نور صبح
(1)
تعد ظاهرة التشبيح في الثورة السورية قضيّة مركزية لعبت دوراً كبيراً في الحدّ من مشاركة العديد من أبناء الشعب السوري, وإذا كان التشبيح الذكوريّ يصل إلى مستوى الضرب والاعتقال وإطلاق الرصاص في الشوارع, فإن ظاهرة التشبيح الأنثويّ لم تكن أقلّ شأناً حيث ظهرت العديد من الكتائب لعبت دوراً عسكرياً في بعض المدن السورية مثل مدينة حمص, واللاذقية وطرطوس, بالإضافة إلى مشاركة العديد من النساء في الحضور على الحواجز بشكل شبه دائم لعملية التفتيش اليومي للنساء اللواتي يمررن على هذه الحواجز, ولم تكتفِ العديد من النساء بهذه المشاركات بل تطوعن لأداء دورٍ أمنيٍّ تشبيحيٍّ في العديد من المواقع, منها المدن الجامعيّة والمعاهد الأنثوية, والمؤسسات النسويّة. وفي تجربتنا هذه سوف ننقل شهادة إحدى الفتيات المحقّق معهن خلال إقامتها في المدينة الجامعية التابعة لجامعة دمشق.
(2)
تقول الحكاية إن فتاةً مزّقت صورة الطاغية بشار الأسد الموجودة على بوابة إحدى وحدات المدينة الجامعية, فتكالب عليها كلّ شبيحة المدينة ذكوراً وإناثاً ومزقوا لحمها إرباً إرباً ووزّعوه قرباناً للزعيم المفدى, جاعلين من الصورة الرمز صنماً يخرّون أمامه ساجدين, ولم يكتفِ شبيحة المدينة الجامعية بهذه الواقعة وإنما راحوا يوزّعون أسمال الضحية نتفاً نتفاً لتكون عبرة لمن يعتبر، وسرعان ما أصبحت هذه الواقعة محطّ تباهي شبيحة المدينة..
(3)
جاءت نجود البيضاء ذات العنق الطويل باسمة وضاحكة وعلى شفتيها رواية الفتاة التي مزقت الصورة، وافتتحت الحكاية بأنّ ما جرى لها جرّاء تطاولها على أسيادها، وذلك مصير كلّ من يتطاول على قادة الوطن وأسياده من أصغر إداريّ في المدينة إلى سيادته.
***
لم أصدّق ما قالته نجود, اعتقدت للحظات أن حكايتها هاربة من زمن هولاكو واجتياحه لدمشق, لكنّي صحوت على صوتها المرتفع وهي تقول “لقد مزقت صورة سيادته، وقطّعتها إلى نتفٍ صغيرة من غلّها وكأنه هو من قتل كلّ أسرتها, ولم تكن تدرك أن من قتل أسرتها شخصٌ آخر ينفذ أوامرَ صدرت إليه من جهات عليا, لم يكن الرئيس هو من يصدرها.
***
ارتفع ضغط الدم في رأسي أحسست بالاختناق، تحوّل هواء المدينة الجامعية بأبنيتها وسط غابة أشجار الكينا الباسقة إلى هباب الفحم الأسود، لم يعد سريري وغرفتي مناسبان لفرد ضفائري وشعري المسترسل في غيّه في بلد تتصرّف نجود به كأنه قطعة من حليها, استفاقت حواسي حتى السابعة والثامنة منها وكأنها توقظ كلّ الخوف والجبن الداخلي المعشش بذاتي، الذي تحوّل إلى صراخ مخاطباً نجود: هل وزعتم لحمها بين ضواري المدينة, لو كانت أختك هل فعلتم بها ما فعلتم.؟؟!
نجود: من قال لها أن تمزّق الصورة وتعتدي على سيادته؟ ألا تعلم أن سيادته تاج على رأسها ورؤوسنا جميعاً ألا تعلم أنه رمز البلد، رمز سوريا وابن الزعيم الخالد؟ كيف تتجرّأ على صوره هذه العرعورية … الإرهابية؟
نور: لقد مات أهلها جميعاً … ماذا تتوقّعون من فتاة فقدت كلّ أهلها، كلّ أحبتها وتحولت حياتها إلى جحيم بجحيم, هل تتوقّعون منها أن تحمل صورته وتعلقها وساماً على صدرها؟
نجود: لم أطلب منها أن تعلّق صورته وساماً لكن لا تمزقها فمن يمزق صورته سيتمزق.
