خولة غازي
لا يخفى على أحد حجم الأعباء الملقاة على عاتق المرأة السورية في بلاد اللجوء، ففقدان المجتمعات الأساسية والاستعاضة عنها ببدائل آنية، أكثر ما يربكها، فكثيرة هي التحديات التي تواجهها، بدءاً من التأقلم على حياة جديدة إلى اللغة وأشياء كثيرة، بالمقابل هناك العديد من التسهيلات في التعليم والخدمات الاجتماعية.
وبهذا الخصوص قامت شبكة المرأة بالعديد من اللقاءات لرصد تلك التحولات ورصد تداعيات الحياة الجديدة عليها.
لم أستطع التأقلم:
تحدثت السيدة هالة القادمة من حماه في وسط سوريا عن التحديات التي واجهتها منذ بداية خروجها من سوريا قائلة: “عندما بدأت الناس بالخروج من سوريا لضمان حياة أمنة فكرت وحددت المكان الذي أرغب بالوصول إليه، وكانت دولة السويد، فهي دولة الانسانية والرقي الأخلاقي، وهي حلمي منذ الصبا. وفعلاً حاولت الاتصال مع أكثر من شخص ممن خرجوا من البلاد وقاموا بإرشادي إلى أحد المهربين في تركيا، وتواصلت معه واتفقنا على المبلغ الذي لم يكن كبيراً قياساً بما كان سائداً، هذا الكلام كان في بداية الثورة أي قبل أربع سنوات تقريباً. أخبرت زوجي بما أنوي فقال لي انه لا يرغب أن يخرج حالياً من سوريا، وأنه سوف يتتظر لم الشمل، وبالنسبة للأولاد نصحني أن لا أخذهم معي فمشقة التهريب كبيرة عليهم.
ودعتهم وذهبت إلى تركيا ومن هناك قطعنا البحر إلى اليونان ، وبعد ذلك تدبر أمري مع نفس المهرب ووصلت إلى السويد (جنتي الموعودة) .
وتتابع هالة : “لن أقول أني صدمت، فشعور الوحدة غلب كل مشاعري الأخرى، فالبرد القارس وغياب أحبابي من حولي جعلني حزينة دائماً، لم أستطع النوم لأيام، وبدأت حالتي النفسية تسوء، وخاصة عندما سمعت عن حالات انتحار قام بها بعض اللاجئين لعدم قدرتهم على التأقلم مع أجواء السويد. كما أن هناك من فضل العودة إلى المكان الذي قدم منه وغالباً أحد دول الخليج.
قاموا بعرضي على دكتورة نفسية التي قالت لي أن حالتي هي اكتئاب وهذا أمر عادي في السويد، أعطتني الدواء، وبعد فترةاستعدت توازني قليلاً، لتبدأ معاناتي الأخرى مع زوجي الذي لم يعد يرد على اتصالاتي، حاولت أن اتكلم مع ابنتي التي ترددت في قول الحقيقة إلا بعد حين، واخبرتني أن والدها تزوج بسيدة أخرى.
أصابني انهيار عصبي، وجلست في المشفى لعدة أيام، ورافقني الاحباط واليأس. قلت لمعالجتي النفسية ما معنى قدومي هنا طالما خسرت كل شيء، لم يكن سهلاً علي ما جرى.
عشت أياماً قاسية بكل معنى الكلمة، الحمدلله أحوالي الأن أفضل بكثير، بعد أن أخذت الاقامة وقمت بإجراءات لم الشمل لأولادي، نحن الأن نعيش حياة هادئة وبسيطة”.
وعن سؤالي إن كانت ما تزال ترى السويد كما قبل أجابت : “بالحقيقة لا ، ما يهمني الأن أن يعيش أولادي بهدوء وطمأنينة، ولكن ساعة واحدة في سوريا بأوروبا كلها. مازال حلم العودة يراودني وأظنني سأفعل بعد أن أطمئن على أولادي. مصاعبي في هذه البلاد تتمثل في عدم قدرتي على التأقلم، فالصورة التي كانت في خيالي لا علاقة لها بالواقع، على الرغم من كافة الخدمات الموجودة، ولكن في قلبي غصة كبيرة”.
واستأذنتها أن أتكلم مع ابنتها الشابة، والتي قالت لي: “إني مشتاقة لسوريا، صحيح هناك حرب، ولكن اللغة لغتي، وأهلي واصدقائي هناك، مع ذلك استطعت أن اتأقلم هنا، ولغتي جيدة وأدرس في المدرسة، ولي اصدقاء سويديين”.
وعن اذا ما كانت متأثرة بأمها قالت: “قد يكون لأمي تأثير على مزاجي الآن في العودة لسوريا، ولكني بصراحة أرغب بالعودة بعد أن أكون متمكنة من دراستي ومعي شهادات عليا، لا أرغب بالعودة وأنا فاشلة وليس عندي عمل أو طموح”.
