تمتلئ بلدة بوتشيركا جنوب العاصمة السويدية ستوكهولم، بالتناقضات. ثمّة العديد من المجمّعات السكنية الضخمة في الضواحي الشمالية للمنطقة، حيث يستقر معظم اللّاجئين والمهاجرين، وهي تختلف تماماً عن الفيلات الخشبية جيدة التهوية التي تبعد عنها مسافة 15 دقيقة فقط. تتفاوت كذلك المدارس في المنطقة، فبينما تعلّم بعض المدارس أعداداً كبيرة من الأطفال من الخلفيات غير السويدية، تمتلك المدارس الأخرى القليل من الأطفال في صفوفها.
وهنا يزداد التناقض وضوحاً؛ فقد بلغ عدد الأطفال اللاجئين أكثر من 70 ألفاً من بين ما يقرب من 163 ألفاً من المهاجرين الذين تقدّموا بطلباتٍ للحصول على حقّ اللجوء في السويد، عام 2015. وصل نصف أولئك الأطفال إلى السويد بمفردهم، وفقاً لتقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وينصّ القانون السويدي على ضرورة تقديم الأطفال اللّاجئين إلى المدارس السويدية، في غضون شهرٍ من وصولهم. حتى الآن 4% فقط من المدارس، قد قبلت طلبات ثلث الأطفال القادمين حديثًا. ثمّة بعض المخاوف من أن تنعزل فئة الشباب في المجتمع، إذا قبلت المدارس فئات معينة من الطلاب على حساب فئات أخرى.
الباصات هي الحل
يعتقد البعض أن توفير الباصات في مختلف مناطق البلدة، قد يكون حلّاً جيدًا. فهذا الأمر لا يساعد فقط على توزيع الضغط على المدارس، بل يساعد كذلك الآباء والأبناء، في الحصول على أماكن في المدارس. توفّر العديد من البلديّات الآن، الحافلات المخصصّة ووسائل النقل العام المجّانية، لتشجيع التلاميذ القادمين حديثًا، على التقديم في عدد أكبر من المدارس، حتى تلك البعيدة منها.
تشارك مدرسة فاكبيرج الحكومية الشعبية في هذا المشروع. فيما مضى، كانت السويدية هي اللغة الأم لجميع التلاميذ في المدرسة تقريبًا. ولكن قبل أكثر من 3 سنواتٍ فقط، خصّصت المدرسة صفوفًا تدريبيةً للاجئين، تقوم بالتدريس بكلٍ من اللّغتين السويدية والعربية. يتكوّن الصفّ حاليًا من 12 تلميذًا، جميعهم من سوريّا. إنّهم يمكثون في ذلك الصفّ لأكثر من 3 فترات، ثمّ يلتحقون بالصفوف السويدية بمجرد أن تتحسّن لغتهم السويدية بما فيه الكفاية.
وتقومُ كلٌّ من روجر تيلبيرج، وعايدة الزيّات بإدارة الصفّ، وتقومان بتدريس المواد باللغتين العربية والسويدية. لذا يساهم هذا في تطوير المعرفة الأكاديمية والمهارات االلّغوية للتلاميذ، في الوقف ذاته. تأثيرات هذا النهج تتضمن العديد من المزايا الإيجابية.
تقول شهد شلق البالغة من العمر 15 عامًا، والتي تحضر الصفّ مع شقيقها الأصغر: أحبّ هذه المدرسة. لقد حضرا إلى السويد من دمشق منذ عامٍ واحد، ثم التحقا بأمّهما التي كانت تقيم في السويد.
وتضيف شهد التي تفضّل مادة علم الأحياء، والتي ترغب في أن تصبح صيدلانية حين تغادر المدرسة: “لقد كان الأمر صعبًا في البداية، إذ لم أكن أعرف أحدًا هنا، ولم أكن أجيدُ اللغة، كما أنّي كنتُ أفتقد صديقاتي وأقربائي. أمّا الآن، فأنا أحبّ هذه المدرسة حقًّا، وبإمكاني التحدث مع الآخرين بلغتهم، وبإمكاني الدراسة بسهولة، كما أنّ لديّ أصدقاء”.
وعلى الرغم من أنّ الصفّ صغيرٌ نسبيًا، إلا أنّ الضغط الذي يشكله على موارد المدرسة، يُعدّ تحديًا. تقول تيلبيرج: إنّنا في الترم السابع الآن، وأنا منهكة. فالعديد من التلاميذ الذكور، لا يصاحبهم آباؤهم إلى السويد، فهم إمّا قد قُتلوا أو مازالوا في سوريا. لذا فليس لدينا آباءٌ نرجع إليهم حين يسبب أبناؤهم المشاكل. أستغرقُ أنا وعايدة معظم وقتنا في التعامل مع مختلف القضايا الاجتماعية.
