سلمى الدمشقي
وأخيراً انتهى هذا اليوم الطويل، والذي ابتدأت التحضيرات له منذ شهور، وذلك ببرامج توعوية عن أهمية دور مجلس الشعب في مراقبة أداء الحكومة. وفي تفعيل مجلس الشعب السابق لدوره الرقابي في الاشهر الاخيرة قبل انتهاء ولايته، حيث تم استجواب وزيرين ( وزير الكهرباء ووزير التموين والتجارة الداخلية ) بسابقة خطيرة، تعد الاولى، في الشهر الاخير لمجلس الشعب السابق حيث قام أغلب أعضاء مجلس الشعب باستجواب هذين الوزيرين ونقل هذا الاستجواب على الهواء مباشرة وتم توجيه النقد الشديد واللوم لتعثر أدائهما أمام أعين المشاهدين جميعاً. وباستنفار المذيعين الجوالين في العاصمة دمشق والمحافظات يأخذون اراء الشارع عن أهمية صوتهم الانتخابي. وبفسح المجال واسعاً لعدد كبير من المرشحين حتى ممن لا تتوفر لديه أبسط الصفات المتعارف عليها في المرشح بقبول ترشيحهم، أن يحلموا بأن يكونوا أعضاء بمجلس الشعب لما للعضو من امتيازات كبيرة. وبذلك يضمن الاعلام اجراء برامج فحواها الحديث عن عدد كبير من المرشحين يتنافسون بكل ديمقراطية لحجز كراس في مجلس الشعب الموقر. وهذا مانوه عنه رئيس الجمهورية في حديثه الصحفي بهذه المناسبة. وهكذا امتلأت شوارع العاصمة بصور مرشحين ومرشحات هم اقرب الى الزعران والراقصات، وأم البيارق ذائعة الصيت، خير مثال على ذلك.
ونقلا عن صحيفة الوطن في عددها الصادر يوم اقفال باب الترشيح، إن عدد المرشحين في المحافظات كافة بلغ / 11341/ منهم 1805 في دمشق وريفها، و2485 في حلب ومناطقها، في حين سجلت محًافظة حمص أكبر عدد للمرشحين عن باقي المحافظات فبلغ عددهم 1800 مرشح، وسجلت محافظة حماة 700 مرشح، في حين وصل العدد في اللاذقية إلى 1653 مرشحاً، و634 مرشحاً في طرطوس، و311 في دير الزور و546 في الحسكة، على حين بلغ عدد المرشحين في الرقة 197 مرشحاً و321 في درعا و263 في السويداء، وأخيراً 240 مرشحاً في القنيطرة وهؤلاء جميعا يتنافسون على /250/ كرسي هم عدد أعضاء مجلس الشعب .
إذن جاء هذا اليوم الموعود، وبعد خمس سنوات من عمر الثورة، والتي دُفع ثمنها دماً غالياً، ليكون أسوأ بممارساته غير الديمقراطية من كل الانتخابات السابقة.
فمن الزام معلمي ومعلمات المرحلتين الابتدائية والاعدادية في الحضور والدوام لإجبارهم على الانتخاب، رغم انه يوم عطلة لطلاب هاتين المرحلتين. الى اغلاق ابواب الجامعات وجر الطلاب الى صناديق الانتخابات وممارسة القمع والتشبيح عليهم في منعهم من مغادرة الحرم الجامعي اذا لم يكن ابهامهم مغطى بحبر الترشيح. الى رفض الإجازات الإدارية للموظفين في الدولة ومنع كل اشكال الغياب والتوضيح وقبل يوم من الانتخابات لكافة الدوائر الرسمية في الدولة. إن الغياب في هذا اليوم العظيم غير مبرر وسيتحمل الموظف مسؤولية غيابه ولك ان تتخيل الرعب الذي سيعيشه الموظف مما قد يتعرض له من مضايقات أمنية قد تصل الى حد الاعتقال في حال قرر الغياب وتشجيع الوصوليين على كتابة التقارير الامنية بحق زملائهم الذين يتقاعسون عن الانتخاب. إضافة إلى إلزام كافة الموظفين بانتخاب قائمة الوحدة الوطنية والتي هي البديل الشكلي عن قائمة الجبهة الوطنية التقدمية سابقاً. الى اشراك عناصر الجيش السوري والدفاع الوطني في الانتخابات. الى الزام أمناء الصناديق ووكلاء المرشحين بالانتخاب أكثر من مرة وبإحضار البطاقات الشخصية لكبار السن في عائلاتهم والانتخاب بدلاً عنهم.
