سحر حويجة
ترافق منح النائبة “هدية عباس”، منصب رئاسة مجلس الشعب في سوريا، ضجة وجلجلة، جعلت الحدث غير عاديٍّ، حيث تعالت أصوات ناشطات نسويات، مدافعات عن حقوق المرأة، وحقّها في القيادة وصنع القرار على أرفع مستوى. على أنّ “هدية” لا تمثلهن، وأنّ هذا المنصب لن يغيّر واقع المرأة السورية التي تعاني التمييز الاجتماعيّ والسياسيّ والقانونيّ، في كثير من قوانين العقوبات، وقانون الجنسية، وقوانين الأحوال الشخصية التي تجعل من المرأة السورية، مواطناً من درجة أدنى محرومة من حقوقها الإنسانية، كما أنه لا ينظر إليها كمواطن كامل الأهلية في الوصاية والولاية والشهادة، وعلى أن النساء اللواتي وصلن إلى مجلس الشعب لم يقمن بدورهن، في سبيل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل على صعيد القانون، ورفع الحيف والظلم عن المرأة.
إنّ الخطاب الموجه على هذا الشكل يركّز على المشكلة من زاوية ضيقة وشخصية، تتعلّق بقدرة النساء اللواتي وصلن إلى قبة مجلس الشعب في سوريا وكفاءتهنّ، ويتجاهل إلى حدّ كبير كيف يصل عضو مجلس الشعب رجلاً كان أم امرأة؟ ومن يمثل؟ وما أهمية مؤسسة مجلس الشعب هذا؟ وهل رئاسة البرلمان ترفع من شأن المرأة ومكانتها. وهل من أهمية لهذه المسؤولية ، في ظلّ سيطرة نظام الاستبداد؟ .
تعتبر السلطة التشريعية، في الدول الديمقراطية الحديثة، أقوى وأهم المؤسسات التي يقع على عاتقها مهمة تغيير وتعديل التشريعات بالدولة بما ينسجم مع تطلعات الناخبين ومصالح الدولة. ومن خلالها تتجسّد العملية الديمقراطية بالانتخابات، وإن منصب رئيس مجلس الشعب يعتبر من المناصب الرفيعة في الدول التي تقوم على الفصل بين السلطات: “الفصل ما بين السلطة التنفيذية وبين السلطة التشريعية والسلطة القضائية”، من أجل قطع الطريق أمام أيّ احتكار للسلطة والاستبداد، لكن في دولة مثل سوريا تتحكّم بها منذ أكثر من خمسة عقود سلطات دكتاتورية استبداديّة، كلّ المؤسسات ومنها ما يسمى مجلس الشعب يمثل النظام ويدافع عن مصالح النظام، الذي عمل على التفرقة والتمييز بين المواطنين رجالاً ونساءً عن سابق تصميم، لأنه لم يسعَ يوماً لتحقيق العدالة بين المواطنين، بل على العكس التمييز وسيلة لوضع قيود على الفئات المختلفة في المجتمع لإضعافها، بما يسمح للنظام بالتحكم والسيطرة على المجتمع، وتوزيع المناصب يتمّ وفقاً للقرب من السلطة، حيث لا أهمية للقانون ولا قيمة للمؤسسات سوى لتزيين الدولة، وإظهارها بمظهر الحداثة، وهي تحكم بمنطق العصور الوسطى. وأيّ قرار يتمّ اتخاذه تفرضه السلطة بالقوة ولا حقّ للمسؤول بالنقاش، بل مهمّته تنفيذ الأوامر التي تملى عليه خدمة للنظام. لذلك فالمسؤول في هذه الأنظمة هو الشخص الذي يطيع الأوامر وليس لاتخاذ القرارات. وإن المرحلة التي تمرّ بها سوريا، وبعد أكثر من خمس سنوات من حرب طاحنة، حيث يعتبر النظام المسؤول عن تشريد النساء وإفقارهن واعتقالهن، وتعذيبهن. فهل فعلاً نجح في استثمار المرأة وتوظيفها في خدمة مآربه السياسية، في محاولة منه لإرضاء الغرب وكسب ودّه، والاعتراف بشرعيّته في مرحلة فاصلة من تاريخ سوريا على أمل إيجاد حلّ للنزاع؟..
