لمى راجح
منذ لحظة خروجها من المعتقل، وهي تعاني من أسئلة أهلها ومجتمعها للاستفسار منها في حال تعرضت للاغتصاب عندما تم اعتقالها، حنان والتي تبلغ من العمر 24 عاماً اعتقلت من قبل فرع الجوية في دمشق حينما كانت طالبة في كلية الحقوق، وتعرضت خلال فترة اعتقالها والذي دام خمسة أشهر لمختلف أنواع التعذيب من ضرب ولكم وشبح وصعق بالكهرباء، ومع ذلك كانت راضية أنها لم تتعرض للاغتصاب، حيث تعلم مسبقاً ردت فعل أهلها ومجتمعها المجحفة بحقها في حال فقدت عذريتها على حد قولها.
بعدما خرجت من المعتقل استقبلتها عائلها بالفرح الممزوج مع الحيرة المرسومة على وجوههم، وعندما تفردت بها والدتها باغتتها بسؤال مفاجئ وقالت لها:
“هل قام أحد عناصر الأمن باغتصابك داخل السجن…”
لحظتها لم تدري حنان ما تقول لوالدتها..! أحقاً هذا ما يشغل بالها؟ أما أخوها محمد وهو الولد البكر في عائلتها لم يستطع ضبط أعصابه وفي اليوم التالي وجه لها ذات السؤال.
ما حدث مع حنان داخل المعتقل لا ينفي وقوع حالات اغتصاب بحق المعتقلات، حيث لجأ عناصر الأمن داخل الأفرع الأمنية لاغتصاب المعتقلات بهدف ابتزاز خصمهم، وأيضاً كنوع من التعذيب الجسدي والنفسي لهن، وهذا ما أكدته الشبكة الأوربية المتوسطية في تقرير لها نشرته عام 2015 بعنوان ” احتجاز النساء في سوريا سلاح الحرب والرعب” حيث أشار التقرير إلى أن سيدة واحدة فقط من أصل 53 سيدةً (عينات البحث الذي أجرته الشبكة) لم تتعرض للاغتصاب.
واجهت حنان لاحقاً نوع من الاغتصاب الاجتماعي دفعها إلى الابتعاد عن مجتمعها على حد قولها. فليست عائلتها وحدها من استجوبتها، بل لطالما انهالت عليها ألسنة أقربائها وأصدقائها ليستفسروا منها في حال تعرضت للاغتصاب، ومنهم من طرح سؤاله بشكل مباشر ومنهم توارى خلف سؤاله.
وفي كل مرة تجد نفسها مجبرة للتبرير لهم أنها لم تتعرض للاغتصاب الجنسي، حتى سئمت من سؤالهم المرضي على حد وصفها والممزوج تارة بالشفقة عليها وتارة أخرى باللوم وكأنها هي المذنبة ! وتتابع حنان وتقول:
“كثيراً ما سألت نفسي ماذا لو تعرضت للاغتصاب داخل المعتقل مثل ما حدث مع عدد من المعتقلات؟ ثم ما قيمة غشاء البكارة أمام التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعانين منه المعتقلات؟ ولماذا يلوم المجتمع الضحية بدلاً من لوم الجلاد؟”
أشار تقرير الشبكة الأوربية المتوسطية إلى صعوبة توثيق حالات الاغتصاب وذلك بسبب القيود الاجتماعية وأيضا التكتم على الموضوع خوفاً من ردة فعل المجتمع، والذي مازال يضع اللوم على المعتقلة بدلاً من محاسبة الجناة، على الرغم من تأكيد المواثيق الدولية في القانون الدوليّ من أن الاغتصاب جريمةً ضد الإنسانية، وتصنف ضمن جرائم الحرب. وعدّها اعتداءً جسيماً على مبدأ الحماية الذي قرّرته اتفاقيات جنيف لعام 1949، خصوصاً الاتفاقية الرابعة للمدنيين، وأيضاً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
