احتدم جدل قديم جديد حول المصافحة باليد بين الرجل والمرأة عند المسلمين بعدما حيا إمام في برلين معلمة ابنه بوضع يده على صدره، فيما صممت المعلمة على المصافحة باليد. فهل يتعلق الأمر بمشكلة اندماج أم بسوء تفاهم ثقافي؟
اتهمت معلمة ألمانية إماما مسلما في برلين بـ “قلة الحياء ومعاداة المرأة”، بعدما رفض مصافحتها باليد مفضلا تحيتها يوضع يده على صدره. غير أن المعلمة أصرت وطالبته أربع مرات بمصافحتها باليد، وهو ما رأى فيه الإمام إهانة له وتعديا واضحا على كرامته الدينية واضطهادا مصحوبا بمعاداة للأجانب؛ ووصل الأمر به إلى حد إلغاء عقد تعليم أبنائه جميعا في تلك المدرسة ورفع دعوى ضد المعلمة. فهل يعتبر موقف الإمام مؤشرا على ما يعتبره البعض احتقارا للمرأة في بعض الأوساط الإسلامية أم أن الأمر لا يعدو كونه سوء تفاهم ثقافي، حيث ينظر كل طرف إلى احترام المرأة بشكل مختلف؟.
موضوع المرأة كان ولا يزال مادة لتأجيج صراع رمزي حول مكانة المرأة في الإسلام ومدى قدرة المسلمين على الاندماج في المجتمعات الغربية. فمسألة المصافحة لا تهم الرجال فقط، بل هناك أيضا بعض المسلمات اللواتي يرفضن مصافحة الرجال. فهل يتعلق الأمر في هذه الحالة باحتقار المرأة للرجل أم أن الأمر أعقد من ذلك؟
حشمة أم تشدد؟
التحية والسلام من قواعد التواصل الاجتماعي التي تختلف من مجتمع لآخر. ففي تقاليد وأعراف بعض البلدان الإسلامية تختلف الضوابط التي تتحكم في العلاقة بين الرجل والمرأة اعتمادا على ما يسمى بالحشمة. فالكثير من الرجال يحتفظون بباب غرفتهم مفتوحا إذا تواجدت فيها امرأة، كما يعمل الجنسان على تفادي أي اتصال جسدي مباشر ولو عن طريق المصافحة باليد، فيما تفضل بعض النساء الانتظار فترة أطول أمام المصاعد لتفادي التواجد مع رجال غرباء في فضاء ضيق.
وحسب بعض التأويلات المتشددة، فإن الإسلام لا يسمح للرجال بملامسة النساء من غير “المحارم”. وهناك اختلاف بين اتجاهات الفقه الإسلامي بهذا الصدد، كما أن هذا الموضوع لا يطرح البتة أي مشكل لدى الفئات الليبرالية ذات التوجه الغربي في المجتمعات الإسلامية. كما أن تفادي اللمس بين الجنسين ليس ظاهرة إسلامية محضة، وإنما نجدها أيضا لدى أتباع ديانات أخرى كبعض الطوائف اليهودية الأرثوذكسية.
وكيفما كانت التقاليد والأعراف والمعتقدات الدينية فإن رفض يد ممدودة للمصافحة يطرح أكثر من إشكال في مجتمع منفتح يشدد على المساواة بين الجنسين. فالمصافحة أداة أساسية للتواصل، ولها دور مهم في ترك انطباع أولي جيد لدى الآخر، وقد تخلق الارتياح والقبول أو العكس تماما الرفض والنفور.
“المصافحة غير قابلة للتفاوض”
بالنسبة ليوليا كلوكنر القيادية في الحزب الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه المستشارة ميركل، هناك بعض الأشياء غير القابلة للتفاوض، في إشارة منها إلى رفض أحد الأئمة لمصافحتها باليد خلال زيارتها لأحد مراكز اللاجئين في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2015. وطالبت كولكنر حينها بسن قانون بهذا الشأن. وأوضحت بهذا الصدد أن “الدستور الألماني ليس متجرا للمواد الغذائية” حيث ينتقي كل مستهلك ما يلائمه.
وحذرت كولنكنر حينها في حوار مع صحيفة “بيلد” الشعبية الواسعة الانتشار، من انتهاك القوانين والقواعد الألمانية وقالت “لدينا (في ألمانيا) نساء في مواقع المسؤولية. وليست لدينا النية لتغيير ذلك.. حتى يتمكن رجال شباب بتصورات من القرون الوسطى حول أدوار (الرجل والمرأة)، من إيجاد فرصة في سوق العمل”. وأكدت كولكنر أن الذي يجب عليه أن يتغير، ليس المجتمع الألماني
المنع السويسري..
تجدر الإشارة إلى أن قضية مماثلة برزت في سويسرا وأثارت جدلا واسعا بعد أن كشفت وسائل الإعلام في نيسان/ ابريل الماضي عن إعفاء ممنوح لتلميذين سوريين في الرابعة عشرة والخامسة عشرة من عمرهما في ثانوية ثرويل بعدم مصافحة المعلمات. ودانت وزيرة الداخلية السويسرية سيمونيتا سوماروغا آنذاك الإعفاء. وتأجج الجدل لكون عائلة التلميذين طلبت الحصول على الجنسية السويسرية. ووصل والد التلميذين وهو إمام مسجد مثير للجدل إلى بازل في سويسرا عام 2001 قادما من سوريا باعتباره طالب لجوء.
غير أن سلطات كانتون ريف بازل ألغت الإعفاء الممنوح للطالبين المسلمين بناء على قرار مجلس الكانتون. وقالت السلطات إنه “يمكن للمعلمة أن تطلب” من تلميذ مصافحتها باعتبار ذلك بادرة تنم عن الاحترام، وإن التلميذين رفضا ذلك بدافع الجنس والدين. واعتبرت سلطات الكانتون التي لجأت إليها إدارة المدرسة للفصل في هذه المسألة في بيان أن “المصلحة العامة المتصلة بالمساواة بين الرجل والمرأة وكذلك دمج الأجانب أهم من حرية المعتقد عند الطلاب”.
المصدر: موقع DW