وجدان ناصيف
“مقاومة “؟ منشان الله بلاها هالكلمة لأنه بتذكرني بحزب الله!
- تعال اذاً نعيد للكلمة معناها المسروق:
“… لا أعرف إن كان ما قمت به حتى الآن، ينضوي تحت كلمة “مقاومة”، فأنا لم أجد الوقت لتقييمه ولا للحديث عنه، قلت لكم إني لم أكن أملك الكثير من الخيارات!
… إن كان كذلك، فاسمحوا لي اذاً أيها السادة، أن أعيد عليكم حكايتي في سياق حكاية الشعب السوري العظيم.
… ربما تندرج مقاومتنا في حركة مقاومة كل شعوب الأرض للظلم والقهر والاستبداد، لكن حالتنا السورية مع ذلك هي استثناء.
… مقاومتنا استثنائية، لأنها مقاومة شعب كامل يواجه حرب إبادة شاملة، كل لحظة، تحت مرأى ومسمع العالم وكاميرات وسائل إعلامه.
على هضبة “غليير” يختنق صوتي حيث هواء جبال الألب البارد يعطب حبالي الصوتية فتختنق الكلمات. حضرت كلمتي منذ أسبوعين، تدربت جيداً على إلقائها باللغة الفرنسية، لكن هذا الهواء البارد ووجهي للريح، وخبر مقتل أحمد، كما لم تسنح الفرصة لي لأبكيه كما لم أبك أيّاً من الذين رحلوا، جعلت حبالي الصوتية تتشنج فاختنق…
أنادي على صبية فرنسية لتكمل القراءة عني وأتراجع الى الخلف، ثم سرعان ما أستجمع صوتي المنهك وأضع يدي على كتفها شاكرةً إيّاها على المساعدة وأعود للقراءة من جديد.
“نحن استثناء لأن المقاومة بالنسبة لنا لم تكن يوماً خياراً، بل قدر!
لا أعرف إن كانت رسالتي وصلتهم ، وإن كان تصفيقهم يشير الى ذلك، لكني منذ زمن طويل لم أعد واثقة من شيء، خصوصاً بما يتعلق بالرسائل. كل ما أردته أن أنتهي من هذا وأهرب بعيداً وأفرغ ما في داخلي من عويل!
أحمد قُتل اليوم. كتبت لي صديقة خبر استشهاده في جملة على الماسنجر، أرسلتُ وجهاً باكياً، وهذا كل شيء. تقتحمني صورته: رجل ملتحٍ، يحيط رأسه بعصابة سوداء مشدودة جيداً. كم تغير! يبدو أكبر من عمره بكثير. التقيته في نهاية 2011 وكان صبياً في السادسة عشرة، خارجاً للتو من المعتقل. كان منكسراً ومهاناً. روت لي أمه أنّه لم يقل شيئاً عما حدث هناك ولا حتى لأقرب أصدقائه. في اليوم التالي شكت لي أمه بأن وحيدها مضى للتظاهر في قدسيا. لماذا يخطر في بالي أحمد الآن وأنا على منصة المقاومين؟ هل سيسجل اسم أحمد بين المقاومين؟
لأحمد قصة طويلة، هي قصة الثورة المخدوعة، قصة خدعة تدخل الغرب وكذبة دعم الجيش الحر، قصة الفرار من الموت تحت التعذيب إلى حمل السلاح. قصة حرمانهم من السلاح والمال وانهمار السلاح والمال على المتطرفين، الذين كانوا فيما بعد خياراً لأحمد، أو الأصح قدراً. هل كان عليه أن يقاوم ؟ هل كان سينجو مع ذلك من الموت على يد أولاد حارته الذين اختلفوا معه مع اختلاف مصادر السلاح؟
اسأل الصبية الفرنسية عن نسبة الحاضرين بين السكان، فتجيبني أنهم “أقلية”!
تسألني مناضلة نسويّة، أي دعم تحتاجونه كنساء سوريات. أقول لها: “كل أشكال الدعم”. يمتد النقاش ليشمل المنظمات الداعمة والمنظمات النسوية السورية. تدير وجهها مبتسمة باستهزاء حالما أذكر الـ “يو إن ويمن” .
في بيروت وفي نفس اللحظة كانت الأمم المتحدة تجمع نساءً “مختلفات”! هل يصلح أن نقول “مختلفات”؟ السيدات خرجن بصورة تذكارية شاعرية، لمّة محبة ومشاعر تفيض بالسلام والوعود بالمسامحة، في حين يظهر الارتياح على وجوه الداعمين الدوليين لهذا النصر العظيم. هم يشوهون نضالات النساء السوريات ويفرغونها من محتواها كمقاومة.
على هضبة غليير حيث قتل النازييون عام 1943 أكثر من أربعين فرنسياً مقاوماً، يقف كل عام مجموعة من المقاومين ليحكوا قصصهم، هذا العام وقفت امرأة تسعينية تحكي قصة اعتقالها وتعذيبها من قبل الغستابو واستمرار نضالها عبر تشكيل منظمة نسوية تدعم النساء وحقوقهن. وروت صبية قصة نضالها مع شركة “تيفال” التي لا تحترم قوانين العمل. وقف رجل سبعيني يحكي سيرة كفاحه الطويل عبر الاعتصامات والإضرابات، وعمله الدؤوب هو وأبناء جيله وصولاً إلى قانون العمل الحالي وقوانين النقابات.
على هضبة غليير اجتمعوا، وهم أقلية، ليحتجوا على التركيز على حكايات المقاومين الرجال وتهميش حكايات النساء المقاومات في دولة المساواة وحقوق المرأة والإنسان. يصفقون لصبية وقفت في وجه إدارة شركة عملاقة. صفقوا لها كثيرا وحيّوها ووعدوها بأنها لن تكون وحيدة، فالمقاومة لن تعود شيئاً فردياً طالما لدينا منابر للمناصرة والدعم وهي ليست معركة تنتصر أو تخسر، هي فعل مستمر وطريق طويل يحتاج للإصرار والعناد والتحمل. هي حكاية وعمل يحتاج للتعاضد والتعاون بين كل من يؤمن بالحق والعدالة والقيم الإنسانية.
- هل سنحتفي يوماً بالمقاومين والمقاومات عندنا؟
- نعم. عندما تصبحين في عمر هذه السيدة (وتشير صديقتي للسيدة التسعينية) .
- نضحك ثم نغرق في الحزن.
خاص “شبكة المرأة السورية”
One Response
حتى الاحتفاء بالمقاومين هو فعل مقاومة ولكن المقاومين والمقاومات لا ينتظرونه لان المقاومة واجبهم او قدرهم لا فرق