شام المصري
ظاهرة التسول في سوريا ليست جديدة، لكنها تفاقمت بعد اندلاع الثورة السورية وتغول النظام في حله العسكري، مما خلق جيلاً كاملاً من الأطفال الأيتام والمعاقين، الذين لم يجدوا وسيلة لعيشهم سوى التسول. ويعود منشأ هذه الظاهرة للوضع المعيشي والاقتصادي لأفراد الأسرة والسبب الأهم هو الوعي الثقافي والمستوى التعليمي الذي يكون شبه معدوم في الأسرة مما ينتج عنه أن تتوارث أفراد هذه الصفات وتنقلها للابناء بدورها. أي أن هناك جوانب مختلفة للتسول منها الحالة الاجتماعية للأسرة وطبيعة المهنة الأسرية التي لها علاقة بالتشتت الأسري، إضافة إلى أن المكان الذي تعيش فيه الأسرة له الدور الأكبر في انتشارها، فضلاً عن الجوانب النفسية عند المتسول ذاته سواء في ظل الأحداث الجارية في سورية. واحيانا يكون العامل النفسي أنه لا يملك دافعاً للعمل والإنجاز.
لقد اصبح التسول ظاهرة اجتماعية منظمة ولها تشابكاتها، فالتشريعات السورية المتعلقة بالتسول اجراءات بسيطة لا تتناسب مع وجود تسول منظم. وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل هي الجهة المعنية من مؤسسات النظام بهذا الشأن، كانت تقوم باجراءات تتمثل بإيواء المتسولين والمتشردين الذين يتم توقيفهم من قبل دوريات مكافحة التسول في دور مخصصة لهم وتقدم لهم الخدمات النفسية والاجتماعية والتربوية والصحية طيلة فترة توقيفهم. وهي المعنية بمكافحة هذه الظواهر بإدراج قوانين وعقوبات ملزمة تحد من التسول بكافة أشكاله وتطبيقها لردع كل من يسوق لها ونشر الوعي وثقافة التعليم عند الأسرة بدءا من برامج محو الأمية للكبار حتى أصغر فرد في الأسرة عن طريق المدارس والمعاهد ودور السينما والمسرح والتلفزيون …الخ
والتسول لا يقتصر على الأطفال فقط بل يشمل النساء والشيوخ، وأيضاً الشباب المصابين بإعاقة ما. لأنها بالفعل اصبحت مهنة ويتم الترويج لها بشكل كبير، خصيصاً بعد اندلاع الثورة والدمار الهائل الذي أحدثته الآله العسكرية، وكانت سبباً في تشريد الملايين من منازلهم وأراضيهم والنزوح إلى أماكن أكثر أماناً حتى لو كانت ظروف المكان الجديد والمسكن لا تحتوي على أدنى مقومات العيش فيه مما خلق بيئة مناسبة وطريقة سهلة لكسب العيش عند البعض، بينما استغل آخرون ظرف الحرب والوضع الإنساني المتدهور لمعظم الشعب السوري في الداخل وقام بتطوير هذا العمل الذي كان يمتهنه في السابق.
وهناك ظاهرة أخرى، فقد لوحظ أن بعض العائلات تقوم بتأجير أطفالهم المشوهين والمعاقين مقابل مبالغ مالية تصل لحدود 3000 ليرة يومياً ويرتفع المبلغ حسب نسبة الإعاقه او التشوه لدى الطفل المستأجَر .
أسباب هذه الظاهرة تعود الى تفكك علاقات الترابط والقرابة بين العائلة الواحدة وظروف النزوح وقلة التكافل الاجتماعي الأمر الذي يجعل الفرد يقع أمام مسؤولية احتياجاته لأنه غير قادر على تأمينها بنفسه، وهذا عامل آخر لانتشارها .
أصبحت مناطق النظام التي تؤوي أعداداً كبيرة من النازحين تضم أكبر نسبة من المتسولين والمشردين الذين يعملون في جمع النفايات والتسول، حيث لا يكاد يخلو شارع أو ساحة أو سوق أو حاجز من الاطفال والنساء وذوي الإعاقات الذين يمتهنون التسول والقلة منهم يتسول عن طريق بيع العلك او البسكويت.
