علا الجاري
يروق لوسائل الإعلام أن تصور النساء السوريات على أنهن كتلة واحدة متماهية من الأمهات والزوجات والأخوات والبنات الحزينات، ضحايا حرب الرجال وسنوات الديكتاتورية الطويلة، إلاّ أن من يجرؤ على مد يده ومسح الطبقة الضبابية عن هذه الصورة الجماعية، لا بدّ سيرى خلية النحل المفعمة بالحياة، التي تشكلها النساء السوريات.
إكراماً لخلية النحل هذه وفي يوم المرأة العالمي، أردت أن أهدي السوريات والنساء في كل مكان حكايا عن سوريات رفضن أدوار الضحايا، وحولن الرماد إلى زهور غير عابئات بما لحق أيديهن من جراح، فللحرية والحياة ثمن غال لا بد من دفعه، وقد دفعنه سعيدات رافعات رؤوسهن.
ذوات القبعات البيضاء
بهية مفعلاني ومنال أبا زيد وسارة الحوراني ودلال طاهر شابات سوريات، متطوعات في منظمة الدفاع المدني في محافظتي درعا وحماة، لتقمن بعمل يعدّ الأخطر في سوريا اليوم، بظل ما تتعرض له مختلف المناطق من قصف وغارات ونيران متعددة المصادر.
تتحدث كل منهن عن تجربتها في العمل مع الدفاع المدني، وأبرز التحديات والصعوبات، وكيف يواجهن هذه التحديات بإرادة حديدة وهمة لا تكسر، همة السوريات التي ترتفع كلما ازداد الخطر والتعب والهم.
بهية مفعلاني:
عمري 30 عاماً، من قرية أم المياذن في محافظة درعا، تخرجت من قسم المكتبات والمعلومات في جامعة دمشق عام 2010، وعملت مدرسة من خارج الملاك في ثانوية بدرعا، تعرضت منذ بداية الثورة السورية شهدت قريتي حراكاً ومظاهرات وتعرضت للقصف، وكان فيها حاجز لقوات النظام سيطر عليه الجيش الحر، كما أن فيها جامعاً كانت المظاهرات تخرج منه مثل كثير من القرى والبلدات الأخرى، ولأن بيتي قريب من الجامع فقد لحقته بعض الأضرار جراء القصف، إذ سقط برميل متفجر على قبة الجامع، لكن أفراد أسرتي لم يتعرضوا لأي أذى جسدي.
أجبرنا الوضع الأمني على النزوح المؤقت إلى قرية الطيبة القريبة، وظللنا ننزح بين القريتين وفق الوضع الأمني فيهما، إلا أن أياً من أفراد أسرتي لم يضطر للجوء إلى دول الجوار أو أوروبا حتى اللحظة.
انضممت إلى منظمة الدفاع المدني في منطقة حوران بعد فترة على بدء تشكيل الفرق النسائية، في شهر آب من العام الماضي، بدأت عملي في مجال التوعية، وجراء الحاجة الملحة انتقلت إلى مجالي الإنقاذ والإسعاف، ويتجاوز عدد النساء المنتسبات إلى الدفاع المدني في درعا 100 امرأة.
عند بدء تشكيل الفرق النسائية كانت الحاجة الأساسية هي جولات التوعية، وكانت الفكرة أن وجود النساء يساعد في الوصول إلى شرائح أكبر من المدنيين المستهدفين، كما يمكن للعنصر النسائي أن يكون أكثر قرباً وتفهماً وقدرة على إيصال المعلومات المطلوبة والتواصل مع المدنيين، فقمنا بجولات للتوعية في مختلف القرى، بالتعاون مع الزملاء من الرجال ومدراء المراكز، كنا نعمل طوال الوقت يداً بيد، دون تفرقة، وإلى الآن لا يزال هذا النشاط مستمراً.
