاث مرات متتالية في الهند وكانت ثاني امرأة تشغل هذا المنصب في العالم بعد “سيريمافو باندرانايكا” في سيريلانكا.
لن نسهب أكثر في الحديث عن المرأة وإنجازاتها في العالم، بل سنسلط الضوء على الدور الذي تضطلع به المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإعلامية المستقلة وما يمكن أن تقدمه من دعم ومساعدة للمرأة للوصول إلى مراكز صنع القرار، والمشاركة والفعالية في الحياة العامة، كمنصب الأمين العام للأمم المتحدة.
بداية، يعين الأمين العام للأمم المتحدة بناء على توصية من مجلس الأمن، فترة تحمل المنصب محددة بخمس سنوات قابلة للتجديد، على الأمين العام أن يكون محايداً أكثر ما يمكن ولهذا دائماً ما يكون الأمين العام لا يحمل جنسية أحد الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ومنصب الأمين العام للأمم المتحدة هو من أهم المناصب التي تتطلب من المتقدم لها أعلى معايير الاستقامة والقدرة والفعالية، فضلاً عن التزام كامل بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويطلب رئيساً الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن من المرشحين، أن يتصفوا بالصفات القيادية وأن يتمتعوا بالمهارات الإدارية، فضلاً عن خبرة كبيرة في العلاقات الدولية، ومهارات لغوية، وقدرة عالية على التواصل الدبلوماسي.
وتقدم الدول الأعضاء مرشحيها إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن.
وإذا ما أرادت امرأة الوصول إلى هذا المنصب فعليها أولاً أن تحقق الشروط التي ذكرت أعلاه، بالإضافة إلى دور المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني في دعمها للوصول لذلك،
يأتي أولاً دور المؤسسات العلامية كمؤثر فاعل في الرأي العام ومحرك أساسي لوجهات النظر والتغيير في عقلية المتلقي عن الصورة النمطية للمرأة.
لا يختلف اثنان على دور الإعلام وعلاقته المتينة والمهمة بتشكيل الرأي العام فيما يخص مختلف المواضيع، فكلما تطور الإعلام وأصبح أكثر دقة وموضوعية في صياغة ما يريد إيصاله للمتلقي، كلما كان تأثيره وما يسببه من تغير في الرأي العام أكبر وأكثر أهمية.
يتمثل دور الإعلام في دعم امرأة تهدف للوصول إلى مركز قيادي كمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، أولاً، بإيصال رسالتها إلى المتلقي، وذلك عن طريق التصريحات والمقابلات، والتغطية الشاملة لما أنجزته على الصعيد السياسي والإنساني، للإعلام وسائل عديدة لدعم قضية ما وجعلها محور اهتمام المشاهد والرأي العام، عن طريق طرح القضية بطريقة تزيد من اهتمام المتلقي ونقل المعلومات والبيانات مما يساعد على زيادة القدرة لدى الرأي العام على التحكيم والفهم الصحيح.
وفي حالتنا هذه يستطيع الإعلام بوسائله المختلفة من صحافة مقروءة ومسموعة، أن يدعم ويساند المرأة لتصل إلى مركز صنع القرار هذا، فمن حملات دعائية، إلى تغطية لمسيرتها المهنية وإنجازاتها على الصعيد الشخصي والعام، وإبراز أهمية دور المرأة ووجودها في مناصب قيادية لإقرار المساواة بينها وبين الرجل، والدفع بالأخريات إلى تجاوز الصورة النمطية لهن، والتركيز على أهمية حقوق المرأة وضرورة تمتعها بها، وإعطائها هامشاً من الحرية يسمح لها بممارسة حقها في التواجد في الحياة العامة وإحلال السلام في العالم، كل هذا يأتي جنباً إلى جنب مع التوعية المستمرة للمرأة ذاتها وأهمية وقوفها واضطلاعها بأدوار لم تمارسها من قبل، لتتجاوز جميع الحواجز المفروضة وتكون ذاتها.
أما منظمات المجتمع المدني، فلها الدور الفاعل والأكبر في دعم المرأة بوسائل عديدة، فالمنظمات غير الحكومية تلعب دوراً مهماً في تنشيط مجالات متعددة تستطيع من خلالها تمكين المرأة، وذلك بإخضاعها لبرامج وورشات تؤهلها على تنمية قدراتها في اتخاذ القرارات والمشاركة السياسية والاجتماعية الفاعلة، والعمل على تهيئة مجموعة من النظم والسياسات المحفزة والإجراءات المشجعة ومراقبة مدى فاعليتها ونفاذها، كذلك دعم النساء اللواتي يعملن ويسعين للوصول إلى أماكن صنع القرار وحمايتهن من التمييز والتحييز، وإقامة دورات تبين قدرة النساء على الخوض في تجارب كبرى وإمكانية المشاركة في القرار الدولي لديهن، وحملات مناصرة ودعم، تركز على أهمية وجود المرأة، وإشاعة ثقافة مدنية ديموقراطية ترتكز على المواطنة وتحقيق المساواة بين مختلف أفراد المجتمع، وتساوي حقوق المرأة والرجل، ومؤازرة المرأة ورفع قدرتها وإنتاجيتها وتنظيم برامج تعليم وتدريب النساء وتعبئة الطاقات وبناء القدرات. كذلك رفع مستوى الوعي بأهمية حضور المرأة وتعبئة الأفراد من كافة فئات المجتمع لدعم هذا التوجه المنادي بتواجد المرأة في أماكن صنع القرار، بالإضافة إلى التمكين الاقتصادي والأكاديمي للمرأة، فلا يمكن أن تحصل امرأة على مستوى عالٍ من الوعي والثقافة والمعرفة بالشأن العام إن لم تحصل على استقلالها المادي أولاً، ودراسة أكاديمية تؤهلها لخوض هذه التجربة.
