تعتبر جرائم الشرف من أخطر الجرائم، ليس على المرأة فحسب بل على الأسرة والمجتمع، بوصفها جريمة خارجة عن سياق العصر، تنسف كلّ ما توصّلت إليه الإنسانية من قيم وحقوق صنعها النساء والرجال معاً، في سبيل القضاء على الظلم والتمييز والعنف في المجتمع.
القانون السوري وجريمة الشرف:
وفق منطوق المادة 548 عقوبات سوري: 1ـ يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود، أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما، أو قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد.
2 ـ يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر. هذا القانون الذي يفلت الجناة من العقوبة بسببه، تمّ وضعه من زمن الانتداب الفرنسي توافقاً مع قانون فرنسي، كان قائما آن ذاك، تمّ إلغاؤه في فرنسا منذ عام 1960، ولكن مازال معمولاً به عندنا. وبعد كلّ المطالبات والاحتجاجات ضدّ الجرائم التي ترتكب باسم الشرف، قام المشرّع السوريّ على تعديل المادة 548 على الشكل التالي:
يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخوته، في جرم الزنا أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، وتكون العقوبة خمس سنوات إلى سبع سنوات في القتل.
نشير هنا إلى أن سبب تخفيف عقوبة هذه الجريمة، تقوم تحت مسمّى الدافع الشريف للقتل، التي تثير عواطف المحكمة وتدفعها لتخفيف أحكامها، بناء إلى العلّة التي تدفع الجاني إلى ارتكاب جريمته، وهي جريمة من مجموعة جرائم مبنيّة على أساس الباعث للجريمة، الذي ينمّ عن قيم ومثل آمن بها أصحابها، لذلك القانون يأخذ الدافع بعين الاعتبار لتخفيف العقوبة، نشير هنا أن جميع مرتكبي جرائم الشرف استفادوا من التخفيف الآنف الذكر، مع العلم أن الجريمة السياسية وفق قانون العقوبات ترتكب لدافع شريف، غير أن المحاكم لم تأخذ هذا الدافع بعين الاعتبار أثناء محاكمة المتهمين السياسيين بجرائم قتل وغيرها لدافع سياسي، بل على العكس يواجه المتهم أقسى وأشدّ العقوبات.
أمّا عندما يقتل أخٌ أخته أو أبٌ ابنته، أو زوجٌ زوجته، فالحكم يخفّف حدّ خمس سنوات. وعلى اعتبار أن الجاني يقوم بجريمته بالاتفاق مع عائلته، فإن العائلة الكريمة سوف تسقط حقوقها الشخصية عن القاتل، بالتالي الجاني يحكم فقط بالحقّ العام، بعد أن يستفيد من الدافع الشريف. مع العلم أن القانون وفق منطوق المواد آنفة الذكر يشترط عنصر المفاجأة… بينما في الواقع إن كلّ الجرائم التي ترتكب باسم الشرف، تكون جرائم عمد، أي ترتكب الجريمة بعد تدبير وخطة، بدليل القصص المتشابهة التي تروى عن خداع الأهل لابنتهم بعد دعوتها للصلح، في حالات زواج نساء خارج رغبة الأهل وخاصة من طائفة مختلفة، تأتي إليهم وهي سعيدة، وإذ بهم وبفظاظة وبرودة أعصاب يقتلونها، بمباركة واسعة، و بدلاً من إقامة فرح للعروس يفرحون بذبحها كالشاة، ويهنئون بعضهم. أي لا مكان لثورة عنف تفقد الإنسان قدرته على التحكم بسلوكه الجرميّ. هذه الجريمة وأشباهها ماهي إلا القتل العمد الذي يستحق فاعلها أقسى العقوبات. إضافة لذلك، و هنا لابد من الإشارة أن القانون نفسه الذي يعطي العذر للجاني في الحالات المذكورة، هو من يشدد عقوبة القتل إلى الإعدام في حال قتل الشخص أحد أصوله أو فروعه، قصداً، فكيف إذا كانت عمداً. ذلك يشير إلى التناقض في القانون، حيث تشدد عقوبة القتل في الجرائم التي تقع على الأصول أو الفروع، بينما في جرائم الشرف دائماً يكون القاتل من أصول أو فروع المقتولة أو زوجها وعقوبته مخففة.
نضيف أنّ جرائم الشرف تعبّر، وتفضح التمييز الفاضح بين الرجل والمرأة، في الحياة كما في القانون، حيث أنه في كلّ جرائم الشرف، تبدو المرأة ليس لها شرف، لأن شرفها يرتبط إما بزوجها أو أصولها الأخ أو الأب، في الدارج يقول الناس وحياة عرضك يعني زوجتك أو بناتك، بمعنى: إن المرأة هي شرف الرجل، أمّا هي فلا شرف لها بشكل مستقل، وبالتالي فهي جزء من الرجل وملكية خاصة به، وهذه الحقيقة مرتبطة بحقيقة أخرى أن المرأة ليس لها سلطة على جسدها، بل هو ملك عائلتها قبل الزواج، يحقّ لهم التدخل في شؤونها، ومن حقّهم رفض خياراتها مع شريك المستقبل، يدعم ذلك القانون حيث الكبيرة التي يحقّ لها الزواج دون رأي الوليّ، ولكن بشرط الكفاءة، فإذا كان الرجل غير كفء برأي أبيها يحقّ له رفع دعوى لفسخ الزواج، غصباً عن إرادة ابنته الكبيرة. هذه الكفاءة التي تحدّدها الأعراف في كلّ منطقة، لا تأخذ مشاعر المرأة بعين الاعتبار. ومع ذلك هذا الحكم الشرعي لا يبرّر قتل المرأة. بمعنى آخر؛ فالشريعة الإسلامية لا تدعم القتل بدافع الشرف، لأنّ المرأة حتى لو كانت زانية فعقوبتها الجلد، إضافة إلى أنه لا تمييز في الزنا بين عقوبة المرأة والرجل، وفي حالة تزوجت المرأة دون رأي أهلها، فإذا توفر شرط الكفاءة لا يحقّ للولي الاعتراض على الزواج، أمّا في حالة زواجها من غير مسلم لا مشكلة في حال أسلم الزوج، ويعتبر الزواج باطلاً في حال زواج المسلمة من مسيحيّ لم يشهر إسلامه، ولكن لا يوجد ما يبرر قتلها، وإن كانت هذه القيم الدينية تحدّ وتقيد المرأة في حريّة اختيارها، الذي تضمنه القوانين المعاصرة، والاتفاقات الدولية التي تناهض التمييز.