في مجال التوعية عملنا على تصميم وتوزيع بروشورات تحذيرية حول الإجراءات الضرورية للتصرف خلال الغارات الجوية، والتحذير من الأسلحة والقذائف ومخلفات الحرب التي لم تنفجر لكنها لا تزال تشكل خطراً على المدنيين، وغيرها من المواضيع التي يحتاج المدنيون مزيداً من المعلومات حولها ليتمكنوا من حماية أنفسهم أو تقليل الضرر الواقع عليهم.
خضعنا لدورة تدريبية مكثفة مدة عشرة أيام في العاصمة الأردنية عمان، تناولت مختلف جوانب عملنا، ظننا بداية أنها فترة قصيرة ولن تكون كافية، إلا أنها كانت شاملة وتضمنت معلومات مفيدة جداً طورت وعززت آليات عملنا، للأسف قبل الخضوع لهذه الدورات أو عندما كان المدنيون يسعفون الجرحى بأنفسهم، سجلت وفيات ناجمة عن سوء الإسعاف، والسبب هو قلة الخبرة، أما اليوم أصبحنا أكثر خبرة وقدرة على التعامل مع مختلف أنواع الإصابات.
طبعاً الحوادث الأليمة التي وقعت وقضى جراءها مدنيون نتيجة أخطاء المسعفين، جعلت الناس أكثر ثقة وإيماناً بأهمية عمل فرق الدفاع المدني، كان الناس يعتبرون سابقاً أنهم المسؤولون بالدرجة الأولى عن إخلاء الضحايا وإسعافهم ونقلهم، معتبرين أن انتظار حضور فرق الدفاع المدني وسيارات الإسعاف ضياع للوقت، لكنهم اليوم أصبحوا يدركون أهمية الخبرة التي لدينا في الإخلاء والإسعاف بأقل الخسائر والأضرار الممكنة.
أبرز الصعوبات التي تواجه عمل منظمة الدفاع المدني خاصة في منطقة حوران، هي الجهل بعمل هذه المنظمة وأهميته، إضافة إلى خوف الناس من استهداف المراكز التابعة لنا، ما يدفعهم لمطالبتنا أحياناً بنقل مقراتنا بعيداً عن مناطق سكنهم، معتبرين أننا جلبنا لهم نوعاً من القلق أو قلة الأمان بتواجدنا على مقربة منهم، وهذا تطلب منا بذل جهود كبيرة لبناء الثقة مع المدنيين في مناطق تواجدنا.
هناك بالطبع صعوبات ذات صلة بنقص المعدات، خاصة سيارات الإسعاف وآليات رفع الأنقاض، في المركز الذي أتبع له (المركز الثاني القطاع الشرقي)، لدينا سيارة إسعاف واحدة وليس لدينا تركس أو آليات رفع أنقاض، ولا نزال حتى اليوم نعتمد على بعض الآليات العائدة لبعض الأهالي في المنطقة، وحتى سيارات الإسعاف تأخر وصولها كثيراً ومرت المنطقة بأحداث ساخنة عديدة، اعتمدنا خلالها على سيارات الجيش الحر في المنطقة لنقل المصابين.
لم نواجه أي صعوبات ذات صلة بكوننا نساء، فالمجتمع وعلى مدى خمس سنوات من الثورة أدرك إلى حد جيد جداً أهمية عمل النساء خاصة في مجالات الطب والإسعاف، وهناك طبيبات وممرضات ومسعفات معروفات، بذلن كثيراً من الجهد وأنقذن كثيراً من الأرواح، وكان عملهن سبباً في هذه النظرة الإيجابية لأهمية عملنا، نواجه أحياناً بعض التردد أو قلة الثقة بخبراتنا خاصة من جاءت منا إلى هذا العمل من خلفية لا علاقة لها بالطب أو التمريض، إلاّ أن إثبات جدارتنا خلال العمل يكسر هذه الحواجز ويدفع الناس إلى الثقة بنا من خلال التجربة.
