جمانة علي
كشرط لمواصلة المفاوضات دعت قوى المعارضة السورية لإطلاق سراح آلاف المعتقلين لدى النظام، والذين يقبع معظمهم في غياهب سجون تفتقر لأدنى المتطلبات الإنسانية، فضلاً عن التعرض للتعذيب والاغتصاب والإهانات المتواصلة. في ظل تلك الدعوات، تغيب عن أذهان البعض، وخاصة المجتمع الدولي، أن النظام السوري قام بتصفية عدد كبير من السجناء، وأصدر عفواً عن مجرمين وإرهابيين وأطلقهم في الساحة السورية، ليعيثوا فساداً فوق فساد.
نهج قديم متجدد
وفق تقرير محققين تابعين للأمم المتحدة، مارست الحكومة السورية سياسة” تصفية” آلاف المعتقلين، فضلاً عن ارتكابها جرائم حرب وإبادة. فقد أشار تقرير صدر قبل مدة قصيرة، وأعدته لجنة تحقيق دولية، أن النظام السوري اعتقل” عشرات آلاف الأشخاص، في وقت واحد. كما اختفى آلاف آخرون فور اعتقالهم على يد قوات النظام، أو أثناء نقلهم بين مناطق خاضعة له، أو أنهم اختفوا إثر عمليات اختطاف نفذتها جماعات مسلحة.
كما أشار التقرير، والذي أعدته لجنة شكلها مجلس حماية حقوق الإنسان، ولكنها تعمل بمعزل عن مكتب حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية: “بالاستناد لمعلومات صادرة عن عدة جهات سورية، معارضة، ومحلية، نفذت الاستخبارات السورية عمليات تصفية لأعداد كبيرة من المعتقلين، وعلى مدار فترات طويلة، وفي عدة أماكن خاضعة لسيطرة النظام”.
إبادة
وقال محققون دوليون: “ارتكبت الحكومة السورية جرائم حرب شملت القتل وسوء المعاملة، والتعذيب والاغتصاب، والعنف الجنسي، وإهانات للكرامة الشخصية. وهناك أدلة تقود للاعتقاد بأن ما جرى يرقى لمستوى تصفية عدد كبير من السجناء السياسيين”.
وبالإضافة لتجاوزات ارتكبها النظام، أشارت اللجنة الأممية لوقوع عمليات تعذيب وإعدامات سريعة لأسرى وقعوا في قبضة مجموعات مسلحة كجبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا، وداعش.
ويغطي التقرير الذي صدر تحت عنوان “بعيد عن العين، بعيد عن العقل: إعدامات داخل معتقلات”، تجاوزات ارتكبت خلال الفترة من آذار/ مارس 2011، عندما بدأت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في سوريا، لحين تشرين الثاني/ نوفمبر، 2015، بعد شهر من بدء روسيا حملة قصفها الجوي دعماً لنظام الأسد. وقد التقى محققون مع 621 ناجياً وشاهداً.
شيء لا يصدق
وقال باولو بيهيرو، رئيس اللجنة: “عانى معظم من خرج من المعتقلات السورية من إساءات لا يمكن تخيلها. وبالنسبة للسوريين العاديين، شكَّل شبح الاعتقال أو الاختطاف، والفظائع التي يتوقع أن يليه، خوفاً دائماً شل حركة الكثيرين”.
وفي ضوء ما وصفوه بتجاوزات مستمرة وشاملة للقانون الدولي أوصت اللجنة بأن يحيل مجلس الأمن مسؤولين في النظام السوري إلى المحكمة الدولية في لاهاي. كما طالبت اللجنة أعضاء مجلس الأمن بفرض عقوبات ضد “أشخاص ومنظمات وهيئات ثبت تورطها في المشاركة بعمليات اعتقال وقتل وتعذيب وإخفاء قسري لمعتقلين في سجون النظام السوري”.
منع
وقد أشار محققو لجنة حقوق الإنسان، ومنهم من شارك في وضع التقرير، بأنهم منعوا بشكل دائم ومقصود من دخول مناطق يسيطر عليها النظام في سوريا. وقد ورد كم كبير من المعلومات بشأن الأوضاع داخل سجون النظام من خال مجموعة هائلة من الصور فاق عددها 50 ألف صورة، وهي تظهر سجناء تعرضوا للقتل أو التعذيب. وقد هربت تلك الصور، في عام 2013، على يد منشق عن النظام. وبحلول الشهر الأخير من العام الماضي، استطاعت منظمة هيومان رايتس ووتش من التعرف على عدد من الضحايا الذين أثبتوا تعرضهم للتعذيب، بعدما اعتقلتهم سلطات النظام بين أيار/ مايو 2011، وآب/ أغسطس 2013. وقد قاد التصوير المنظم لأجساد معتقلين لتوفير دليل دامغ أمام اللجنة، يثبت أن مسؤولين كبار في النظام متورطين في ارتكاب تجاوزات إنسانية.