كما أن هذه المنظمات تستطيع الضغط العمل على تغيير القوانين والدساتير لتتلاءم مع متطلبات الديموقراطية والمساواة والمدنية العالمية وإلغاء الفروق على أساس الجنس بين أفراد المجتمع وتمكين النساء في مختلف المجالات.
ولكي تكون هناك نسبة جيدة من النساء في أماكن صنع القرار والمشاركة السياسية في العالم، يجب أن يكون هناك مستوى من التشبيك على مستوى عالمي، وتنظيم مع الأحزاب السياسية في العالم، لتكون هناك نسبة مشاركة جيدة سياسياً للمرأة في كل بلد، وبذلك تزداد فرص النساء بالوصول إلى هذا المنصب، كما أننا لا يجب أن نغفل دور الرجل كمناصر للمرأة وحقها في الوجود العملي بأماكن قيادية، فمن المهم أن يكون هناك رجال في حملات المناصرة التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني الخاصة بقضايا المشاركة السياسية، فهذا يزيد من موضوعية الحملات، ويشجع النساء أكثر للعمل للوصول إلى أي منصب.
لكي نصل لهذه المرحلة من تكريس وتفعيل وجود المرأة عالمياً وفي السياسات الدولية يتطلب ذلك الكثير من الجهد، من المرأة ذاتها أولاً، ومن الدول والحكومات بتغيير قوانينها بما يساهم ويحقق التوازن الاجتماعي بين الجنسين، ومن المؤسسات الإعلامية بتغيير الصورة النمطية للمرأة، والعمل على ترسيخ صورة جديدة أكثر موضوعية وعدلاً تجاه إمكاناتها ووجودها، بالإضافة إلى عمل المنظمات غير الحكومية بالضغط على الحكومات، والتشبيك مع الأحزاب وحملات الدعم لوصول المرأة وتمكينها من تبوؤ مناصب قيادية، مايتطلب جهداً وعملاً متواصلاً، أمام تاريخ من الإقصاء والحروب والصراعات وأثرها في إضعاف المشاركة السياسية بشكل عام في مختلف بلدان العالم، كانت المرأة المتضرر الأكبر منه، كونها ضمن الفئات المستضعفة والمستهدفة بالصراعات، والإقصاء السياسي للنساء سواءً كان مقصود أو غير مقصود يؤدي إلى تنحي نصف سكان الأرض عن التفاعل مع المتغيرات العالمية والمشاركة بالقرارات التي تتعلق بحياتهن كنساء ووجودهن بالدرجة الأولى، وهذا يعني أن القرارات السياسية الدولية الكبرى تنقصها الكثير من الفاعلية والتأثير نتيجة هذا الإقصاء الكبير، أو نتيجة غياب مشاركة المرأة في أماكن صنع القرار.
وبالرغم من التقدم الحضاري الذي يشهده عالمنا، والإنجازات العلمية والتغييرات على مستوى الوعي والثقافة، وزيادة نسبية في الحريات، والديموقراطية في بعض أنحاء العالم، إلا أنه حتى الآن لم تستطع أية امرأة الوصول إلى هذا المنصب، وهذا يوضح بشكل كبير الشرخ المجتمعي بين الجنسين والذي لم نستطع رتقه أو تجاوزه رغم كل التطورات، فمن الأهمية الشديدة بمكان وصول المرأة إلى أماكن صنع القرار، إلا أن الأهم من ذلك هو أن يحمل النساء والرجال في مواقع اتخاذ القرار عقلية غير تمييزية أو إقصائية أحدهما تجاه الآخر، وتجاه النساء بشكل أكبر.
فالهدف الأساسي من وصول امرأة لمراكز اتخاذ القرار هو زيادة المشاركة السياسية للنساء وإثبات قدرتهن على إدارة هذه المناصب، والنجاح في إدراة وتنمية الحياة العامة، أما وصول امرأة تحمل عقلية ذكورية إلى مركز اتخاذ القرار، فإنه يشكل ثغرة كبيرة كونه يقوض الهدف العام من وصولها إلى ذلك المنصب، ولا يضفي أي صبغة مختلفة عما هو سائد، فالتغيير يبدأ أولاً من المرأة ذاتها ليمتد ويشمل المجتمع بأكمله.
المصدر: مجلة “سيدة سوريا”