هدى الشيمي
هناك مثل سوري شعبي يقول “ثوب العير ة ما بيدفي .. وإن دفى ما بيدوم”، نزح مئات الالاف من السوريين فارين من حرب طاحنة، هناك من استطاع تأسيس حياة جديدة داخل بلاد عربية وأوروبية، وهناك من يعيش حياة لم يتخيلها أبدا، يسودها الشتات والضياع، وتعنت حكومات دول مختلفة، وقرارات غير مسئولة يصدرها حكام وقيادات الدول الكبرى، ومن هذا المنطلق، هل سيعود السوريون إلى بلادهم في حالة انتهاء الحرب، تاركين الثوب المستعار، الذي منحتهم إياه الدول الأخرى، أم سيبقون مستسلمين للأمر الواقع؟
وفي هذا التقرير اراء بعض السوريون الذين عانوا ويلات الحرب، انتابتهم حالة من التشتت بين الرغبة في العودة، والترقب لما سيؤول إليه الوضع.
– أول الراجعين لكن بشرط:
غادر خيري الذهبي سوريا، خوفا على حياته وحياة عائلته، ومن هناك إلى مصر، ثم إمارة دبي الإماراتية، ويقول “إذا تأكدت من المخابرات السورية لن تتدخل في حياتي سأكون أول الراجعين”.
ويؤكد الذهبي على عدم عودة السوريين إلى وطنهم، في حالة استمرار بشار الأسد رئيسا لسوريا، “لا اعتقد أن السوريين سيرجعون إلى المعتقلات والقتل”، أما إذا تنازل عن الحكم، فهناك فرصة للعودة وتدبر الأمر.
-استبداد العصابة الحاكمة:
“إذا أصبحت الظروف الموضوعية جاهزة للعودة سأعود بالتأكيد لمدينتي حمص” يقول الصحفي السوري زكي الدروبي، الذي غادر بلاده إلى مصر، ومنها إلى تركيا، مؤكدا على رغبته في اكمال بناء الدولة التي حلم بها السوريون عندما قاموا بالثورة، واستشهد فيها أحبته.
يشير الدروبي إلى امتلاك السوريين علاقات وحياة قبل الثورة، إلا أن استبداد العصابة المتحكمة بسوريا، تسببت في تراكم الوضع حتى انفجر، فلم يكن لديهم ثقافة أو سياسة، أو مؤسسات وسياسيين معارضين، قادرين على قيادة الثورة نحو هدفها، ومع ذلك إذا سمحت الظروف سيعود إلى حمص، حتى لا يخذل من شاركه الحلم.
كما يدافع الدروبي عن السوريين الذي تعرضوا للإهانة وواجهوا الكثير من الاتهامات في البلاد المضيفة لهم، ففيأوروبا اتهموا بالتحرش، وبالإرهاب، والتطرف، ويؤكد أن اللاجئين السوريين منحوا ثقافة جديدة غير معروفة لدى المجتمع المضيف، وزادوه غنى وتنوع، أصبح السوريون الأوائل على المدارس في الدول الأوروبية، كما أنهم يدافعون عن البنات إذا تعرضن للتحرش، وفي مصر كان لهم دور ريادي في العمل والتجارة، “لم نكن عالة على أحد إلا بالحد الأدنى”.
– أكثر جمالا:
يعيش الفنان التشكيلي عز عبود على حدود بلاده، يعمل مع الأهالي المهجرين أكثر من عشر ساعات يومية، ويعتقد إن انتهاء الأزمة سوريا لن تكن كما كانت، بل ستكون أكثر حرية، وأكثر جمالا، وسيعود إليها المواطنين مرة أخرى.
– لا خيار سوى الأمل:
“أكيد رح أرجع” يقول فراس حاج يحيي، محامي الائتلاف السوري بالقاهرة، فهناك أهله وأرضه وبيته ومكتبه وذكرياته، ويتمنى العودة اليوم قبل الغد، إلا أن ببقاء الأسد رئيسا لسوريا، فإن أمر العودة صعب، “مستحيل ارجع أو ارجع ولادي على الظلم، ولعند رئيس قاتل”.
ويتوقع حاج يحيي، أن الأيام القادمة في سوريا ستكون صعبة، ولكن مواطنيه محكومين بالأمل، فلا خيار آخر أمامهم، خاصة مع انتشار الغارات المدمرة لما تبقي من بنى تحتية، ومستشفيات، ونزوح حوالي نصف مليون شخص من منازلهم، واستغلال العديد من الجهات للنزاع القائم في الشام.
ويرى المحامي السوري، إن أغلب العائدين إلى سوريا في حالة توقف النزاع سيكونون الموجودين في المخيمات بدول الجوار لسوريا، أما الأشخاص الذين سافروا إلى أوروبا، فمن المتوقع عدم عودتهم، بعد تأسيسهم حياة جديدة، أما أصحاب المشاريع الاستثمارية، سيظلون بجانب أعمالهم وشركاتهم، ويعودون إلى وطنهم بالتدريج.
– خلافات سياسية عنيفة:
يجد الطبيب النفسي السوري أحمد العسيلي التفكير في مسألة العودة إلى سوريا مرة أخرى، أمر مرهق فكر فيه كثيرا.
ترك العسيلي الذي مر بتجارب قاسية بلاده، وسافر إلى مصر، ثم انتقل إلى العاصمة الفرنسية باريس، وكان العيش في فرنسا والتعامل مع الحضارة الأوروبية عامة، والفرنسية بشكل خاص، أحد أحلامه، منذ الطفولة، فكان يقرأ كتبا لتوفيق الحكيم، وطه حسين، وحلم بأن يعيش تجربة مشابهة في شبابه.
“هل سأعود إلى وطني؟”، يتساءل العسيلي، ويجيب أحيانا بنعم سيعود لأنه سوري وفخور بسوريته، يرغب في متابعة حياته على أرض أجداده، ولكنه لا يعلم كيف سيكون قراره، وقت اتخاذ القرار النهائي، “لم يبقَ لي اصدقاء، ولا مكان في سوريا” يقول الطبيب الذي لا يعلم إذا كان باستطاعته مرة أخرى التعامل مع أشخاص فرقت بينهم الحروب، والخلافات السياسية بشكل عنيف.
يود العسيلي العودة إلى سوريا، ولكنه لا يستطيع القول إذا كان مستقره النهائي سيكون فرنسا، أم سوريا، أو ربها البلدين معا، “لي حياتي هنا، لي عملي وأحلامي”، يقول الطبيب الذي أقترب على منتصف الثلاثينات من عمره، الذي بدأ مشوار تعديل الشهادة، وبدأ مشروعه الأكاديمي، ويتساءل مجددا عن إمكانية البدء من جديد، ومن نقطة الصفر في بداية الأربعين.