قانون الطوارئ
وتشير وقائع تاريخية، وأخرى مأخوذة من سجلات سرية تم تسريبها، أن فرض حالة الطوارئ في سوريا، بدءاً من عام 1964 حتى عام 2011، قد سمح لقوات النظام باعتقال مشتبهين سياسيين لمدد غير محددة. وطوال تلك الفترة، يشاع في سوريا، بأنه تم اعتقال عشرات الآلاف، وتعذيبهم واحتجازهم داخل زنزانات انفرادية، ودون توجيه أية تهم لهم. ورغم رفع حالة الطوارئ في عام 2011، عند اندلاع الثورة، ومن ثم بداية الاقتتال الداخلي، فقد تواصلت عمليات الاعتقالات العشوائية. ويعرف السوريون حق المعرفة كيف استهدفت أجهزة استخبارات النظام، والميليشيات الموالية له، نشطاء المجتمع المدني، والصحفيين وعمال الإغاثة، والأطباء والمسعفين.
عفو عن المجرمين
وكما أعلن التلفزيون السوري، أصدر بشار الأسد في أيار/ مايو 2011 عفواً عن جميع السجناء السياسيين، وأعلن في 21 حزيران/ يونيو، 2012 العفو عن جميع الجرائم التي ارتكبت قبل 20 حزيران/ يونيو. ولكن، في كانون الثاني/ يناير 2014، صدر تقرير موسع يحوي أدلة تم تهريبها خارج سوريا، ويثبت قيام النظام بتصفية وتعذيب قرابة 11 ألف معتقل.
ووفقاً لمركز توثيق التجاوزات في سوريا، وهو مجموعة مراقبة تتكون من نشطاء في المعارضة السورية يوثقون تجاوزات لحقوق الإنسان ارتكبت خلال الثورة السورية، فقد بلغ بحلول آذار/ مارس 2014، عدد المعتقلين في سوريا 37,245 معتقلاً.
اعتقالات عشوائية
في آذار/ مارس 2011، تجمع عدة مئات من الأشخاص أمام مقر وزارة الداخلية في دمشق للمطالبة بإطلاق سراح معتقلين سياسيين. وفي ذلك اليوم اعتقلت أجهزة الأمن أكثر من 38 شخصاً في تلك المظاهرة، وكان منهم الكاتب السوري المشهور، طيب تيزيني، وناشطة حقوق الإنسان سهير الأتاسي، وسبعة من أقارب المعارض كمال لبواني.
وفي عام 2015، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنه منذ بداية الثورة في عام 2011، اعتقلت قوات الأمن السورية ما يقدر بمائتي ألف سوري، وأن حوالي 13 ألف سوري، منهم 108 أطفال، قد عذبوا حتى الموت في أقبية المعتقلات السورية. ويؤكد رامي عبد الرحمن، مدير المرصد، أن مسؤولين في أجهزة الاستخبارات السورية معروفين بتجويعهم معتقلين حتى الموت، وهم يحرمون المرضى من تلقي العلاج والدواء، ويعرضونهم لتعذيب جسدي ونفسي.
وقال رامي عبد الرحمن أن عائلات بعض القتلى تحت التعذيب، أجبروا على التوقيع على تقارير تفيد بأن أحبتهم قتلوا على أيدي مجموعات مسلحة.
اختطاف
وردت أيضاً تقارير عن قيام مجموعات مسلحة معارضة للنظام باختطاف واحتجاز عشرات من الأشخاص. ووفقاً لتقرير صدر عن منظمة العفو الدولية، احتجز تنظيم داعش الإرهابي، واختطف وقتل بشكل عشوائي أجانب وصحفيين غربيين، ومواطنين سوريين، لمعارضتهم سياساتهم، أو بهدف الحصول على فديات من أهاليهم الأثرياء.
ووفق شهود عيان، قتلت طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، في كانون الأول/ ديسمبر 2014، 50 سورياً عند قصفها سجناً لداعش، في مدينة الباب بالقرب من الحدود التركية. ورغم تأكيد القيادة المركزية الأمريكية للغارة، فإن مسؤوليها يدعون أن تقريراً بشأن الضربة لم يثبت وقوع ضحايا بين المدنيين. ولكن متطوعي الدفاع المدني أكدوا أنهم انتشلوا 50 جثة لمدنيين من تحت أنقاض المبنى الذي تم قصفه، فضلاً عن جثث 13 من حراس داعش.
ورغم إطلاق النظام السوري، بين الحين والآخر، سراح بعض السجناء، فإن معظم هؤلاء إما أن يكونوا مرضى، كما جرى في حزيران/ يونيو، 2014 عندما أطلق سراح 320 معتقلاً من سجن حلب المركزي، وأكد نشطاء أن معظمهم كانوا مصابين بالسل، وإما أن يكره النظام على تحريرهم في إطار صفقات تبادل مع قوات المعارضة. وقد تكررت تلك العمليات، وتم تحرير عدد من المعتقلات والأطفال، والنشطاء السياسيين.
خاص “شبكة المرأة السورية”