في يوم المرأة العالمي أدعو كل النساء في كل مكان بسوريا إلى دعمنا وتشجيع عملنا، بالدرجة الأولى عندما تصاب المرأة بحادثة ما سيكون من المريح أكثر بالنسبة لها أن تسعفها امرأة مثلها، ونحن بدورنا نعد الجميع أننا لن نبخل بجهد على أي إنسان يحتاج مساعدتنا، كما أحب أن أؤكد أن تجربتنا تثبت لنا وللمجتمع عامة قدرة النساء على العمل بفعالية في أي قطاع من قطاعات الحياة مهما بلغت صعوبته وخطورته.
منال أبا زيد:
درست وعملت في مجال إدارة أعمال قبل بدء الثورة السورية، انضممت إلى منظمة الدفاع المدني انطلاقاً من أهمية وجود فرق نسائية، فإضافة إلى أهمية عمل فرق الدفاع المدني عامة هناك أهمية خاصة للفرق النسائية، وهي تفضيل المجتمع أن تقوم امرأة بإسعاف وإنقاذ امرأة مثلها، وما لذلك من أثر مريح في نفوس النساء حين تتعاملن مع نساء مثلهن.
تلقيت تدريباً مع زميلاتي في عمان بالأردن، على أساليب الإسعاف الأولي وآليات نقل الجرحى والمصابين إلى المستشفيات، وبالطبع تواجه عملنا الكثير من الصعوبات، إلاّ أن أهمية العمل الذي نقوم به تفوق هذه الصعوبات.
أقول للمرأة السورية في يوم المرأة العالمي: لقد استطعت أن تثبتي نفسك في كل المجالات طبيبة ومسعفة وإعلامية وناشطة وغير ذلك، وأن مستقبل سوريا يعتمد عليك، ولكل السوريات أقول اصمدن وكن دائماً قويات وفاعلات.
سارة الحوراني:
عمري 40 عاماً أحمل إجازة في الإعلام من جامعة دمشق وعملت في مجال الصحافة، بدأت العمل مع منظمة الدفاع المدني في شهر آذار 2015، وذلك لأهمية وجود العنصر النسائي في فرق الدفاع المدني، إذ أن لنا قدرة أكبر على التعامل مع شريحة كبيرة هي النساء والأطفال، كما يمكننا الدخول إلى كل البيوت والتعامل مع النساء والأطفال، وممارسة العمل التوعوي أو الإسعافي دون حواجز أو قيود اجتماعية.
نعمل في ظل ظروف شديدة التعقيد، على رأسها استهداف كوادرنا من قبل قوات النظام السوري التي لا تحترم عملنا الإنساني، ما أسفر عن مقتل وجرح كثير من العاملين في المنظمة، إضافة لحاجتنا إلى مزيد من التدريب والتأهيل للعمل في الظروف الصعبة، إلى جانب نقص المعدات والتجهيزات.
رسالتي إلى كل النساء السوريات: لا بد من مشاركتنا جميعاً في العمل المدني والتخفيف قدر المستطاع من معاناة الأهالي، سوريا بحاجتنا جميعاً لتجاوز ما نعيشه اليوم.
دلال طاهر:
أنا من محافظة حماة، عمري 32 عاماً، متزوجة ولدي ثلاثة أطفال، عملت سابقاً في مجال التمريض واليوم أعمل في فرق الدفاع المدني.
ألتقي كثيرات ممن يرغبن بالانضمام إلى المنظمة رغم معرفتهن بصعوبات العمل وخطره، إلاّ أن الجانب الإنساني فيه يشجع الكثيرات على الانضمام.
لم نواجه خلال عملنا أي صعوبات تتعلق بكوننا نساء، وزملاؤنا الرجال إخوة وسند، نعمل معاً ونساعد بعضنا البعض، كذلك أرى أن تقبل المجتمع لعملنا أكثر من ممتاز، وبالنسبة إلي شخصياً أعتقد أن عملي هذا من أسمى وأجمل ما عملت في حياتي.