وعن الصعوبات التي واجهتها قالت: “لا شئ كبير سوى الفقد والشعور بالغربة في بداية الأمر، ولكن الأن أصبح عالمي جميلاً، ووقتي كله بين الدراسة والمدرسة ورؤية الأصدقاء في أيام العطلة”.
هددوني بأخذ أولادي مني
السيدة أم أنس من ريف إدلب، قدمت مع أولادها الثلاثة إلى أوروبا في فترة النزوح الكبير عبر البحر، تحدثت قائلة: “قدمت دون زوجي الدي فضل البقاء في سوريا لأنه مقاتل في أحد التنظيمات المسلحة، قام بتأمين خروجي مع أولادي من سوريا حتى تركيا. كان الأمر سهلاً جداً، فبمجرد نزولنا من القارب كان هناك من ينتظرنا من متطوعين أجانب على الشاطىء قدموا لنا الماء والدواء والطعام وكافة الاحتياجات ورافقت من معي حتى وصلنا إلى ألمانيا.
وفي ألمانيا بدأت معاناتي، ثلاثة أولاد وأنا وحيدة وفي دولة غريبة … كانت أولى الليالي سوداء بكل معنى الكلمة. منذ فترة بعثوا خلفي من مدرسة الأولاد بخصوص ابني الصغير الذي يقول لهم إن أمي تريد (ذبحي) إن رجعت للبيت، عدا عن أشياء أخرى من خياله. سألوا أخوته فقالوا لهم إن هذا الكلام ليس صحيحاً وهو يتخيل. ولكنهم لم يقتنعوا فطلبوا مقابلتي فذهبت وكان معي المترجم. سألوني أسئلة كثيرة إن كنت أضربهم، واعاقبهم بقسوة، فأجبتهم باني أتصرف كأم ولا يمكن ان أؤذي اولادي بالمطلق، ولكنهم يشاهدون الأخبار بكثرة، فمنعوني من أن ادعهم يشاهدون الاخبار، وحولوا ابني لطبيب نفسي، وقالوا لي في حال تكرار الأمر سوف نضطر لأخذ الأولاد منك.
وتتابع أم أنس : “الله ستر ما قلتلهم أبوهم مقاتل كانوا أخذوهم. (الغربة كربة) كما يقول المثل، والله يوم واحد بسوريا، لولا الحرب، أحسن من كل ألمانيا. مصاعبي كثيرة هنا، عليّ أن أقوم يكل الواجبات من تسوق وطبخ ورعاية ثلاثة أولاد، بالإضافة إلى اجراءات الاقامة لوحدي بدون معين معي يساعدني، الحمدلله كل الأمور بخير الأن”.
وحين سألتها عن زوجها وهل إذا كان هناك تواصل قالت: “قليل جداً التواصل، وبيني وبينك أحسن … وضحكت بدون أي تعليق.
أما السيدة نسرين من ريف حمص فقالت: “لقد استدعتني المدرسة لأن ابني تشاجر مع طفل سوري آخر بخصوص العلم، فأبني مع علم الدولة “الأحمر “والطفل الأخر مع العلم “الأخضر”، وقد تقدم أهل الطفل الأخر بشكوى للمدرسة ضد بني بحجة أنه شتمه شتيمة كبيرة. هذا الكلام عارٍ عن الصحة، ولقد جمعوني مع أهل الطفل الأخر وهددونا في حال تكرار الموضوع سوف يأخذون الأطفال للرعاية الاجتماعية.
وتضيف نسرين: “هذه الحادثة آلمتني جداً، كيف يريدون أن يأخذوا ابني؟ لو بقينا في بلادنا كان أفضل لنا”.
وعن رغبتها بالعودة قالت: “لا أعتقد أنني سأعود، فأولادي صغار وليس بمقدوري العودة إلا بعد سنوات. كل شيء جيد هنا، فمصاعبي بسيطة قياساً بالمرأة الوحيدة التي تأتي دون زوجها، إلا أن الحنين لأهلي يؤرقني دائماً ومشاهدة الأخبار تزيد من حزني وخوفي على الأهل وعلى البلد.
أوروبا جنة قياساً بسوريا
ملك متزوجة للمرة الثانية حديثاً، وهي حالياً في بلجيكا تقول: “أنا من حلب وتزوجت قبل سنوات، وبعد أن اندلعت المواجهات المسلحة في حلب وريفها خرج زوجي من البيت ولم يعد، لم يتمكن أهله وأصدقاؤه من الوصول له، أوالحصول على أية معلومة عنه. نزحت إلى كلس يتركيا ، وبدأت العمل يالمطرزات والصوف، حتى استطيع الاستمرار بالحياة، لقد تعذبت كثيراً، ونمت أياماً طويلة بلا طعام ، ولم أفقد الأمل بعودة زوجي، ولكن الأمر طال كثيراً، حتى أهله، وكي يزيحوا الحمل عن كاهلهم قالوا لي اذا وجدت رجلاً مناسباً تزوجي فولدنا لن يعود.