(تعالى الصراخ في داخلي ولم أستطع كبته وقمعه… لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا مخاطبة نجود بصراخ مرتفع يقارب الهستيريا)
نجود أنتم تقتلون البلد … أنتم تذبحون كل إنسانة سورية … أنتم تقودون سوريا إلى مذبحة غير مدركين أبعادها… مع جسدها الممزّق والمقطّع بينكم مزقتم كلّ ما بقي حيّاً وقابلاً للحياة في أرواحنا وأجسادنا (لا لا لا لا لا لا لا).
(4)
تنزوي نجود مخرجة هاتفها الجوال ومخاطبة شخصيّة أخرى في وحدتنا، فتاة إرهابية عرعورية جديدة يا سيدتي تعالي انظري إليها شاهديها كيف فعلت الهستيريا فعلها.
يا سيدتي تعالوا خذوها أيقظوها علّها تعود إلى رشدها، هستيريا حبوب الهلوسة وصلت إلى وحدتنا، إلى غرف نومنا، تحتاج إلى ردعكم، بالله عليكم أنجدونا من مفاعيلها، التي بدأت تستوطن على أسرتنا.
تظهر وفاء … من مطلع درج الجناح غرف الطابق الرابع في الوحدة السادسة, وحولها مجموعة من حملة الهراوات حيث يتعالى صراخهم أين هي العرعورية الجديدة؟ أين هي الإرهابية الجديدة؟ وعندما تصل أصواتهم إلى الغرفة الموعودة تفتح نجود بابها وتخرج، بينما تدخل وفاء بـ “شورتها” الضيّق وبلوزتها التي تظهر مفاتن صدرها الكبير، واستقرّت وحولها شبيحتها في منتصف الغرفة، تتقدم نحو الجدار المعلّق عليه صورة الراحل باسل الأسد منتزعة إياها عن الجدار ومخاطبة نور: هذه صورة أسيادكم عليك أن تقبليها. وتقبل الصورة وتركنها خلفها على الأرض.
نور: هل صحيح يا سيدتي أن لحم تلك الفتاة قطّع ووزّع على وحدات المدينة كما تقول نجود؟
وفاء: إن الذي تنتّف وتقطّع صورة قائدنا، رمزنا، معلمنا… وليس لحم تلك الفتاة التي تتهدجين له، والذي تزبدين من أجله.
نور: أرجوك … هل ماتت تلك الفتاة؟
هل قطّعتم لحمها؟
(تتراجع وفاء خطوتين ثلاثة إلى الخلف ودون أن تدري تصبح صورة القائد باسل تحت قدميها، وتصرخ بنور: الذي تقطعت أوصال صورته هو رمزنا… أسطورتنا مقاومنا، حافظ سمعة المقاومة، (تضحك نور ضحكة هستيرية مجلجلة دوت في الوحدة السادسة وتصرخ بوفاء: قائدنا رمزنا أسطورتنا, مقاومنا الأول معلمنا الاول, باني بلدنا صورته تحت أقدامك, تعتلين عليها وتمجدينها في العلن وتدوسينها في لحظة غضبك … يا إله السماوات أنجدنا من هذا النفاق المركب).
وفاء: جرّوها من شعرها إلى أمامي لتقبل صورة الرمز, (لا تستطيع نور مقاومتهم, يجرّونها, ويدفعونها دفعاً لكي تجثو على ركبتيها أمامها), قبّلي صورة الباسل يا قحبة, إنه تاج رأسك وتاج رأس أسرتك قبليها، وإلا أتيت بأمك إلى هنا أو غيّبتها في دهاليز الغياب.
(تنهار نور متضرعة إليها)
نور: كلّ شيء إلا والدتي …كلّ شيء إلا أمي.. كلّ شيء إلا أهلي .
وفاء: أرجعوا هذه المجنونة إلى سريرها …أرموها عليه علّها تستيقظ من هلوستها…من عرعوريتها.. وأخبروني كيف ستتصرف صباح الغد…..
(5)
(تخاطب وفاء شبيحتها): ضبّوا هراواتكن لم نحتج لها اليوم …
يتحرك الموكب مع إشارة وفاء خارج الغرفة وكأنّ شيئاً لم يكن (ضجيج جلبة خروجهم يسمع من آخر الممرّ في الطابق الرابع من الوحدة السادسة.
(6)
(يتعالى صوت بكاء نور وهي في زاوية سريرها منهارة)
خاص “شبكة المرأة السورية”