وكان طبيعياً ان يسمع أي شخص يمر قرب المراكز الانتخابية بتهامس عناصر الدفاع الوطني عن عدد المرات التي قاموا بها بالانتخاب والتي وصلت في المراكز النائية في الضواحي الى عشر مرات لنفس العنصر. وكما في سوق الحميدية، حيث يتنافس الباعة على اجتذاب الزبائن كان وكلاء المرشحين وعناصر الدفاع الوطني يتنافسون في اجبار الاشخاص في الشوارع على الدخول الى المراكز الانتخابية وممارسة حقهم الانتخابي والي مضايقتهم في بعض الاحيان حين يرفضون الدخول. ووصل الامر لدى بعض الحواجز القريبة من المراكز الانتخابية الى منع الاشخاص من المرور اذا لم ينتخبوا. و توج هذا اليوم بنزول الرئيس وعقيلته الى المركز الانتخابي في مكتبة الاسد وإدلاء الرئيس بصوته وبحديث صحفي عن أهمية ممارسة الرئيس في هذا الوقت لحقه الانتخابي، بالإضافة الى وزير الدفاع في أحد القطع العسكرية ورئيس الحكومة وكافة الوزراء والمسؤولين الكبار في الدولة.
وكان الاعلام السوري بكافة قنواته التلفزيونية والاذاعية قد قطع كافة برامجه وقام بتغطية شاملة لفعاليات المراكز الانتخابية بالإضافة الى اللقاءات المتواصلة مع الاعلاميين والمواطنين المعبرين عن فرحهم وابتهاجهم بهذا اليوم العظيم. كما كان هناك تغطية شاملة لفعاليات هذا اليوم خارج سورية وفي السفارات السورية بالإضافة الى تأخير الوفد السوري الرسمي عن التحاقه بالجولة الثانية للمفاوضات لمدة يومين وذلك لممارسة حقهم الانتخابي.
وبعد هذا كله وفي حديث الشارع كثرت الاشاعات عن ان قوائم الفائزين هي جاهزة ومعدة للنشر مساء اليوم التالي للانتخابات وهذا ليس بجديد فكلنا داخل البلد نعرف ان هذه الممارسات هي فقط من أجل التصوير والتصدير الاعلامي الى الخارج ومن تابع القنوات السورية رأى مدى كثافة الطوابير أمام الصناديق الانتخابية وهي وافقة طوعاً والابتسامة العريضة على الوجوه حين تمر عدسة الكاميرا من أمامهم كما تم تجهيز الخيم التي أقيمت بها الدبكات والرقصات الشعبية مع أنغام الاغاني الوطنية وتم احياء فرق طلائع البعث وشبيبة الثورة والكشافة احتفاءاً بهذا اليوم العظيم بعد سباتها لثلاثة أعوام على الاقل حيث أقاموا المهرجانات الاحتفالية في الشوارع والساحات العامة.
ويعد الاصرار الشديد من قبل النظام السوري على اجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها بحجة الخوف من الفراغ الدستوري وعدم استماعه الى حلفائه قبل اعدائه ممن نصحوه بتأجيل الانتخابات والاستعداد لجولة المفاوضات التي تقام حاليا في جينيف. ورغم ان كلاً من فرنسا وبريطانيا والمانيا والولايات المتحدة اعتبرت ان هذه الانتخابات لا معنى لها، إلا أنه ضرب عرض الحائط بكل النصائح والتحذيرات وقدم رسالة واضحة الى أصدقائه وأعدائه معا أنه لن يقبل بالمعارضة شريكا له في الحكم ولن يسمح بالتنازل عن أي صلاحيات ممنوحة له في ادارة البلاد مهما كانت بسيطة حتى الفتات لن يتفضل بها وهو ماض في سياسته القمعية مادام قادرا عليها.
خاص “شبكة المرأة السورية”