قبل بضعة أشهر تقدم أحد الشبان لخطبة حنان، فأخفت عنه أمر اعتقالها لفترة من الزمن، غير أنها فضلت إخباره لاحقاً، فيما بعد بدأت تلحظ تغير معاملته لها، فلم يعد يبدي اهتماماً بها وفي أحياناً كثيرة لم يعد يرد على اتصالاتها، أصبحت علاقتهما فاترة وباردة، ليخرج من صمته بعد فترة، ويطلب من والد حنان فسخ الخطوبة. وتستكمل حنان وتقول:
“لما خبرت خطيبي أني كنت معتقلة سابقة، لحظتها ما حكى أي كلمة، ولثواني سكت، مع الأيام صار في جفا بيناتنا، وفجأة تركني وطلب فسخ الخطبة !! ما كنت بعرف أني رح اطلع من تحت الدلف لتحت المزراب” ([1])
عانت حنان من قسوة المجتمع عليها ورميها بشكوكه نتيجة اعتقالها ولاسيما عندما تخلى عنها خطيبها، وفي هذا السياق يقول أحمد شيخاني مدرب في الدعم الاجتماعي، وإخصائي اجتماعي نفسي:
” نحن نعيش ضمن منظومة مجتمع ذكوري والذي ينظر للمرأة على أن كرامتها وشرفها من كرامة وشرف الرجل الذي يخصها، وبالتالي فإن أي مساس بكرامة المرأة يعتبر مساساً بكرامته،
كما نعيش ضمن منظومة مستبدة تكرس مفهوم عدم المساس بالمرأة، ومن أجل ذلك يحاول المستبد الضغط على الأطراف الأخرى من خلال استعمال النساء كسلاح، وإرسال رسائل واضحة ورادعة للمجتمع في حال فكر بالتمرد عليه، وذلك من خلال الإساءة لنساء العائلة والذي يعتبر إساءة للعائلة بأكملها”
يختلف الأمر بالنسبة لمريم والتي تبلغ من العمر 23 سنةً، اعتقلت من قبل فرع الأمن العسكري في مدينة حمص، وتعرضت للاغتصاب أثناء فترة اعتقالها، الذي دام مدة ثمانية أشهر، حينها كان هناك علاقة تربطها بشاب يدعى لؤي وقد اتفقا على الزواج ولكن اعتقالها حال دون ذلك.
لجأ لؤي إلى لبنان وعندما علم بأمر الإفراج عن مريم عاد وتواصل معها، ومن ثم التقيا مجدداً في لبنان. أخبرت مريم لؤي عن قصة اغتصابها وما عانته في المعتقل، ولكن ذلك لم يشكل أي عائقاً أمام زواجهما ويقول لؤي:
“عندما علمت في الأمر تملكني شعور لا يوصف، شعور ممزوج بالغضب والحقد، لأنهم أساؤوا لمريم، وعذبوها، واغتصبوها، ولا أستطيع تخيل حجم الأمل الذي عانته داخل المعتقل”
اليوم تعيش مريم وزوجها في لبنان، كأي زوجين، وتحاول مريم نسيان مع حصل معها، فالحياة مستمرة على حد تعبيرها، أما لؤي لا يتوانى عن تقديم الدعم لمريم ويقول:
” لم أتزوج مريم بدافع الشفقة، بل تزوجتها لأنني أحبها وأراها زوجة مناسبة لي، وهي لا ذنب لها فيما حدث”
مازالت المجتمعات المحلية في سوريا تعاني من إشكاليات اجتماعية منها تكريس الصورة النمطية للمعتقلة ولاسيما تلك التي تعرضت للاغتصاب، وفي هذا الصدد يقول شيخاني:
“نحن نحتاج إلى حل متكامل شامل لكل أفراد المجتمع ومؤسساته المدنية والحكومية، ويكون ذلك من خلال زيادة الوعي والنضج لدى المجتمع، ووضع رسائل واضحة ومحددة من قبل الاخصائيين والإعلاميين ورجال الدين والحقوقيين، من أجل مخاطبة المجتمع للوقوف ودعم الناجية ودفع الظلم عنها الذي وقع بحقها، مثلما قد يقع بحق الرجل أيضا”
تعيش اليوم حنان في تركيا وتعمل في أحد منظمات المجتمع المدني، وقد قررت بينها وبين نفسها آلا تخبر أحد عن أنها كانت معتقلة سابقة كي لا تعود للدوامة نفسها.
[1])) مثل شعبي يستخدم لدلالة على سوء الأمور التي يواجهها الإنسان وانتقاله من ظروف سيئة إلى ظروف أسوأ منها.
خاص “شبكة المرأة السورية”