جرائم الشرف والحرب الدائرة:
حيث تتعرض النساء في الحروب نتيجة الأعمال القتالية الدائرة، إلى جرائم عديدة ضحاياها من النساء: الاغتصاب في أماكن الاقتتال أو في المعتقلات والسبي والتهجير القسري، كما تتعرّض اللاجئات والنازحات لكلّ أنواع الابتزاز والضغط والتحرّش الجنسي، والإتجار بالبشر جرائم تسجل يومياً، كان آخرها فضيحة عصابة على الأراضي اللبنانية، تقوم بالإتجار بالنساء اللاجئات السوريات، بعد خطفهن وتعذيبهن واغتصابهن.
من نتائج الحرب أيضاً، أعداد النساء الأرامل التي تتزايد مع استمرار الحرب واتساعها، بما يخلّ بالتوازن السكاني، وتصبح المرأة هي المعيلة، باحثة عن سبل العيش لها ولأبنائها، وعندما تسدّ الأبواب في وجهها، تكون عرضة لكلّ أنواع الابتزاز والتحرّش الجنسيّ، في أبشع استغلال لحاجتها الماسة.
كما أنه في حالة انهيار الأمن والأمان وتسلط القوى المسلحة، تصبح الفوضى سيدة الموقف في عمليات المراقبة والتفتيش في الشوارع وعلى الحواجز، تكون النساء عرضة لكلّ أنواع الابتزاز، وفي المناطق التي تسيطر عليها القوى المتشددة عند أيّ سلوك يصدر عن المرأة لا يوافقون عليه، تلاحقها تهمة الكفر والزنا، تسجن وتعذّب، نساء رجمن حتى الموت، إضافة إلى السبي والاغتصاب الذي يتعرّضن له.
في الداخل حيث تعدّدت أشكال الموت، وكثيراً ما يفلت الجاني من العقاب، حيث تتوفّر شروط إلقاء التهم، ونقل عبئها على جهات تقوم بالخطف، أو بسبب قصف عشوائي أو رصاصة عمياء، وإبعاد الشبهة عن الجاني الحقيقي. إضافة إلى صعوبة وجود إحصائيات دقيقة للنساء ضحايا الشرف، نتيجة اختلاطها بجرائم أخرى. في الحرب صار الموت والقتل سهلاً، لذلك جرائم الشرف سوف تزداد حكماً، وإن أخذت لبوساً أو غطاءً آخر.. إنّ الأوضاع تسير للأسوأ، ويخشى على كثير من النساء، بعد أن تقطعت أوصال العائلات بشكل قسري، حيث الزوج في مناطق الصراع، والزوجة مع أطفالها اضطروا للجوء إلى إحدى الدول، أو زوج مفقود قد يعود، وزوجته طلبت التفريق، وتزوجت مرّة أخرى، ولم يسجّل تفريقها في سجلات المحاكم، يعني قانونياًّ مازالت زوجة المفقود، وزوجها الآخر غير شرعي، أو تكون هاجرت مع أطفالها، وتعرضت للابتزاز وتشويه السمعة، سيأتي يوم تجتمع العائلات أو يذهب الرجال بحثاً عن أخت لهم، أو بنت أو زوجة، وسوف تحاسب النساء.
بالعودة إلى عصابة الإتجار بالنساء، أيّ خطر ينتظر هؤلاء النسوة، من أهاليهن بعد أن يصل إلى علمهم أن ابنتهم كانت إحدى الضحايا؟
إنّ تأمين كلّ ما يلزم لحماية النساء من العنف وخاصة جرائم الشرف، يتطلب حملات استنكار ومناهضة لجرائم الشرف التي تهدد حياة النساء، حتى تتحوّل إلى قضية رأي عام، وبذل الجهود وتضافرها لنشر الثقافة، في أوسع الأوساط لتغيير مفاهيم بالية تهدّد كيان الأسرة، والعمل على وجه السرعة لتغيير القوانين التمييزية، وفي مقدمتها القوانين التي تشجع العنف وتحمي القاتل، بالتزامن مع تأمين الحماية اللازمة للنساء المعنّفات والمهدّدات بالعنف، وتشجيعهن على الإفصاح عن مخاوفهن، لمواجهة المشاكل الكثيرة التي سيفرزها الوضع القائم على مستقبل نسائنا ورجالنا والعائلة السورية الوليدة من مخاض حرب مزقّت وقطّعت وشوّهت ما لا تحمد عقباه.
خاص “شبكة المرأة السورية”