والمشاهدة الأفظع هي أن ترى أطفالاً منهم لا تتجاوز أعمارهم السادسة مدخنين ويتعاطون الحشيش على مرأى من الجميع. وحين نود أن نمنعهم ونوعيهم بأضراره ومساوئه على بنيتهم كأطفال يكون الرد بالشتائم والكلام البذيء من باب أنهم يعلمون ما يفعلون وليسوا صغارا … وما من حسيب ولا رقيب يمنعهم أو حتى يمنع بائعي السجائر من بيعهم، مع العلم بوجود قانون يمنع بيع السجائر للقاصرين!
حدثتني اختصاصية في رعاية الأطفال ودعمهم، حيث كانت تشرف على برنامج لتطوير مهارات الأطفال في إحدى دور الرعاية التابعة لمؤسسات الدولة ولفترة وجيزة: “كانت الدار ممتلئة بالفتيات ويعاملن كخادمات داخل الدار عدا عن سوء المأكل والمعاملة والضرب والإهانة. وكان المسؤولون عن هذه الدار يقومون بتشغيل الفتيات القصر في المقاصف والملاهي الليلية وبيوت الدعارة ويتقاضون أجوراً طائلة من تشغيلهن. تأتي سيارات لأخذهن في منتصف الليل بعدما يتم تجهيزهن لهكذا عمل ويعيدونهن في الصباح، ومن ترفض منهن تُعاقب أشد العقاب وتُحرم من الفتات الذي يقدم لها”.
في غياب القانون والرقيب والحساب لا شيء يعلو على صوت المال والفساد والمنفعة، هذا هو القانون السائد وما زال يتطور، فالفقر ليس عاملاً للتسول فالكثير من الفقراء لا يتسولون بل يعملون لتأمين قوتهم ولو بالقليل.
لذلك وفي هذه الأوضاع يجب على مؤسسات الدولة والمنظمات العاملة على الأرض والجمعيات الأهلية ان تضاعف جهودها في الحد من هذه الظاهرة واحتوائها وتأمين آلية عمل تدعمهم وتحد من عمالة الاطفال. وإشراك المجتمع المحلي في نشر الوعي للحد من هذه الظاهرة. فالأمر إن استمر بهذا الشكل المتزايد يعد كارثياً لأن الفئة العمرية تحت سن ال15 تشكل نسبة 40 بالمئة من عدد السكان، كما جاء في التقرير الوطني الثاني لمتابعة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل في سوريا عام 2000، فكيف الوضع الآن بعد 16 عاماً من هذا التقرير وبعد ست سنوات على بدء الثورة في سوريا وحالات النزوح والبطالة واليتم المتزايدة عند كافة الفئات العمرية وبالأخص الأطفال منهم؟ فمستقبل الأطفال في سورية يتجه نحو المجهول في ظل وجود هذه النسب الخطيرة.
إن الاكتفاء بورش العمل والمؤتمرات وبرامج التعليم غير المستمر أو غير النظامي غالباً ما تتوجه لأطفال يمتلك آباؤهم درجة من الوعي تحميهم من الوقوع في براثن التسول والعمالة المشردة، وتتجاهل أطفال الشرائح الدنيا والمعدمة في المجتمع السوري والذي يجب ان يكون التوجه لهم أصلا لحمايتهم وتنمية مواهبهم المدفونة تحت ضغط الحاجة وعدم وعي الأهل.
لا نعلم لمن نتوجه ونسأل … إلى المنظمات التى ما زالت تتشدق بحقوق الطفل والطفولة، أم إلى القوانين الدولية الغائبة إلا عن الأوراق المصدق عليها دولياً كنوع من الوقار لكل دولة صدقت عليها دون تطبيق الحد الأدنى منها؟
ألا يُعتبر تسول الأطفال وعمالتهم نوعاً من انواع الاتجار بالبشر؟
أليسوا هم جيل المستقبل؟
خاص “شبكة المرأة السورية”