في عقيدة النظام لا يوجد مشكلة أن يكون الخدم نساءً أم رجالاً، فكثيرات هن النساء مستشارات للرئيس شخصيّاً، وإن استلام امرأة منصباً في وزارة، أو نائباً للرئيس، أو سفيراً أو قاضية أمر شائع، كما أن استلام امرأة رئيساً لمجلس الشعب لن يشكّل حدثاً جديداً هاماً.
لمحة حول تمثيل المرأة في المجالس النيابية في سوريا:
نالت المرأة السوريّة حقّ الانتخاب عام 1949، على شرط أن تكون متزوجة ومتعلمة، ضمن ما يسمى إصلاحات حسني الزعيم، غير أن دستور 1950، منح جميع النساء حقّ الانتخاب، أما حقّ الترشيح لم تنله المرأة السورية إلا في عام 195، ولم تمثّل النساء في البرلمان حتى عهد الجمهورية المتحدة، حيث مثّلت بالنائبتين وداد أزهري وجيهان موصلي، ومنذ انتخابات 1973 إلى انتخابات 2016، استقرّ تمثيل المرأة بنحو 12% من مجموع المقاعد، أي 30 نائبة من أصل 250.
في الدورة الأخيرة لانتخابات مجلس الشعب، كان لافتاً الأعداد الكبيرة للنساء المرشّحات، حيث امتلأت الشوارع بصورهن، وأثيرت الكثير من التعليقات اللاذعة حول بعض المرشحات، إلا أن نتيجة الانتخابات ونسبة الفائزات لم تتغير، وشكلت جزءاً من دعاية للنظام، عبر فسحه المجال والفضاء الإعلامي واسعاً أمام المرأة للترشيح، وأظهرت النتيجة كأنّ الشعب هو الذي لم ينتخبهن.
آراء موجزة اتجاه مؤسسة مجلس الشعب:
منذ الدور التشريعي الأول في عام 1973 حتى اليوم، والانتقادات تلاحق مجلس الشعب في سوريا، على أنه مجلس لا يمثّل الشعب، وليس له دور أو تأثير في سياسة الدولة، سواء على الصعيد الداخلي أم على الصعيد الخارجي، أوصاف كثيرة أطلقت على المجلس، فقيل عنه: مجلس التصفيق كما قيل مجلس الدمى، وهناك من وصفه بمجلس الموتى، مؤسّسة لا قيمة لها ولا قوة مقارنة بمؤسّسات أخرى كرئاسة الجمهورية، أو جهاز الأمن، حتى الحكومة لها من القوة والمكانة الأفضل. مجلس الشعب ما عليه إلا الطاعة.
ناهيك عن الانتقادات الموجّهة إلى النظام الانتخابي غير التمثيلي، وحول طريقة اختيار أعضاء الجبهة الموالية للنظام، والفوز المحكم لهذه القوائم. نشير هنا إلا عدم جواز إبطال نيابة عضو حتى لو حكمت المحكمة الدستورية العليا في نيابته، إلا بعد موافقة المجلس.
كما انتشرت قصص عديدة حول تورط أعضاء من مجلس الشعب بقضايا فساد.
حقيقة الأمر، أن السلطة التشريعية في سوريا قد تنازلت عن صلاحياتها للسلطة التنفيذية، بقوّة الدستور والقانون، وتركيبة المجلس الموالية للسلطة. نذكر هنا أن دستور 1950، نصّ على عدم جواز تنازل السلطة التشريعية عن صلاحياتها للسلطة التنفيذية، وعدم تخويلها إصدار مراسيم تشريعية أبداً. أما دستور 2012، حيث أعطت المادة الثامنة عشرة منه الحقّ للرئيس بإصدار مراسيم تشريعية في جميع الميادين عدا الضرائب.
نخلص إلى أن مجلس الشعب تنازل أو حرم من أهم دور له وهو سنّ القوانين والتشريعات.