بكاء التلاميذ
شهدت مدرسة ترادجارد ستاد، وهي أفضل مدرسة حكومية أداءً في المنطقة، تحدّياتٍ مماثلة. حوالي 25% أو 30% من أصل 660 تلميذًا في المدرسة هم من أصولٍ غير سويدية. وعلى الرغم من أنّ معظم هؤلاء الأطفال هم من الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين، إلا أن المدرسة قبلت قبل عامين، أربعة أولاد وصلوا من أفغانستان بمفردهم.
تقول مديرة المدرسة آن بولمجرين: لقد أحبوا مدرستنا وبكوا حين غادروها. وتعتقد آن بأنّ هذه التجربة كانت إيجابية إذ شملت عددًا صغيرًا من التلاميذ المتحمسين الذين تعلموا لغةً مشتركة.
وتضيف آن: “تحتاج المدرسة إلى العديد من الموارد الإضافية للتعامل مع دمج الأطفال اللّاجئين؛ ويحتاج التلاميذ إلى توفير مدرسين يتكلمون بلغتهم، كما قد يحتاج بعض هؤلاء المدرسين إلى إعدادهم ليكونوا مرشدين ناصحين، إذ إنّ العديد من هؤلاء التلاميذ يعانون من مشاكل اجتماعية، وفي بعض الحالات ليس لديهم آباء يرجعون إليهم”.
تعهّدت الحكومة السويدية في وقتٍ سابقٍ من عام 2016، بإدخال بعض الإصلاحات، بما في ذلك تدريس الأطفال اللّاجئين بلغتهم الخاصّة. وهذا الاقتراح هو جزءٌ من اتفاقيّة سياسة الهجرة التي حظيت بدعم جميع الأحزاب، وسوف تدخل حيّز التنفيذ في شهر أغسطس/آب 2016.
لا تعارض آن بولمجرين من حيث المبدأ، نقل التلاميذ إلى المدارس بالحافلات. ولكنّها تعتقد بأنّه حلٌّ محدودٌ وقصير المدى. وتقول بأنّ المشاكل الهيكلية الأكبر تحتاج إلى التصدي لها أيضًا.
القطاع الخاص يتمنّع
قد يكون إدخال نظام الحصص في جميع المدارس السويدية حلّاً بديلاً. في الوقت الحالي، تقبل المدارس السويدية المجانية، التي تُموّلها الحكومة ولكن يديرها القطاع الخاصّ، نسبةً صغيرةً من الطلاب الذين وصلوا حديثاً. فقد قبلت تلك المدارس في عام 2014، 63% من الأطفال الذين وصلوا حديثاً، بينما قبلت المدارس الحكومية 80%.
وتُجبر المدارس المجانية على قبول أي طفلٍ مؤهلٍ للتعليم في السويد، بغض النظر عن المكان الذي يسكن فيه، طالما أنّ المدرسة بها مكان كافٍ. ولكن في كثير من الأحيان، تكون فرصة الأطفال اللّاجئين ضئيلة في الحصول على أماكن بسبب قوائم الانتظار الطويلة. لذا اقترح البحث الحكومي الذي يقوده إيبا أوستلين، المفوض الديمقراطي الاجتماعي في بوتشيركا، بأنّ 5% من تلاميذ المدارس المجانية، يجب أن يكونوا من اللّاجئين. وبعد موافقة الحكومة مؤخرًا، يبدو أنّ الأمر سيتمّ تطبيقه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
يرى آخرون أنّ نقل الأطفال بالحافلات، لن يساهم إلّا بشكلٍ جزئيّ في دمج الأطفال اللاجئين. يقول إسحاق سكوجستاد، رئيس اتّحاد المعلمين السويديين، بأنّ هذه التدابير هي تدابير انتقائية. إنّها لن تشكل حلًا للتحديات التي تواجه السويد مثل النقص الهائل في عدد المعلمين، على حدّ قوله.
ويضيف: “قد يكون نظام الحافلات جزءًا من الحلّ، ولكنّه لن يحدث ثورةً في النظام المدرسي السويدي”.
كما يقول بولمجرين بأنّ ثمّة مخاوف من إدخال نظام الحصص الذي قد يؤثر سلبًا على الأطفال الآخرين. إذ إنّ الأطفال الذين يعيشون في منطقتنا لن يتمكنوا من دخول مدارسنا وسوف يضطرون إلى دخول مدارس قد تكون بعيدة عن منازلهم، مما قد يسبب الفوضى.
على أيّ حال فإنّ المدارس في السويد، تساعد على الاندماج الاجتماعي بين التلاميذ. تقول شلق: “إذا كان لديك تعليم جيد، ودرجات جيدة، يمكنك أن تفعل أيّ شيء في المستقبل”.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية،
المصدر: “موقع هافينغتون بوست”