وتعرفت على زوجي الحالي وساندني كثيراً وفعلا أزاح عن قلبي الهم والغم بعد أربع سنوات، وصلنا إلى هنا قبل شهور وأمورنا ممتازة جداً، يكفي أن الدولة هنا مسؤولة عني وعني زوجي من مسكن وطبابة وإعاشة، حتى نأخذ الاقامة ونعمل.
وعن رغبتها بالعودة إلى سوريا قالت: “لا لن أعود، لمن أعود؟ لقد ذقنا الويل، من تشرد وانقطاع لكافة سيل الحياة من كهرباء وماء، إن طلبت خدمة من أحد، يطلب مني شيئاً بالمقابل كوني امرأة وحيدة، كنا في غابة. الحمدلله أني خرجت، وكما يقول المثل ” كسرت الجرة وراي”. مادام زوجي معي وأمورنا متيسرة لا أفكر يالعودة ، فهنا جنة عدن قياساً يما جرى ويجري بحلب. وعن مصاعبها قالت: “لا شئ يذكر فزوجي معي ونتعاون في كل شيئ”.
لا أحب كلمة لاجئة
السيدة سحر معتقلة سابقة تعيش منذ أكثر من سنة في ألمانيا وكانت قد قضت فنرة في لبنان، لم تستطع التأقلم مع الوضع الجديد وترفض الفكرة نهائياً، تقول: “لم أختر اللجوء بل فُرض عليّ فرضاً، واضطررت للقدوم وشعوري هنا كشعوري عندما كنت في الزنزانة، وأتضايق ممن يقول لي مبروك، هذا الموضوع لا يستحق المباركة لقد تركت وطني وذكرياتي واهلي، أنا أشبه بالنبتة التي خرجت من أرضها.
وسألتها في حال وجود أولادها معها هل كان سيتغير شعورها: “بالتأكيد ستكون الاعباء أخف وسيكون هناك شيء شبيه بحياتنا الطبيعية كأسرة، أنا في أصعب حالاتي بعيدة عن حياتي، كيف لي أن أتقبل هذا الجديد الذي لا يشبهني، أنا أتحين الفرصة للعودة إلى سوريا. لا أحب كلمة لاجئة ودائماً اقول كان الله في عون الفلسطينين الذين لجؤوا الى سوريا كيف تحملوا أن ينادونهم باللاجئين التي كانت تسبق كلمة فلسطيني وفيما بعد لم يعد احد يذكر فلسطيني انما فقط لاجىء، يطلق علينا اسم “لاجئون سياسيون” مثل كل باقي اللاجئين من غير دول.
وتختم بالقول :اسوء شيء فعلته في حياتي هو انني لاجئة الآن.
نتيجة وهدف
نجد من خلال عرض تلك الشرائح أن المرأة التي لديها أولاد في المراحل العمرية الصغيرة هي من تعاني أكثر من غيرها من أعباء المرأة، إضافة إلى عدم وجود الأب، أو أحد الأقارب، ناهيك عن شعور الاغتراب والبعد عن المجتمع الأساسي لها، والتداعيات النفسية اللاحقة، فالمرأة عاطفية أكثر من الرجل، لدا يكون انعكاس ذلك واضحاً عليها أكثر من الرجل.
ويختلف الوضع بالنسبة للشابات فهن أكثر قدرة على التأقلم لأن هذا العمر مناسب للبدء بحياة جديدة، من خلال الدراسة والعمل وأشياء كثيرة تُدخلهن في المجتمعات الجديدة بسهولة.
ذكرت احصائية عن جامعة الدول العربية أن االنساء والأطفال يمثلون ٨٠٪ من عدد اللاجئين السوريين، هذا الرقم مؤشر إلى حجم الأعباء الكبيرة التي تقع على عاتق المرأة، وخاصة الخارجة حديثاً من ويلات الحرب، وانعكاس ذلك يكون بمدى الأذى التفسي الذي سيلحق بها في مواجهة ظروف كثيرة وجديدة ومختلفة في بلاد لا تقدر أن تتكل فيه على أحد إلا نفسها.
ومن خلال التقصي عن سيدات في بلاد اللجوء وجدنا أن هناك عوائل عادت إلى سوريا لم تستطع التأقلم مع الواقع الجديد، ووجدت في أجواء سوريا على الرغم من الحرب جنتها ومكانها الأخير رغم مشقة السفر والوصول إلى أوروبا.
ومما تقدم نجد أن المرأة القادمة إلى بلاد اللجوء تحتاج إلى دعم نفسي مكثف لجعلها تتقبل وتتأقلم مع الحياة الجديدة التي ظاهرها مريح وباطنها قاسٍ جداً ، في ظروف فُرضت على تلك العوائل الخروج من واقع مرير إلى واقع لا يقل مرارة في بداية الأمر.
خاص “شبكة المرأة السورية”