العمل التشريعيّ في سوريا يتمّ على شكلين؛ الأول: تقدّم مشاريع القوانين إما عن طريق عشرة من أعضاء مجلس الشعب، أو عن طريق الحكومة، حيث يقدم مشروع القانون إلى مكتب المجلس ممثلاً برئيسه، الذي يحيله بدوره إلى اللجان البرلمانية المختصّة، وتوزع نسخ منه على الأعضاء. وبعد الدراسة يناقش المجلس مشروع القانون مادةً مادة، ولا يحقّ للهيئة العامة تعديل المواد، بل يكون ذلك من حقّ اللجان المختصة. وبعد إقرار مشروع القانون في مجلس الشعب يرفع إلى رئاسة الجمهورية، التي لها حقّ ردّ القانون أو نقضه، فيعتبر لاغياً ما لم يعد مجلس الشعب إلى إقراره بأغلبية الثلثين، غير أن مجلس الشعب في سوريا لم يسجل أن أقرّ قانوناً رفضه الرئيس. إلى جانب تشريع القوانين العادية، هناك تشريعات من اختصاص مجلس الشعب، مثل تعديل الدستور وإصدار العفو العام. أما العفو الخاص فهو من اختصاص رئيس الجمهورية. وفي التطبيق العملي نجد أن أغلب مراسيم العفو العام تصدر باسم رئيس الجمهورية.
من المفيد ذكره هنا، أن السلطة التشريعية في سوريا تولّت خلال تاريخ سوريا الحديث ثلاث مرات دور السلطة التأسيسية من أجل وضع دستور للبلاد، أما دستورا 1973، و2012 فقد تمّ تكليف لجان منبثقة عن السلطة التنفيذية لإعدادهما.
كما أنّ لمجلس الشعب إقرار الموازنة العامة، وإعلان الحرب والسلم، وتصديق المعاهدات الخارجية.
الشكل الآخر للتشريع في سوريا: يتمّ عن طريق المراسيم التشريعية، حيث يجوز لرئيس الجمهورية إصدار مرسوم له قيمة القانون دون موافقة مسبقة من مجلس الشعب حسب المادة 113 من الدستور، خارج أوقات انعقاد مجلس الشعب، وحتى أثناء انعقاد مجلس الشعب اذا اقتضت مصلحة الدولة العليا ذلك.
رغم النصّ على أن يتمّ عرض هذه المراسيم على المجلس في أول دورة تالية يعقدها، ويحقّ للمجلس تعديل القانون أو إلغاؤه بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، لكن الواقع العملي أنّ مجلس الشعب لم يسجّل منذ عام 1973، أيّ تعديل أو إلغاء لمرسوم تشريعي صادر عن الرئيس. لا بدّ من الإشارة والتركيز على أنّ أغلب التشريعات السورية بما فيها قوانين الانتخابات والإدارة المحلية، صدرت بصورة مراسيم تشريعيّة عن الرئيس، وليست قوانين صادرة عن مجلس الشعب.
إذن الرئيس يقاسم السلطة التشريعية إصدار التشريعات، بل إن أغلب التشريعات تصدر عن الرئيس، وبذلك يتمّ تعطيل دور المجلس وجعله تابعا للرئاسة. .
رئاسة مجلس الشعب:
يتألف مكتب مجلس الشعب من رئيس المجلس ونائبه، صلاحيات رئيس المجلس هي: حفظ النظام أثناء الجلسات، وإدارة الجلسات، من خلال منح الإذن بالكلام، وإصدار العقوبات بحقّ الأعضاء، واستلام مشاريع القوانين وإحالتها إلى اللجان المختصة، وإعداد جدول الأعمال، وإعداد موازنة المجلس، وإدارة حرس المجلس، الذي يأتمر بأمر رئيس المجلس، وتعيين موظفي المجلس، والإشراف على تنظيم إدارة المبنى، وإدخال تعديلات على البناء والفرش، وهو من يمثل المجلس ويتكلم باسمه. والسؤال هل كلّ ذلك يفيد المرأة وحقوقها؟!..
إن تغيير السياسات وتحقيق الديمقراطية يحتاج لأنظمة انتخابيّة تحقّق أفضل تمثيل، والأهم من ذلك فصل السلطات واستعادة دور المجلس النيابي بوصفه المرجع الوحيد للتشريع وسن القوانين في سوريا الغد. هذا جزء من آمال كبيرة أخرى على طريق تحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والعدالة والمساواة.
خاص “شبكة المرأة السورية”